قد تستغرب، حينما ترى الإعلان عن حلقات المسلسل الوثائقي “كيف تصبح طاغية” أن صناع المسلسل لم يقدّموا عائلة الأسد وسورية من النماذج عن الطغاة في العالم، فالمسلسل الأميركي الذي أنتجته منصّة نتفليكس أخيراً (يبثّ لأول مرة على الشاشة منذ 9 يوليو/ تموز الحالي)، وقدّم فيه، بدور الراوي المخرج والمنتج الأميركي (منتج منفذ للمسلسل أيضاً)، بيتر دينكلاج، في ست حلقات، مدة الواحدة حوالي الثلاثين دقيقة، ستة نماذج للطغاة في العالم.
كواضعاً ما يشبه الكتاب، يضم وصفات محدّدة يقترح صناع العمل أن طغاة العالم والراغبين بامتلاك السلطة والقوة يمكنهم أن يستلهموا منه كيف يصبحون طغاة، ويحكمون شعوباً بأكملها سنوات طويلة، وهي ترى فيهم أشباه آلهة، أو على الأقل يجعلها الخوف تشعر بذلك، أو تُبدي ذلك، حيث الخوف المتراكم عبر سنوات طويلة يحوّلها إلى شعوب “باطنية”، تظهر عكس ما تخفي، وهو ما يجعل الانتقام، عندما تأتي اللحظة المناسبة، من الطاغية وجماعته، مهولاً ومروّعاً، سواء من الشعوب نفسها، أو من أعداء الطاغية في الخارج، إذ غالباً ما تكون شبكة التحالفات الخارجية التي ينشئها الطاغية، خلال مسيرة حكمه، واهية وآنيّة، ولا تمتلك الديمومة الصالحة لاستمرار الحكم، مهما طالت مدته، إلا إذا استطاع الطاغية عزل بلاده تماماً عن العالم الخارجي، على طريقة كوريا الشمالية.
لا يقدّم المسلسل جديداً لمتابع في الشأن السياسي والتاريخي، فكل النماذج التي قدّمت في الحلقات الست تاريخها الديكتاتوري والإجرامي معروفٌ للجميع، غير أن المسلسل استطاع تقديم معلومات معروفة بطريقةٍ فيها من التشويق والإثارة والاختزال ما يُنسي المشاهد أنه أمام مسلسل وثائقي تاريخي، حيث الكتاب المفترض، الذي يقدّم وصفات جاهزة لصنع الطغاة، أضفى على المسلسل منحىً قريباً من الكوميديا، بيد أنها الكوميديا السوداء، إن صحّ القول، فلا يوجد ما هو أكثر إيلاماً لمتابعٍ من دول العالم الثالث، أو من دولة بوليسية أمنية، كسورية، أن يرى كيف تتم صناعة الخوف التي ميّزت مجتمعه، بحيث يزول الفاصل بين الوطن والنظام، ويوضع البلد، بكل ما فيه، باسم الزعيم الطاغية.يقدّم المسلسل ست حلقات عن ستة طغاة، كل حلقة بعنوان مختلف يتناسب مع طريقة كل طاغية في صنع نظامه.
يبدأ، كما هو متوقع، مع هتلر (الاستلاء على السلطة)، ويكمل في الحلقة الثانية مع صدّام حسين (سحق المنافسين)، ليصل في الثالثة إلى (الحكم من خلال الإرهاب) وعيدي أمين، ثم ستالين في الرابعة (السيطرة على الحقيقة)، ومعمر القذافي و(بناء مجتمع جديد) في الخامسة، ليختم المسلسل مع الديكتاتورية التي لا مثيل لها في التاريخ البشري، كيم إيل سونغ وورثته في حكم كوريا الشمالية، تحت عنوان (الحكم مدى الحياة).
لكننا نكتشف مع الحلقات أن العناوين هي الوصفة الأولى المعتمدة لدى كل طاغيةٍ ليكرّس سلطته، لكن التفاصيل الأخرى تكاد تكون متشابهة، حيث تصلح كل العناوين لتكون عامة للشخصيات الست، ولباقي طغاة العالم ممن ذكرهم صناع المسلسل في المقدّمة، كماو تسي تونغ، مثلاً، وممن أغفل ذكرهم تماماً كآل الأسد.
لماذا لم يضع المسلسل حكم آل الأسد نموذجاً عن الطغاة في العالم؟ قد تخطر لنا نظرية المؤامرة ومحاولة تعويم نظام الأسد عالمياً، خصوصاً أن المسلسل أُنتج في العام الحالي.
أظن أن المسألة تتعلق بمسار حافظ الأسد في تكريس حكمه، فيمكنك أن تدرك، وأنت تتابع الحلقات الست، أن المذكور لم تكن له وصفة خاصة به، استعار وصفات جميع طغاة العالم، فقد استولى على السلطة وسحق منافسيه وحكم عبر الإرهاب وسيطر على الحقيقة وبنى مجتمعاً سورياً جديداً يشبه ما أراده ومكّنه من الحكم مدى الحياة، عبر توريث ابنه الذي استطاع تدمير سورية ليحافظ على حكم السلالة.
لا الأسد الأب ولا وريثه المجرم امتلكا وصفة حصرية بهما، استعار اثناهما وصفات طغاة التاريخ، وطبّقاها في سورية المنكوبة، على الرغم من أن الوريث لا يستحقّ حتى لقب طاغية، لا يملك صفاتٍ كاريزمية قيادية تؤهّله لذلك، وما استمراره إلا بسبب تحالفات سياسية خارجية، لن تتمكّن من إبقائه إلى الأبد على طريقة كوريا الشمالية، إذ لم يستطع والده عزل سورية نهائياً عن محيطها، وعن العالم الخارجي، على الرغم من محاولاته لذلك.
خرج السوريون يوماً من القمقم، ولن يتمكّن أحد من إعادتهم إليه، مهما ارتكب من إجرام.
رشا عمران _ العربي الجديد