syria press_ أنباء سوريا
تطرح مشكلة تمكين المرأة السورية نفسَها بقوة على كلّ مسارات الحل للقضية السورية، وعلى المجتمع والتيارات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات السياسية، فضلًا عن جهات دولية وأممية عديدة، وتأخذ هذه المشكلة حيزًا من الحوار والنقاش والمفاوضات، في كلّ المحافل، وتدخل في البرامج السياسية وحوارات المثقفين وسياسات منظمات المجتمع، وبقدر ما تُلاقي أنصارًا يعملون لتمكين المرأة، تواجه قوًى اجتماعية وثقافية ودينية وسياسية لا تهتمّ بهذا التمكين، وربما تعارضه إلى حد بعيد.
ليس من الحصافة التأكيد أن المرأة السورية عانت كثيرًا من تبعات الحرب التي أنهت عامها العاشر، ودفعت أثمانًا باهظة، فقدًا وتهجيرًا ونزوحًا وفقرًا وعنفًا ويتمًا، وهي تسعى لإيقاف الحرب وبناء السلام والسلم الأهلي. وليس من الحصافة أيضًا التأكيد على حق المرأة السورية في المساواة الكاملة، سياسيًا وقانونيًا واجتماعيًا واقتصاديًا؛ فمن البديهي أن يوافق أي عاقل على هذه المبادئ، من حيث إنها حقوق لا غبار عليها، ولا يمكن لأي مُطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية والمواطنة إلا أن يتبناها.
وعلى الرغم من هذا كله، لم تحصل المرأة السورية إلا على جزء يسير من حقوقها، لا قبل الثورة ولا بعدها، ويبدو أن من الصعوبة بمكان إزالة آثار المجتمع المتخلّف، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، الذي تعيش فيه، وتأطير التعليمات والآراء الفقهية الدينية التي تراكمت خلال التاريخ وابتعدت عن جوهره وصحيحه، ورفع نير السلطة السياسية الاستبدادية الأمنية القمعية التي تحكمها، كما تحكم الرجل.
بناءً على هذا، تفرض الواقعية الآن عدم الاكتفاء بالحديث عن معاناة المرأة أو عن حقوقها وحسب، بل البحث عن أنجع الوسائل وأسلم الطرق التي تحقق لها هذه الحقوق كاملة دون نقصان، وبسرعة وفاعلية ودقّة.
“الجندر”، بحسب تعريف المنظمات العالمية، هو بنية اجتماعية من الأفكار التي تُعرّف الأدوار ونظم الاعتقاد والمواقف والقيم والتوقعات للرجل والمرأة، وهو مبنيّ على أساس المُثل الثقافية في مجتمع معين، وقد يقوده ويدافع عنه وينظمه الرجالُ أو النساء، لأنه ليس تمييزًا للجنس بل تطوير للعقلية، وليس شرطًا مُطلقًا أن تكون السيدات هنّ الأكثر قدرة على تحصيل حقوقهن، فكما أن عقول كثير من الرجال منخورة، هناك كثير من عقول النساء منخورة أيضًا، وكما أن بينهنّ الرياديات والمفكرات والسبّاقات، نجد بينهن أيضًا المتسلطات والشموليات والأصوليات و”الداعشيات” و”الشبيحات”، ومن تحمل تلك الأمراض الاجتماعية والقيمية والتاريخية. وبناءً على ذلك، لضمان حق المرأة و”توازن الجندر”؛ على كل النخب من ذوي العقول المنفتحة، سواء أكانوا رجالًا أم نساءً، أن تعمل دون تعصب فكري، لضمان حقوق وأدوار المرأة السورية في سورية المستقبل.
ليس التغيير الشكلي هو الحلّ، وليس مجرد فرض نسبة من النساء على الهيئات السياسية والوفود التفاوضية واللجان هو الحل؛ فالنسبة العددية غير قادرة على تحصيل حقوقهن، وقد حقّق قاسم أمين للمرأة أكثر بكثير من كلّ نساء جيله، وزنوبيا وجوليا دومنا لم تحكما لأن المجتمع كان يضمن للمرأة نسبة تمثيل.
وليس تبدّل هموم بعض النخب النسوية السورية لتصبح “جندرة” سورية، لا حرّيتها وديمقراطيتها وكرامتها، ولا خلاصها من جلادها، هو الأمر الأهمّ، وتفرغهن للمطالبة فقط بنسبة مهمة وبموطئ قدم في كل حراك أو تيار سياسي، بغض النظر عن الجدوى والأداء.
وليست إقامة مؤتمرات نسوية شكلية، أو عقد اجتماعات لراعيات السلام، هو الحل، فكلها كلام غير منهجي وغير مُلزم، وكذلك ليس التزاحم على الصفوف الوظيفية الأولى هو الحل، فالمناصب في المرحلة القلقة ما قبل الانتقالية ليس لها معنى، والحرب مستمرة ولم تنتهِ، ويمكن أن تحرق نيرانها أي تقسيم وظائفي آني ومؤقت.
الأهم من كل هذا هو العمل على الذهنية السورية، وعلى تغيير القناعات والعقليات والموروث الفكري، وإصلاح المجتمع وترميمه من كل النخر الذي دمّره عبر قرون.
الحلّ يحتاج إلى نهضة مجتمعية شاملة، رجالًا ونساءً، لرفع مستوى الوعي بأهمية دور المرأة الحقيقي والعميق، وتفعيل هذا الدور في المجتمع، وضمان حقوقها في الدستور المرتقب والقوانين والمواثيق، وتعديل قانون الأحوال الشخصية جذريًا، في ما يتعلق بحقوقها ومساواتها، ودعم سياسات تمكين المرأة وتوسيع مشاركتها الحقيقية -لا الوهمية- في السياسة والمجتمع والاقتصاد، وتطوير الخطاب الإعلامي الذي يستهدف تغيير ثقافة المجتمع تجاه قضايا المرأة، ووقف العنف ضدها، وتطوير الرؤية المحلية في ما يتعلق بقضاياها، والتأسيس لوضع خطة وطنية واضحة المعالم لتمكينها، ودفعها للمشاركة الفاعلة في القضايا الوطنية كلها، المصيرية وغير المصيرية.
وعلى الجميع أن يتذكّر أنه لن تحصل المرأة السورية على حقوقها، إذا لم يتغير النظام الشمولي إلى نظام يضمن عدالة وحرية ومساواة يحتاج إليها ويستحقّها الجميع، وما لم يتم ذلك، فإن الجميع سيخسر، وهنا فقط سيتساوى ويتعادل الجميع في الخسارة، رجالًا ونساءً.
باسل عودات _ مركز حرمون للدراسات المعاصرة