syria press_ أنباء سوريا
أجل، لم ينتخب فاروق الشرع، نائب رئيس الدولة عام 2014 بشار الأسد، ومن هم حول الأسد، وخاصة نجاح العطار، النائب الآخر للأسد ولم تزل، يعرفون القصة جيداً، لأنها من دعت النائب الشرع للانتخاب، حيث الإعلام والأضواء وحفلات الولاء لبشار، فرد “سأنتخب في قرى الأسد” حيث يسكن، لكنه آثر عدم تلويث نفسه بدنس مسرحية الانتخابات، وقت كانت جرائم قتل وتشريد الشعب على أشدها، وماء قبور قتلى الغوطة بالسلاح الكيماوي “1400 إنسان” لما تجف بعد.
ولم تتأخر ردة فعل بشار الأسد، إذ لم يتضمن مرسوم تجديد الإنابة للعطار في 20 يوليو/تموز 2014، فاروق الشرع، المبعد أصلاً قبل ذاك، عن أي عمل أو نشاط أو حتى ضوء، وزاد موقفه الذي أعلنه منذ بدء الثورة، إبعاد الجيش والسماع لمطالب الشعب، من إقصائه وعزلته للحد الذي يخشى أي زائر أن يصل إلى بيت الشرع، وهو الثمانيني وابن النظام الذي خدم 22 سنة وزيراً للخارجية وثماني سنوات نائباً للرئيس.
بدأنا بقصة لها من القراءات الكثير، إن بدأت بموقف الشرع الذي يسجل له، بعد أن سرت شائعات حول مرضه الشديد أو موته، ولا تنتهي، القراءات، بأن شيئاً لم يتبدل، بل ولن يتوقف تاريخ الاستبداد بسوريا عند موقف أو رأي أو حتى جريمة، ولو من عيار قتل وتهجير نصف السكان، على مرأى ومسمع العالم بأسره، وربما الموقف الأعلى صوتاً الذي قد يسمعه السوريون، ريثما يتم توريث بشار الأسد لسبع عجاف بعد عشرينية التهديم، هو أن الأسد غير شرعي أو أن الانتخابات باطلة ولا تعبر عن رأي السوريين.
ولعل المؤلم والمضحك بآن، في موقف الأوروبيين وبقية الديمقراطيات العالمية، أنهم “يشككون في نزاهة تلك الانتخابات” أو قد تتنوّع النغمة لئلا يصاب المراقب بالملل “رفض الاعتراف بالانتخابات مسبقاً” ولماذا ياترى؟
يأتي الرد “لأنها تستثني السوريين المقيمين بالخارج”، وتنظم “في ظل غياب بيئة غير آمنة ومحايدة”!!
إذاً، لا ضير بأن يترشح بشار الأسد، بعد عشر سنوات من القتل والتهجير والتغيير الديموغرافي وبيع المقدرات والأرض للمحتلين والشركاء، ولا مشكلة بأن يمتد حكم الأسرة بدولة جمهورية لسبع وخمسين سنة، ولا حتى من معيق لاستمرار التوريث، لمن جوّع وأذّل من تبقّى من السوريين بالداخل.
بل المشكلة من منظور الديمقراطية الأوروبية والعالمية، أن الانتخابات لن تجري ببيئة آمنة وأنها لن تأخذ برأي وأصوات السوريين المهجرين.
وأما القصة الثانية، والتي فيها من القراءات، ربما ما يفوق سابقتها، وهي ترشح 50 سورياً طامحاَ بالرئاسة، إلى جانب بشار الأسد.
وهنا، من السذاجة إن نظرنا للموضوع، بأن ثمة شيئاً، لجهة الحرية والديمقراطية، قد تغيّر بعد الثورة.
بمعنى أنه صار بإمكان السوريين الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، بعد ما كان يجدد للأسد الأب باسم “البيعة” وورث الابن أول فترة رئاسية، 2007 بالأسلوب القمعي ذاته، قبل أن يتغيّر إخراج المسرحية عام 2014 حينما ترشح 24 شخصاً، قيل إنهم انتخبوا سيادته.
إذ من القراءات لهذه الأضحوكة، محاولات صرف النظر عن مجرم سوريا وسبب بلواها الرئيس، وتوزيع أضواء وملابس وديكور المسرحية، على كومبارس، ربما حتى ممنوع عليه، التكلم والحركة.
بيد أن نقطة، بهذا المقام، على غاية من الخطورة على ما نحسب.
إذ بترشح 51 شخصاً لرئاسة الدولة، فيه من السخرية والاستخفاف، ما يثير الاستغراب، فلا بلدية ولا لجنة نقابية ولا عامل نظافة تعلن عنه محافظة دمشق، يمكن أن يترشح له هذا العدد من الطامحين الباحثين عن عمل.
وحين التبحّر بهذه المسخرة وهل ثمة من وراءها، سيكون وعلى الأرجح، استنتاجاً، أنها ليست عفوية، إذ لا يجرؤ سوري على الترشح قبل إذن الأمن، هذا إن لم نأت على نص الدستور وشرط حصول المرشح على أصوات 35 نائباً بالبرلمان.
ما يعني، متابعة بالاستنتاج، أن ثمة من يريد الإجهاز على ما تبقى من سمعة سوريا، بل والتأكيد على أنها دولة فاشلة تتطلب الوصاية وبقاء المحتلين.
ولأي مشكك بوصول سوريا لمصاف الدولة الخطر، على من فيها وجوارها، بعد وجود أربعة محتلين وبلوغ السوريين أعلى درجات الفقر والذل والبطالة، بل وتوزعهم لاجئين على أصقاع العالم.
أن انظر إلى هذه الدولة التي يسعى كل من فيها لمنصب الرئاسة.
وهنا، لا مجال لإسقاط ما قاله الرئيس شكري القوتلي بعد شباط 1958، خلال توقيع الوحدة مع مصر، لجمال عبد الناصر “أنت لا تعرف ماذا أخذت يا سيادة الرئيس! أنت أخذت شعباً يعتقد كلّ من فيه أنه سياسي، ويعتقد خمسون في المائة من ناسه أنهم زعماء، ويعتقد 25 في المائة منهم أنهم أنبياء، بينما يعتقد عشرة في المائة على الأقل أنهم آلهة”.
فوقتذاك كانت ثمة رياح للحرية تملأ صدور السوريين وثمة أحلام بدولة وديمقراطية ومواطنة، ولم يكن البعث ومفرزاته، من حافظ الأسد وسواه من المستبدين، قد لوّث بجراثيم العبودية والطائفية والخنوع، سوريا بما ومن فيها.
نهاية القول: قلنا وسنعيد، لا حول للسوريين ولا قوة، إن بالداخل أو الخارج لوقف هذه الجريمة التي يباركها العالم الديمقراطي ضمناً وصمتاً، وإن رمى للسوريين بعض فتات القول، من استنكار وتشكيك ولا شرعية.
بل ولا غرابة أن يرسل المحتلان، بموسكو وطهران غداً، لجاناً لمراقبة نزاهة وديمقراطية الانتخابات، إن استمرت “الأمم المتحدة” بحردها ومتاجرتها بالتصريحات.
فسوريّو الداخل جميعهم، رهائن بسجن كبير مفتوح، يساومون يومياً على قوتهم وأنفاسهم، كما دفع جلّ سوريّي الخارج، من دم أبنائهم وحرياتهم وكرامتهم، ما لم تدفعه دولة بالعصر الحديث، لنيل الحرية والمواطنة.
لكن الوزر كله، على العالم الديمقراطي الذي غرر بالثورة وأطلق منذ أول دم، صيحات فقدان الشرعية والمطالبة بالرحيل لنظام الأسد، والوزر على دول الجوار التي خافت من رياح الديمقراطية أن تطاول عروشها، فحرفت الثورة وتاجرت بها وبمن فيها.
وأصحاب الوزر، القريبون والبعيدون، سينالهم من جريمة استمرار التوريث، شرر الاستبداد والتطرّف الذي خاب من يظنه سيخمد، فإعادة رسم الخرائط الجديدة وحتى مشاريع التقسيم المرسومة، سيعيقها وجود الأسد ولن يساعد فيها.
كما سيطاول السوريين المهجرين، استمرار تلاشي الأمل لدرجة فقدان الشعور بسوريا الوطن، ولن نرى بعد السبع العجاف، سوريًّا يحنّ للوطن أو يتشهّى العودة، كما سنرى مزيداً من التدجين والعبودية لسوريّي الداخل، برئاسة الأسد الجديدة.
عدنان عبد الرزاق – زمان الوصل