سيريا برس _ أنباء سوريا
فيصل القاسم
هل تصدق أن «الحبحبة» بالعامية (تعاطي حبوب الكبتاغون) وتجارة المخدرات وترويجها وبيعها وتعاطيها مهنة وحرفة قانونية و»حلال» و»زلال» ومرخصة، ولا تثريب على من يمارسها ويتعامل بها؟ نعم إنها، اليوم، حرفة ومهنة حزب الله الوكيل الحصري للمرشد الإيراني لبضاعة المقاومة وتحرير المقدسات.
شتـّان بين عام ألفين وستة واليوم، ففي ذلك التاريخ كانت غالبية العرب والمسلمين مغيبة أو غائبة عن الوعي كي لا أستخدم عبارة أكثر قسوة وتجريحاً. وقتها كانت الغالبية العظمى من الشارعين العربي والإسلامي تصفق لحزب الله وزعيمه حسن نصرالله بشكل جنوني، فقد كان الشارع العربي ومازال متعطشاً لظهور قائد قوي يحقق له بعض الانتصارات ويُخرجه من قاع الهزيمة التي يرتع فيه منذ عقود وعقود. وقد ظن كثيرون في تلك الفترة أن زعيم حزب الله هو القائد العربي الموعود الذي سينهض بالأمة وسيجمع شملها. لقد كان الجميع يلتف حول شاشات التلفزيون ليستمعوا إلى خطابات حسن نصرالله النارية التي كان يعدهم فيها دائماً بالانتصارات السماوية والصلوات في القدس.
لكن حبل الكذب قصير مهما طال. صحيح أن النظام السوري حليف حزب الله نجح في الدجل والتدجيل على العرب والسوريين، وادّعى أنه يحمل مشعل العروبة ولواء التصدي للعدو الصهيوني لعقود وعقود، لكن الزمن كشفه بعد اندلاع الثورة السورية، فأدرك الجميع أن هذا النظام الذي خدعنا بشعاراته المعادية لإسرائيل لم يكن ليبقى ساعة واحدة في دمشق لولا الغطاء الإسرائيلي الأمريكي. والكل يتذكر كيف جلست وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها مادلين أولبرايت مع بشار الأسد لساعات عندما زارت دمشق للتعزية بوفاة والده حافظ الأسد. أتذكر وقتها أنه بعد الاجتماع فوراً، تغيرت لهجة الإعلام العربي والعالمي على الفور، وصار الجميع يصف بشار البهرزي «الأسد سابقاً»، بالرئيس السوري الجديد. فجأة اكتشفنا أن أصحاب الصوت العالي في جلد الامبريالية والصهيونية ما هم سوى أدوات قذرة بأيدي الصهيونية والإمبريالية، بدليل أن بشار البهرزي مازال جاثماً على صدور السوريين بعد كل ما اقترفه من كوارث ومجازر وجرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، لأن إسرائيل وأمريكا لم ترفعا عنه الغطاء بعد.
وما أن سقط القناع عن نظام البهرزي، حتى انكشفت ذيوله. لقد أسقطت الانتفاضة السورية أقنعة كل المتاجرين بالشعارات القومجية والعربجية والإسلامجية وقضية فلسطين وعلى رأسهم حزب الله. فجأة بدأنا نكتشف أن علاقة حسن نصرالله بفلسطين كعلاقة فرع فلسطين سيئ الذكر بفلسطين. وكما هو معروف فإن فرع فلسطين هو أقذر وأحقر وأنذل فرع أمني سوري عرفته المنطقة، لأن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود. عندما خرج السوريون مطالبين بأبسط حقوقهم، بدأت ميليشيات حزب الله تغزو سوريا لتعيث قتلاً ودماراً وفساداً في أقاصي المدن السورية كحلب والسويداء. وعندما كنا نسأل حزب الله، لماذا لا تحاربون إسرائيل وهي على بعد ضربة حجر منكم في شمال فلسطين بدل أن تذهبوا للقتال على بعد مئات الكيلومترات في عمق الأراضي السورية، كانوا يقولون إن طريق القدس يمر بحمص وحماة وحلب والسويداء ودرعا. وبعد أن أدى حزب الله مهمته القذرة في سوريا لصالح إسرائيل، بدأ يرّسم ويطبع الحدود معها ونسي تماماً قصة القدس التي ضحك بها علينا سنوات وسنوات.
وقد انكشف الوجه الحقيقي لهذا الحزب اللاعربي أكثر فأكثر بعدما اكتشف الناس أنه لا يكتفي بالمتاجرة بفلسطين والقدس، بل يتاجر بشكل فاضح بالمخدرات، حتى أنه نشر المخدرات في طول سوريا وعرضها، فلم يكتف بقتل السوريين وتهجيرهم، بل راح يعمل على إفساد من تبقى منهم داخل سوريا بالكبتاغون وغيره من المحرمات والمخدرات، فلم يبق مدرسة ابتدائية واحدة في جنوب سوريا إلا ودخلتها المخدرات عبر أذرع حزب اللات. لم يبق مهنة قذرة إلا ومارستها ميليشيات حسن نصر الله كالتهريب والاغتصاب والخطف وغيره في السويداء. ولا ننسى أن حزب الله نفذ أبشع عملية اغتيال في تاريخ الدروز بحق المجاهد الشيخ وحيد البلعوس. وتذكرنا عملية اغتيال الشهيد البلعوس بعملية اغتيال الحريري بحذافيرها حين استخدم حزب الله كميات مهولة تقدر بثلاثة آلاف كيلو متفجرات لقتل البلعوس وبعض رفاقه في الجبل وعلى باب مستشفى السويداء بعد إسعافه إليها.
ما علاقة هذه الجرائم التاريخية كالاغتيال والمتاجرة بالمخدرات بالله عز وجل بربكم؟ كيف تطلقون على حزبكم اسماً إلهياً، بينما أنتم في الحقيقة حزب مخدرات وخطف ونهب وسلب وتشليح وإفساد؟ كيف تقود حزباً إلهياً ثم تتاجر بالمخدرات وتغزو العالم العربي وغيره بالكبتاغون ومختلف أنواع الممنوعات والمحرمات الأخرى؟ لقد وصل حزب الله إلى الجنوب السوري بسرعة البرق بعد اندلاع الثورة السورية بحجة التصدي لإسرائيل، بينما في الحقيقة كان هدفه الرئيسي تصدير المخدرات إلى الخليج لأن جنوب سوريا هو المنفذ الوحيد إلى الخليج العربي. كيف تجمع بين اسم الله عز وجل وأسوأ ما نهى عنه الإسلام؟ كيف ترفع شعاراً ربانياً وتتاجر بما وصفه القرآن الكريم حرفياً بأنه رجس من عمل الشيطان؟ كيف تتلحف بشعارات دينية بينما تدمر حياة الملايين من البشر بمخدراتك؟ لا تقولوا لي إنكم كنتم تحاربون الدواعش في سوريا، فأنتم والدواعش وجهان لنعلة واحدة تتاجرون بالبشر والمخدرات والآثار وكل أنواع المحرمات.
رحم الله شاعر الثورة الفلسطينية الراحل سميح القاسم، فقد كنت وإياه وصحافي قومجي نتناول طعام الغداء في عام ألفين وستة في عز شعبية حزب الله، وبدأت أنا والصحافي الآخر نتغنى ببطولات حسن نصرالله وحزبه ونشيد بها، بينما كان الشاعر أبو محمد صامتاً، لكن عينيه تبرقان غضباً وامتعاضاً. وبعد أن انتهينا من الثناء على «سيد المقاومة»، نظر سميح القاسم إليّ غاضباً وقال حرفياً: «أربأ بك يا ابن العم. كيف تسمح لنفسك بأن تمتدح حزباً طائفياً وشخصاً لا علاقة له بالعرب والعروبة بهذه الطريقة الفجة؟ ألا تعلم أن نصرالله مجرد أجير إيراني ويعتبرك ويعتبرني ويعتبر العرب أجمعين أعداء؟ لا تنخدعوا بشعاراته وخطاباته الرنانة، ستكشف الأيام إذا كنت أنا على خطاً». وفعلاً دارت الأيام وتذكرت كلمات أبي محمد الرائعة. لقد اكتشف الحقيقة بينما كنا وقتها جميعاً مخدرين بشعارات حزب الله الخلبية وخطابات أمينه العام الزائفة.
لقد كانت حرب الأفيون بالصين واحدة من أشرس وأخطر وأنجح الحروب التي خاضتها الدول الاستعمارية لتدجين وترويض الشعوب والقضاء عليها جماعياً، وبما أن المشغـّل واحد، وإدارة العمليات، واحدة هنا وهناك، وبعدما كان طبال المقاومة يستخدم شعاراته الزائفة والكاذبة لـليالي الأنس ووصلات « الكيف السياسي» وحفلات الزار الصاخبة التي كان يمارسها من مخدعه وسردابه، لتخدير الرأي العام، ها هو اليوم يستخدم مخدراته الحقيقية للإجهاز، والقضاء على شعوب المنطقة عبر تغييب الوعي الحقيقي والتخدير وإشغالها بالإدمان، ولنكتشف نحن أنه لم يكن إلا لاعب «كشتبان» ومحتالاً دولياً، ومجرد «مروج»، ومتعاطٍ، ومدمن شعارات، وأن حزبه «اللاوي» ليس إلا «كارتلا» آخر لحشيشة الكيف، والقنب وكل أنواع المخدرات.
المصدر – القدس العربي