syria press_ أنباء سوريا
لجأ النظام السوري مؤخرا لاتخاذ العديد من الإجراءات التي تخصّ الحوالات المالية الواردة من الخارج، تتسم بالتضارب والتناقض، كما تشكل بعداً غير مسبوق لتعامل النظام مع السوق الموازية.
ويعتقد خبراء اقتصاديون بأن النظام دفع باتجاه تحسين سعر صرف الليرة السورية عبر إلغاء الفارق بين السعر في السوق الموازية والسعر الرسمي من خلال رفع تسعيرة الدولار الى قرابة 2500 ليرة، في محاولة للاستحواذ على القطع الأجنبي الوارد من الحوالات الرمضانية وتلك التي تنشط عادةً عشية عيد الفطر.
ويقول رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” أسامة قاضي ل”المدن“، إن النظام السوري يمتلك تاريخاً حافلاً في ممارسة القوانين المتضاربة في آن معاً داخل المجتمع السوري، “على طول الخط يكون هناك قوانين متضارية يغضّ النظام الطرف عنها”.
في حين يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن النظام يحاول زيادة حجم الحوالات المالية عبر الأقنية الرسمية “لكن حتى الآن لا توجد قناعة لدى المحولين بالأسعار التي تعرضها شركات النظام”.
قرارات مفاجئة
في إجراء غير مسبوق أعلنت شركة “المتحدة للصرافة” أنها على استعداد لتسليم حوالات لتجار وصناعيين، بالدولار الأميركي، ما يخالف قرارات سابقة للنظام تخصّ تجريم التعامل بغير الليرة السورية. كما أعلنت الشركة ذاتها بالتوازي مع شركات صرافة أخرى عن بيع الدولار الآجل بأسعار متفاوتة وفقاً لمدة تسليم القطع الأجنبي بأسعار تبدأ من 3250 للدولار الواحد، وصولا إلى 3100، وانتهاء ب2900 ليرة.
وينص المرسوم التشريعي رقم 3 الصادر في 18 كانون الثاني/يناير 2020، على أن كل شخص يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات “يعاقَب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات”.
ويرى أسامة قاضي أن مخالفة المرسوم 3 من قبل بعض الشركات يمكن تصنيفه في سياق سياسة التناقض التي انتهجها النظام السوري مراراً. ويتابع: “ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا التضارب، فمثلاً يطلب النظام دفع بدلات الخدمة العسكرية بالدولار وهو مخالف للمرسوم رقم 3 على اعتبار أن الشاب الذي يلجأ لدفع البدل سيحمل في جيبه مبلغ 8000 دولار داخل دمشق لتسليمها للنظام. وفي حال تم إلقاء القبض عليه من قبل دورية ما فسيتم سجنه لمدة 7 سنوات بموجب مرسوم تجريم التعامل بغير الليرة”.
إلغاء المرسوم رقم 3
من الواضح أن النظام -بحسب قاضي- في طريقه إلى إلغاء المرسوم رقم 3، الذي يعتبره “مرسوماً أسود ويزيد الطين بلة داخل سوريا، وقد أدّى إلى إغلاق محلات الصرافة ما خفف من كمية الحوالات المالية المرسلة للسوريين من الخارج”. ويوضح أن المرسوم منع عن سوريا حوالي مليار ونصف إلى ملياري دولار وهذا ما خفف النشاط الاقتصادي بشكل كبير جداً. ويضيف أن العام الحالي سيشهد إلغاء المرسوم رقم 3.
في المجمل، يسعى النظام ضمن السياسة الجديدة إلى استعادة ثقة المواطن بالمصرف المركزي، لكن تضارب القوانين والتاريخ الطويل من انعدام الثقة بين المواطن والنظام سيكون حجر عثرة أمام نجاح هذه السياسة سواء في اكتساب ثقة المواطن العادي أو التاجر أو الصناعي.
ويشدد القاضي على أنه ما لم يتم إلغاء المرسوم رقم 3 وعودة شركات الصرافة العادية ضمن بيئة تحمي المواطن فسيظل المواطنون يتعاملون مالياً ومعيشياً ضمن الحد الأدنى، لأن النظام بلجوئه إلى شركات صرافة بعيداً عن المصارف مثل “المتحدة للصرافة” لتنفيذ سياسة معينة يضع أي مواطن وصناعي تحت طائلة القانون.
إيصال رسالة إيجابية
ويرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن الهدف الأساسي من عرض تسليم الحوالات المالية بالعملة الصعبة وعرض بيع الدولار الآجل، هو التلميح إلى أن التصحيح السعري لليرة السورية سوف يستمر.
ويقول، إن النظام السوري يريد إيصال رسالة أخرى توحي بأن السياسات النقدية السابقة تتغير وأن هذا التغير ليس آنياً أو مؤقتاً بل هو تنفيذ لسياسة عامة وستعود شركات الصرافة إلى سابق عهدها.
ويلاحظ الكريم وجود شركة واحدة أعلنت عن تسليم الحوالات بالدولار وهي المتحدة للصرافة، ويقول إن الشركة تعد بمثابة مرياع لسوق الصرف، ويرى أن اعطاء هذا الامتياز لشركة واحدة أمر يدعو للغرابة. فيما يتفق مع قاضي في ربط التعارض في القرارات الصادرة إلى تناقض المسؤولين عن السياسة النقدية في إصدارها للقوانين.
ويقول إن أمام النظام السوري للخروج من حالة التناقض هذه أن يصدر قانوناً يلغي المرسوم رقم 3 “لكن هذا غير ممكن إلا عن طريق رئيس الجمهورية وبما أن النظام الآن في مرحلة انتخابات فيعدّ إصدار مرسوم من هذا النوع غير شرعي”.
إصلاحات طفيفة
أدّى افتقار النظام السوري للقطع الأجنبي إلى أزمات متفاقمة جعلت من سوريا مكانا يعيش قاطنوه في شلل شبه تام. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي يزمع بشار الأسد خوضها مع بضعة مرشحي “كومبارس” يحاول النظام الحصول على القطع الأجنبي لتحسين الظروف الاقتصادية للبلد ولو بشكل طفيف.
ويقول الباحث في مركز “جسور” للدراسات خالد التركاوي إن شركات الصرافة باتت تعرض سعرا أفضل للدولار مقارنة بالسابق، من أجل الاستحواذ على القطع الأجنبي الناجم عن التحويلات المالية التي تتزايد في رمضان وقبيل عيد الفطر كما جرت العادة. ويتابع، أن “هناك محاولة قدر الإمكان لشد الليرة السورية نحو التحسن”.
ويرى التركاوي أن تسليم الحوالات بالدولار الذي يعد مخالفاً لقوانين النظام هو أمر مؤقت وسيعرض العملاء الذين يتسلمون بالقطع الأجنبي إلى الاعتقال في مرحلة ما. ويتوقع أن القضية ليست سوى “تطميع الناس لتخفيض سعر الصرف لكن بعدها: إما يلجأ النظام للاعتقال أو يعرقل التسليم”.
محمد كساح _ المدن