سيريا برس - أسماء رزوق
المرأة هذا الحبل الثقيل المتشبث في سرة الحياة البوهيمية، لطالما كانت محط فعل ورد فعل، تطبيق وتحييد، محاك بحنكة الترابط الأبدي في حنجرة اللعنة الخيالية، والسرد التاريخي فيما هو واقع ووهم.
لطالما صيغت مجتمعاتنا تحت لواء التسلط الذكوري الأبوي، ولطالما كانت هذه السلطة امتداداً لكل مفاصل المجتمع، وبرأيي لا نستطيع الفصل في أي عقبة مجتمعية دون الرجوع لما هو بين السلطة والدين والغايات القمعية، فلم تكن آلية القمع الذكوري هي غاية تفصل بين جنسين فقط، بل كانت ومازالت حالة تفصل بين شرائح المجتمع وتلغي مفصلاً هاماً لإضعافه، فكان لابد من تغذية التخلف والتمييز حتى يصبح المجتمع معاقاً في صياغة التكامل والتطور.
حين تكون المنظومة الحكومية قمعية فهذا تباعاً سيأتي على كافة أطياف الشعب، فلن يتملك أي فرد حرية التعبير في أرضية القمع والتشبيح، وهذا ما زرع بمنظومة الحكم الأسدي في سورية، فكان للمرأة السورية خصوصية التعامل ضمن منظومة الاستبداد، ما قبل الثورة وما بعدها، حيث عمل نظام الأسد على تصوير المرأة السورية بوجهها البدائي ضمن حارات شعبية محاطة بالحرام والممنوع، جارية تحت أقدام الزوج والأب والأخ والمجتمع في تغيب همجي لمكنونها الفكري، وقدمها عبر إعلانه صورة ونموذجاً في الحقبة الممتدة من عام 1900 حتى بداية حكمه في أواخر الستينات، إلى أن يظهر فارس حزب البعث المنقذ للمرأة من التسلط الذكوري فيحررها وينجدها في تركيبة ميلودرامية ساخرة.
ولو عدنا بنظرة تفصيلية لما كانت عليه المرأة السورية لوجدنا تمثيلاً حقيقياً لدورها، ومضمونها الفعلي والعملي في التقادم السياسي والانقلابي في سورية.
ففي المراجع التاريخية ببداية القرن العشرين ضمن مخاض سياسي واجتماعي وفكري، كانت تعتلي المرأة السورية عرش الصالونات الأدبية في حوارات عالية الثقافة وبوجه مكشوف للحياة وللفكر.
ويكشف التاريخ الذي عمل جاهداً نظام الاستبداد على تشويهه لوحات من مشاركات المرأة السياسية والتظاهرية ضد الاحتلال، ضمن حركات نسوية تنظيمية، وفي نهم كبير للتعلم وللتطور.
كما وقعت المرأة فيما بعد الثورة في خنق العنق الثوري للرجل ضمن مفهوم الاعتقال والاغتصاب والإذلال الذي لطالما اعتمده نظام الأسد، في خضم تعنت المرأة وإصرارها على مشاركتها وتقديم كل ما تمتلك في احتواء ناعم للثورة .. مطالبة بالحرية والحياة العادلة.
لا ننكر أن التربية الأسدية نشرت سرطاناً سلطوياً بين عقدة الدين و عقبة التمكين، وقعت المرأة تحت عجلاته، ولا ننكر أن هذا السرطان انتشر في مجتمعاتنا وكان منال الإعجاب لطبقات ترضيها العفونة المتجمدة في أرضية التطور، وعلى يقين بأننا معاقون في فهم الحرية وتطبيق العدالة، لكن ذاك الحبل الثقيل المعلق في سرة الحياة البوهيمية، سيشد مفاصل الحياة بنهوضه وسيكون عجلة تمضي في توازن عادل إلى الخروج من عنق الزجاجة التي وضعنا بها أكثر من أربعين عاماً من التوجيه الفكري الخاطئ