syria press_ أنباء سوريا
لعل السؤال الذي يجول بخاطري وأبحث له عن إجابة، وقد كثرت البلايا على أمتنا والرزايا، وأنا أنظر إلى أحوال أبناء شعبي في الشتات والمخيمات، ومدن الداخل مدّمرة، ما الذي أوصلنا إلى هذه الحال ؟ ولعل الجواب يحيلني لمرحلة ما قبل تشكّل الدولة السورية، وكيف مزّقت هذه الأمة وتحولت لأقطار ضعيفة ومنهوبة ويقوم عليها عملاء أو موظفون …
فمنذ أُسقطت الخلافة العثمانية، والتي كانت شكلاً من أشكال الخلافة الإسلامية التي بدأت مع انتقال الرسول الكريم محمد -صلوات ربي وسلامه عليه- إلى الرفيق الأعلى، وختام الرسالات السماوية برسالة الإسلام..…
وأحاول أن أجد جواباً لهذا السؤال، لقد عملت الصهيونية على إسقاط الخلافة، وشارك”عربٌ” بهذا الإسقاط؛ سعياً لما أسموه “الثورة العربية” تتيح لهم أن يُنشئوا كياناً لدولة عربية يقودها الشريف حسين من (السلالة الهاشمية)، والذي خدعته القوى المنتصرة في الحرب العالية الأولى لتسلُّم الملك في بلاد الشام والعراق، وهكذا ساهم أسلافنا بإضعاف الأمة.
بإسقاط الخلافة التي كانت تجمعنا، وعمل كل من سايكس وبيكو على تشكيل خريطة لمنطقة الشرق الأوسط، فقسموا بلاد الشام، التي كانت تضم سورية ولبنان وفلسطين والأردن، وعاصمتها هي عاصمة دولة الخلافة التي كانت تمتد من الصين، إلى الأندلس (دمشق).
وتقاسم هذان النفوذ، فدخل الجيش الفرنسي سورية، بينما دخل جيش التاج البريطاني فلسطين، ومنح الأردن للأمير عبد الله الذي تحوّل إلى ملك، وكان هذا التقسيم تمهيداً لإنشاء “كيان صهيون” الذي نراه اليوم باسم (إسرائيل)، وأما سورية فاقتطع الفرنسيون جزءًا منها، وألحقوه بما كان يسمى (متصرفية جبل لبنان) زمن العثمانيين.
حين لم يكن على الخريطة دولة تحمل اسم (لبنان)، وأنشأ الفرنسيون بذلك دولة تحمل هذا الاسم، من أجل أن يكون للنصارى دولة.
وبرغم التمزيق الذي لحق ببلاد الشام إلا أن سورية بقيت هي المركز، ولم يكن لبنان ولا الأردن يملكان مقومات دولة، وأذكر أن الخبير الألماني الدكتور (شاخت) درس اقتصادات المنطقة، وحين تجوّل في لبنان لم يجد أي أساس اقتصادي لبناء الدولة، فسأل رئيس الجمهورية عن كيفية تأمين عيشهم فقال له: “البركة في الجبل”.
وأما المملكة الأردنية الهاشمية، فكانت أشبه ما تكون بمجمعات سكانية، وقد زرت عمان العاصمة عندما كان أميرها (الأمير عبد الله) ولم يكن فيها سوى وسط المدينة حول مسجدها الكبير، وإلى جانبه وليس بعيداً عنه مدرج روماني، ثم حارة الشراكسة، ومجموعة القصور الملكية ومقابلها أبنية في أول جبل عمان.
في الأردن عرض الأمير عبد الله على السوريين الذين استوطنوا هناك، ومنهم آل الطباع، عرض عليهم أن يتسلموا الحكم، فلم يقبلوا؛ لأن عقلية التاجر تغلب عليهم، وللحقيقة والتاريخ فإن (الدمشقيين) هم الذين بنوا الأردن، وطبعاً أقول ذلك قبل النكبة الفلسطينية، التي أتت بأعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين شكّلوا رقماً أساسياً في الأردن.
وأود هنا أن أنوّه إلى أن النهضة الأردنية واللبنانية قامتا على مآسي السوريين، فحين تمت الوحدة بين سورية ومصر، وجاء عبد الناصر بأفكاره (اليسارية)، وأصدر قوانين التأميم والإصلاح الزراعي، وكانت تجربة الاقتصاد السوري في اولها، وأشير هنا إلى زيارة الرئيس الماليزي (مهاتير محمد) الذي صرَّح برغبته في نقل التجربة السورية إلى ماليزيا، أدت تدابير عبد الناصر إلى هروب كبار المتمولين السوريين إلى (لبنان) حين كان لبنان دولة الحرية.
كما هرب قسم منهم إلى الأردن، وانتعش لبنان والأردن على نشاط المتمولين السوريين.
وعندما وقع الانفصال بين سورية ومصر، وما إن بدأت سورية تخطو خطواتها نحو نظام ديمقراطي، حتى وقع انقلاب ١٩٦٣ الذي قاده ضباط ينتمون إلى حزب البعث والناصريين.
وعادت شائعة التأمين والمصادرات، وعندها عاد المتمولون للهرب إلى لبنان، وأخص منهم تجار الأبنية الذين أشادوا الكثير من الأبنية الفخمة في بيروت، ومنها على سبيل المثال (بناية الجيفينور) في الحمرا في بيروت، كما ذهب قسم من المتمولين إلى الأردن، وهكذا استفاد لبنان والأردن من المتمولين السوريين في بناء اقتصادهما، وأذكر هنا ما كان للمرحوم خالد العظم من فضل حين عمد إلى القطيعة الاقتصادية بين سوريا ولبنان، الذي كان يُشكِّل علقة تعيش على الدم السوري.
والمؤسف أن نرى كيف يُعامل اللاجئون السوريون في لبنان، وخاصة حين تسلَّط عليهم المجرم نصر الشيطان، وما يتعرضون له من اضطهاد وإذلال، خدمة لملالي ماخور قم.
هكذا قدر سورية، تحتضن الجميع في الأزمات، بينما تتلقى الطعنات ممن تحسن إليهم.
هيثم المالح _ الرسالة بوست