syria press_ أنباء سوريا
من أسوأ العادات التي ورثناها عن نظام عائلة الأسد – نحن السوريون الذين خرجنا عليه – ولم نتمكن من التخلص منها بعد، وحكمت نظرتنا وتعاملنا مع “الجيش السوري الحر”، وتالياً مع مئات الفصائل المقاتلة، التي “تشظت” عنه تشظياً سرطانياً، تتجلى في ذلك الخوف، الذي يجعلنا نتحاشى انتقاد “العسكر”، والإشارة إلى أخطائهم، وإدانة العبث الذي يظهر في بعض ممارساتهم، اتجاه المدنيين خاصة، وتقديم النصح لهم، إلى الحد الذي أصبحنا نتعامل فيه مع ممارساتهم – الفظيعة أحياناً – وكأنها أمر مسلم به، وخارج اهتماماتنا، ولا يجوز انتقاده، والمطالبة بتصويب مساره، وتصحيحه..!.
كان “عسكر” نظام الإجرام، يخسرون حروباً، فنجبر على تبرير خسارتهم، ونخترع لخساراتهم المزمنة، مصطلحات غرائبية من نوع أنهم “خسروا معركة ولم يخسروا حربا”، أو أنها وقعت بسبب عدم امتلاك السلاح “الاستراتيجي” المتطور الذي يمتلكه عدونا، دون أن يخطر في بال أحدنا التساؤل – ولو مع نفسه – عن مصير تبرعاتنا “للمجهود الحربي”، وعن حقيقة الفواتير الضخمة التي دُفعت لشراء سلاح، قيل لنا إنه قادر على دك المدن والملاجئ الإسرائيلية…؟!
لم يكن مسموحاً لنا – كمواطنين- السؤال عن الموازنات العسكرية الضخمة المخصصة للعسكر، ولا عن “الكومسيونات الضخمة”، والرشاوى، التي كان يتقاضاها العسكر المقربون من رأس النظام، عند شراء سلاح – هو أقرب إلى الخردة – بمبالغ فلكية الأرقام، تنهك ميزانية الدولة، وتملأ جيوب سماسرة النظام…!
عندما اُعلن عن انطلاق الجيش السوري الحر، في الأشهر الأولى لـ “الثورة السورية”، طغى الفرح على وجوه السوريين، وعندما بدأت المدن والبلدات والقرى تتحرر، امتلأت مآقينا بدموع الفرح، وبدأنا “ضب الشناتي” للعودة.. لكنها فرحة لم تدم طويلاً…!
بعد أشهر قليلة، تخلى “الجيش السوري الحر” عن “قراره الوطني” الذي يبرر وجوده، رغم تزايد عتاده بعد تحريره المستودعات الضخمة في ثكنات النظام، ورغم اندفاع الشباب للانضمام لفصائله، فوجئنا، مرات عديدة، بإخلاء المواقع والانسحابات، غير المبررة، من مناطق تم تحريرها، لنكتشف لاحقاً، أنها تزامنت مع رهن بعض الفصائل “قرارها الوطني” للدول التي بدأت تتدخل، وتستثمر في دمائنا، وتحرف المسار بما يخدم مصالحها.. لقد “طار القرار الوطني في مهب الريح”، ومعه بدأت عملية إفراغ العمل العسكري من هدفه وعمله الأساسي في تحرير الأرض، وحماية المدنيين، وذلك من خلال جر المقاتلين إلى “طين السياسة”، وإشراكهم في مؤسسات سياسية فاقدة للرؤية، وأثبتت الأيام، أنها لا تمتلك مشروعاً وطنياً معبراً عن أهداف الحرية والكرامة، التي أعلنها “الشعب السوري اللي ما بينذل”، منذ الساعة الأولى لانطلاق ثورته، وهكذا أصبح قرار الفصائل المقاتلة، مرتهناً لهذه الجماعة “السياسية…؟!” أو تلك من الجماعات المدنية، التي تناسلت بشكل غرائبي، ودون حاضنة شعبية، ولا يتجاوز عدد أفرادها عدد الذين أطلقوها، وسموا أنفسهم قادة لهذا الحزب، أو تلك الهيئة، أو ذاك التيار، المرتهن – أيضاً – لهذه الدولة، أو تلك…!
الآن.. وبعد عشر سنوات من السفك اليومي لدماء الأبرياء، ومن التدمير، والصراعات البينية بين الفصائل على مناطق نفوذٍ متغيرة، تصغر مساحتها يوماً بعد آخر، ومن تحويل الضباط المنشقين إلى بيادق تتحرك بأوامر الذين تصدروا الأجسام السياسية الهشة، صار من حق السوريين تجاوز الخوف، واعتياد طرح الأسئلة، والحصول على إجابات واضحة تبدد مخاوفهم.
قبل أيام، ودون ضجيج اعتدناه، أجرى “الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة”، تعديلات في هيئته العامة طالت العسكريين في الائتلاف، وجرى استبدالهم بشخصيات عسكرية أخرى، تلا ذلك إصدار عدد من التصريحات والتقارير، التي أشارت إلى أن هذه التعديلات جاءت بسبب عدم وجود فصائل على الأرض تتبع لهم، وأنهم انتسبوا للائتلاف باسم فصائل “تبيّن لاحقاً أنها غير موجودة”…؟!
قيل الكثير في أمر هذه التعديلات ودوافعها، وفي حين اعتبرتها بعض المصادر الإعلامية، انعكاساً لصراع بين النافذين في الائتلاف ومحاولة كل طرف منهم، تأمين أكبر عدد من الأصوات الانتخابية، وتوسيع بطانته، رآها آخرون إرضاء للدول اللاعبة/الداعمة في الشأن السوري، وأوضحت السيدة نائب رئيس الائتلاف والمتحدثة الرسمية باسمه، ربا حبوش، أن “عملية إعادة الهيكلة تتم ليكون ممثلو الفصائل معبّرين عن الواقع التنظيمي الفعلي للجيش الوطني السوري، خصوصاً بعد التعديلات والتطويرات الأخيرة التي أجريت على الجيش، فقد تم تنظيمه في ثلاثة فيالق إضافة إلى الجبهة الوطنية للتحرير”. وأضافت في حديثٍ لـ “العربي الجديد” أن “إعادة الهيكلة تسعى إلى نقل هذه العملية التنظيمية إلى الطريقة التي يتم بها تمثيل الجيش الوطني في الائتلاف، بالاتفاق بين الفصائل الفاعلة على الأرض ضمن الجيش الوطني، فتكون مرجعية واحدة لممثلي الفصائل في الائتلاف”.
السؤال. كيف يكون هذا تمثيلا “لجيش وطني” مادام مشروطاً باتفاق الفصائل الفاعلة؟ هل الفصائل جسم مستقل، أم أنها يجب أن تكون جزءا من “جيش وطني”…؟ تفسير غريب، لا يقل عنه غرابة حديث السيدة النائب عن هيكلة الجيش ضمن “فيالق وجبهة وطنية للتحرير”.. لتجبنا السيدة النائب.. ماهي حاجتنا لوجود “جبهة مستقلة” في جيش يدعي تمثيل الوطن؟ أم أنه تفصيل للجيش على مقاس قادة فيالق وجبهات، كل منها “يغني على ليلاه”، ويقاتل بالأظافر للحفاظ على دوام سيطرته في المساحة التي “يعتش” منها…؟
بغض النظر عن هذه التفسيرات، وحقيقتها، صار من حقنا، بل واجبنا، أن نطرح الأسئلة، التي تأخرنا في طرحها، ومن واجب المعنيين، تقديم الإجابة الشفافة الشجاعة عنها.
من حقنا أن نسأل، عن هذه “الكريزة” المفاجئة، التي حدت بالائتلاف لفعل ما فعل؟ لماذا سكتوا عنهم طيلة الفترة الماضية، وهم يعلمون أنهم “لا يمثلون أحداً”؟ وإن لم يعلموا تكون “المصيبة أعظم” …؟ وماذا عن البدلاء الجدد.. ماذا يمثلون؟ ماهي أدوارهم الفاعلة؟ بل لماذا هم أصلاً أعضاء في الائتلاف؟ أليس من الأجدى لو اقتصر الأمر على وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، ورئيس هيئة الأركان، بموقعهما الاعتباري وليس بشخصيهما؟ أم أنها لعبة توازنات قوى، يجر كل طرف في الائتلاف البساط لناحيته، ليُكبّر “كومته” كما ورد في بعض وسائل الإعلام؟ وغطاء إبقاء الفصائل، وعدم حلّ نفسها والانضمام لجيش أعلنوا عن وجوده مراراً…؟!
من حقنا أن نسأل، عن الموانع التي تحول دون استيعاب التجمعات العسكرية للضباط، الذين يظهرون على الساحة، معلنين عن تجمعات بمسميات متعددة، بدل تركهم على الهامش، لا شغل لهم إلا إصدار البيانات الباحثة عن راعٍ يرعاهم، ثم يصمتون بانتظار مناسبة جديدة للتذكير بأنفسهم …!
لقد سمعنا كثيرا عن تحذيرات قيادة هيئة الأركان العامة للقوى العسكرية والثورية السورية التابعة للجيش الحر (لم نفهم ماهي علاقة القوى الثورية بالجيش.. فسروا لنا)، وأنها “ستعاقب بشدة الأشخاص، الذين يرتكبون أفعالاً تخالف القيم التي يدفع ثمنها الشعب السوري الثائر”، لكننا لم نسمع – بعدُ – عن إيقاف ومعاقبة أحد…!
من حقنا أن نسأل، لماذا لم نسمع عن السلاح، الذي تم اغتنامه من مستودعات “مهين” وغيرها.. أين ذهب؟ أين استخدم…؟ ما حقيقة بيع قسم منه حسب ما جاء في وسائل التواصل وبعض الوسائل الإعلامية؟
من حقنا أن نعرف، ماذا فعلت وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، مع محلات تجارة السلاح في المناطق المحررة…؟ هل سألنا أصحابها عن مصدرها…؟ هل اتخذنا إجراءات لمنعهم…؟ من هي الجهات التي يتعاملون معها في الشراء والبيع…؟
من حقنا أن نسأل، هل حوسب الذين تهاونوا – وربما كانوا متورطين عن قصد – في حراسة مخازن السلاح الموجودة في مناطق محررة ملاصقة للحدود السورية – التركية، مما جعلها “لقمة سائغة” استولى عليها تنظيم داعش الإرهابي، دون أن يواجه بأي مقاومة تذكر…؟
من حقنا، أن نسأل، ماذا فعلت وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، مع العناصر المتهمة بتهريب الآثار السورية إلى الخارج، بحجة تمويل المقاتلين وتوفير السلاح اللازم لهم…؟
من حقنا أن نعرف – ومع كل هذه التساؤلات الباحثة عن إجابات ينتظرها السوريون الأحرار – هل مازال عندنا “جيش سوري حر” يمثل الثورة السورية؟
السؤال الأساسي، الذي يجب الإجابة عنه، متى نستطيع، “نحن الشعب السوري اللي ما بينذل” الباحث عن حريته وكرامته التخلص من هذه “الألاعيب الصبيانية”، التي استحكمت بمسار ثورتنا، وكادت أن تحول أحلامنا الجميلة بالوطن الحر المدني الديمقراطي، الذي خرجنا من أجله، إلى سرابِ ماءٍ بعيد المنال؟
المطلوب استعادة قرارنا الوطني، أولا والخلاص -بعدها- من الفصائل والكتائب والجبهات والهيئات، واستبدالها بجيش محترف، قراره حسب تقديراته.. جيش يُسجن فيه الجندي، الذي لا يحيي رئيسه بشموخ يطال الغيوم، وخبطة قدم هدارة تخرج الماء من الأرض.. لا نريدها عملية تبديل “طرابيش” فارغة المحتوى، وغطاء على مفاسد فاحت رائحتها إلى الحد الذي لم يعد يطاق…!
حلمنا، أن نرى جيشاً سورياً، حراً، وطنياً، محترفاً، يُشكل رافعة قوية للعمل السياسي، وهذا لن يتحقق إلا بالجواب عن السؤال الذي طرحه الراحل سمير القصير قبلنا يجب أن نعرف:
-“عسكر على مين…؟!” ونضيف عليه: “ولمين”…؟!
عمار مصارع _ موقع تلفزيون سوريا