سيريا برس - أنباء سوريا
أحمد ماجد شماع
يودع الشعب السوري عاما مضى من عمر الثورة السورية المباركة ويستقبل العام 2021 الجديد وهو يستعد لاستقبال فصل الشتاء والبرد القارس في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية متدنية جدا للشريحة الأوسع من أفراد المجتمع السوري نتيجة الحرب التي طال أمدها إلى ما يقارب العشر سنوات، ولما تنتهي بعد.
في مثل هذه الأيام من العام 2019 كان الدولار الأمريكي يساوي 1000 من الليرات السورية، وخلال العام 2020 المنصرم راحت الليرة السورية تنهار وتتقهقر بشكل متسارع حتى وصلت إلى جوار 3000 ليرة سورية مقابل الدولار في نهاية هذا العام 2020، ولعدة مرات سبقت، أي بنسبة مئوية قاربت 200%، كل ذلك رغم الاستقرار النسبي لمناطق النظام بعد أن بسط سيطرته بشكل كامل على ما يقارب ثلثي مساحة سورية بعد المصالحات التي تمت في الجنوب والتهجير إلى مناطق الشمال وادلب.
الموازنة العامة للدولة
فإذا رجعنا إلى الموازنة العامة للدولة للعام 2020 نجد أنها بلغت 4 مليارات ليرة سورية في حين أنها كانت 2 مليار ليرة سورية في العام 2019، ويرجع السبب في ذلك إلى أن النظام قام بإصدار مبالغ كبيرة من العملة الورقية لكي يعادل التمويل اللازم لتغطية هذه الموازنة الضخمة، وقد أصدر الأسد بتاريخ الثلاثاء 22 كانون الأول مرسومًا اعتمد فيه الموازنة العامة لسوريا للعام المقبل والتي أقرها مجلس الشعب المنعقد بتاريخ في 16 كانون الأول بمبلغ 8500 مليار ليرة سورية.
ومن خلال معاينة أرقام هذه الموازنة للعام القادم، نجد أنها قد تضاعفت عن العام السابق، أي أننا حكماً سوف نكون أمام انهيار لا يقل عن 100 بالمئة من سعر صرف الليرة، وخصوصا أن وزارة المالية تحجم عن عرض موارد هذه الموازنة وتقدير نسبة العجز فيها وهي تتحدث فقط عن إستراتيجية جديدة للتكليف والتحصيل الضريبي، دون أن تقدم أية أرقام، سواء عن نسبة تمويل الضرائب في الموازنة العامة للدولة، أو قيمة التهرب الضريبي السنوي. علما إنه في بلد كسوريا، لا يمكن أن تصل نسبة تمويل الضرائب في الموازنة العامة للدولة لأكثر من 15 بالمئة، هذا إذا افترضنا أن النظام سوف يكون قادراً على ضبط التهرب الضريبي وتحصيل الضرائب المتراكمة.. مما يجعل الاقتصاد مشلول وغير قادر على استيعاب التضخم الكبير الحاصل من جراء ضخ العملة بدون مقابل من طرف النظام . هذا من جهة
ومن جهة أخرى فإن عجلة الاقتصاد التي تعتمد على تصدير الناتج الوطني والتبادل التجاري مقابل الدولار الذي سيدعم الليرة السورية، قد تباطأت بشكل كبير إن لم نقل توقفت، خاصة وأن حركة الاقتصاد متعثرة بالمجمل في كافة القطاعات الزراعي والصناعي والتجاري نتيجة الحرب الدائرة والخراب والدمار والسرقات ونقص اليد العاملة وارتفاع تكاليف الإنتاج وخاصة المواد الأولية ولوازم الإنتاج المستوردة منها والمرتبطة أصلا بالدولار، وندرة بعض المواد الأخرى، ما عزز انخفاض الليرة السورية مقابل الدولار وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية على المواطن السوري وخاصة الاحتياجات الأساسية في الحياة اليومية كالخبز ولحم الفروج والبيض والخضار، وكذلك المحروقات، من الغاز والبنزين والمازوت للتدفئة والمواصلات وتوليد الكهرباء، مما أدى إلى إرهاق المواطن السوري المقيم في مناطق سيطرة النظام، وتدني القدرة الشرائية عنده.
العقوبات الاقتصادية
ومن جهة ثالثة أيضا فإن العقوبات الاقتصادية الأمريكية وقانون قيصر التي طالت شريحة واسعة من مؤسسات وشركات القطاع العام والمشترك والخاص التي يعتمد عليها النظام في دعم اقتصاده وخاصة المصرف المركزي السوري، قد شلت حركة العجلة الاقتصادية للنظام، علما أن “وظائف البنك المركزي بشكل عام هي إصدار النقد، وإدارة السياسة النقدية، ومراقبة دور المصارف في حركة الأموال في الدولة، كما أن له الدور المركزي في رسم “السياسة النقدية للدولة، والمركزي يعمل على إدارة أموال الدولة ويمثلها في أي تحويل للخارج ويتلّقى التحويلات للدولة من الخارج. وبعد تطبيق العقوبات لن يستطيع التحويل أو تلقي الحوالات.
وقد نشر مركز “كارتر” للأبحاث تقريرًا لرئيس “منتدى الاقتصاديين العرب”، سمير العيطة تحدث فيه عن عواقب تطبيق العقوبات المفروضة على الزراعة والشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع المصرفي وعلى مؤسسات الدولة وشبكات القطاعات الاقتصادية السورية الخاصة ، دون أن يتناول العقوبات المفروضة على الأفراد، وأدى تطبيق العقوبات منذ 2011 إلى آثار غير مباشرة على الاقتصاد السوري، تمثلت بتحويل قسم كبير من الاقتصاد إلى القطاعات غير الرسمية، ما زاد من “تكاليف المعاملات”على المواطنين، وفتحت المجال واسعا أمام المستغلين والانتهازيين وتجار الحروب، كما استفادت منها الفصائل العسكرية من مختلف أطراف الصراع.
كما سببت العقوبات تكريس أنشطة تجارية غير مشروعة تمثلت بالاتجار بالسلاح والمخدرات والأعضاء البشرية وغيرها من الأنشطة الغير مشروعة، وكذلك أنشطة متعلقة بتكرير النفط وتهريبه، فهي مسؤولة عن تضاؤل فرص العمل، والتراجع في نمو الشركات المتناهية الصغر، والتباطؤ الكبير في إنشاء شركات صناعية جديدة صغيرة ومتوسطة في سوريا. ما دفع النظام للاعتماد على أطراف موثوقة من قبله سواء أشخاص ( أمثال رامي مخلوف ومحمد حمشو) أوشركات خاصة ( أمثال شركة “العلي والحمزة” ,”إيلا للسياحة”، و”إيما”، و”إيما تيل للاتصالات” ) أو دول داعمة له ( روسيا وايران والصين وغيرها ) ,كيانات روسية وإيرانية ولبنانية تدعم أو تتعاون مع النظام السوري، والذي أدى به إلى فقد السيطرة على أمواله التي تجمدت بفعل العقوبات، غير التي أودعت في البنوك والمصارف اللبنانية، (حيث اعتمد الاقتصاد السوري بشكل كبير على الاقتصاد اللبناني خلال فترة الحرب الدائرة)، لتأتي الضربة الساحقة من لبنان والاقتصاد اللبناني الذي أصيب بأزمة اقتصادية كبيرة وشلل تام في أواسط العام 2020 حين توقفت المصارف اللبنانية عن الدفع بسبب عجزها عن سداد ديونها المستحقة، بسبب الافتقار الشديد لديها للدولار، ثم جاء على إثرها تفجير مرفأ بيروت الضخم في 4 آب 2020 الذي أصاب الاقتصاد اللبناني بعجز كامل والذي انعكس على الاقتصاد السوري المتهلهل أصلا بشكل قوي وكبير، لأن جزءاً كبيراً من أموال رجال الأعمال السوريين كانت مودعة في البنوك اللبنانية ومن خلالها كان يتم تمويل عمليات الاستيراد للمواد الأساسية للنظام السوري .
إن فرض قانون “قيصر” على النظام منذ بدء تطبيقه في حزيران الماضي قد عمّق ، الأزمتين الاقتصاديتين في سوريا ولبنان، وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، أكد أن الهدف من قانون “قيصر” ليس هدم الاقتصاد السوري. إلا أن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فرشينين، اعتبر خلال مؤتمر “بروكسل 4″، نهاية حزيران الماضي، أن عقوبات “قيصر” تشل الاقتصاد السوري.
وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيانٍ، أن إدارة ترامب تقصدت إصدار الحزمة الجديدة من العقوبات، بالتزامن أيضاً مع الذكرى السنوية الخامسة لاعتماد مجلس الأمن الدولي، القرار رقم 2254، بالإجماع، والذي ينص على الوقف الفوري لإطلاق النار في سوريا، والتفاوض على تسوية سياسية تمهد لانتقال سياسي، وانتخابات بإشراف أممي، في غضون 18 شهراً، من تاريخ صدور القرار، حينها.
ومؤخرا وفي الذكرى السنوية الأولى لتوقيع دونالد ترامب، “قانون قيصر”، قررت واشنطن توجيه ما يُعتقد أنها أقسى حزمة عقوبات ضد نظام الأسد، حتى الآن، بالتزامن بين وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين.
وفيما احتوى قرار الخارجية الأمريكية، بعداً سياسياً جليّاً، حينما شمل بالعقوبات، أفراد عائلة أسماء الأسد، عقيلة رأس النظام، المقيمين في المملكة المتحدة، تضمن قرار وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على مصرف سورية المركزي التابع للنظام، أرفقتها الخزانة بإشارة إلى احتمال أن تشمل العقوبات المتعاملين غير الأمريكيين مع المركزي السوري، الأمر الذي قد يوجه ضربة قاسية لليرة السورية، ولإيرادات ميزانية نظام الأسد، خاصة فيما يتعلق بالحوالات القادمة من الخارج.
إذاً، نحن أمام عدة مؤشرات من العام المنقضي، تسببت في انهيار الليرة السورية، الموازنة التضخمية للاقتصاد ، البالغة ضعف موازنة العام السابق، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان , والعقوبات التي قيدت حركة تداول الدولار والعملات الأجنبية وبالتالي كبلت المصرف المركزي للنظام وقطاع اقتصادي واسع معه
وبناء على ذلك، كيف نستطيع أن نتنبأ بوضع الليرة السورية خلال العام القادم 2021..؟
باختصار، نستطيع القول، ووفقاً لبيانات الاقتصاد السوري، أن الليرة السورية خلال العام القادم، مرشحة لأن تصل إلى أكثر من 5000 ليرة سورية مقابل الدولار، ما لم تحدث المعجزة من قبيل رفع الحصار والعقوبات عن النظام السوري، وتقديم يد العون له من قبل الدول الكبرى، وهذا الأمر في ظل المعطيات السياسية الحالية، هو أشبه بحكم المستحيل.
أحمد ماجد شماع – سيريا برس