سيريا برس _ أنباء سوريا
لم تكن خسارة أبو مصطفى (60 عاماً) لممتلكاته في سورية كغيره من السوريين ممن فقدوا منازلهم في العمليات العسكرية، بل كان ضحية التزوير الذي تفاقم خلال السنوات الماضية.
يقول أبو مصطفى لوكالة أنباء آسيا: أبلغني أحد أصدقائي، وهو موظف في المصالح العقارية، أن أحد أقربائي من منطقة حرستا بريف دمشق قام ببيع منزلي وعدة عقارات أخرى، وبعد التأكد من صحة الخبر حاولت لأكثر من مرة، توكيل محامي لمتابعة القضية واستعادة الأملاك، لكن دون جدوى.
يضيف: بعد جهد كبير تمكنت من معرفة الطريقة التي تمت بها عملية البيع، وبعد مراجعة الأوراق الموجودة في أرشيف مديرية المصالح العقارية تبين أن الشخص المحتال قام بإبراز عقود بيع مزورة أمام القاضي، وتوجيه دعوى قضائية بتثبيت الممتلكات.
انتحال شخصية..
أبو يوسف (46 عاماً) وقع أيضاً في فخ التزوير، فخسر هو الآخر منزله بدمشق بعد سفره خارج البلاد، لكن الطريقة كانت مختلفة.
يقول الرجل لوكالة أنباء آسيا “تمكن أحد الجيران من إخراج قيد مدني بإسمي من مديرية الأحوال المدنية وختم عليه صورته الشخصية، وقام بالتقديم على بدل ضائع للبطاقة الشخصية على أنه صاحبها، وأتم عملية البيع والفراغ من خلال انتحال شخصيتي وإبراز إخراج القيد المدني الموضوع عليه صورته الشخصية.
الداخلية تؤكد..
لم تنكر وزارة الداخلية السورية أنه خلال السنوات السابقة، ونتيجة الفوضى التي عمت ريف دمشق، تمت سرقة الكثير من الأختام التابعة لجهات أمنية، وتم القبض على شبكات تزوير وثائق رسمية عديدة منها وكالات للبيع والشراء، وكان قد تم تعميم جميع الأختام التي سرقت على الجهات العامة، والتي تم عبرها بيع وشراء العقارات المملوكة لأشخاص يقيمون في الخارج .
مزورون بمشاركة حكومية..
في الجانب القانوني، يقول المحامي عبد المنعم الصافتلي، عضو نقابة المحامين بدمشق، لوكالة أنباء آسيا إن “هذا التزوير يعتبر جريمة تقع مسؤوليتها على الكاتب بالعدل والقاضي وموظف السجل العقاري”، مضيفاً “غالبية عمليات التزوير تكون بمشاركة أشخاص يعملون في القضاء والقصر العدلي، وهؤلاء يملكون قوائم بالمنازل الفارغة، وأسماء الأشخاص الذين غادروا سورية”.
لافتاً إلى أن “الأزمة ساعدت على ازدياد حالات تزوير الوكالات؛ ولاسيما الوكالات المتعلقة بالعقارات، حيث أن هناك الكثير من الأشخاص فقدوا وتركوا أملاكهم العقارية، ما دفع العديد من ضعاف النفوس لاستغلال هذه الظروف والإقدام على تزوير الوكالات بهدف بيع هذه العقارات” .
وبيّن صافتلي أنه عندما ينظر في مثل هذه الدعاوى، يقف أمام معطيات مختلفة ومتناقضة، فكل أطراف القضية يقولون إنهم على حق، وهذا ما يتطلب وقتاً كافياً لدراسة القضية، والتأكد من كل الوثائق، ومدى صحتها وقانونيتها.
ويشير إلى أنه في حال اشترى أحدهم عقاراً بطريقة مزورة ثم باعه إلى شخص آخر ليتبين فيما بعد أن المالك الأساسي لم يبع وادعى أن هناك عملية تزوير، فالإجراء المتخذ حالياً هو تثبيت الملكية للشاري الأخير على افتراض حسن النية في هذه العملية من البيع والشراء، ثمّ تبدأ عملية المقاضاة والتدقيق في عملية البيع الأولى بين المالك الأساسي والشاري الأول.
ويروي الصافتلي كيفية استعادة المالك الأصلي لعقاره المسروق في حالة تطبيق القانون: “في حال كان بيع العقار لطرف واحد فقط، يتوجب على المالك التوجه للقضاء المدني أو الجزائي ورفع دعوى إبطال بيع العقار نتيجة استخدام عقد مزور مع المطالبة بالتعويض، أما في حال تعددت البيوع على العقار أو ما يسمى بتنازع المشترين، فيختصر حق المالك الأصلي بالمطالبة بتعويض مالي عن العقار دون استرداده.
محاولة للسيطرة على الوضع..
تعمد الحكومة إلى تشديد الإجراءات على بيع العقارات عقب حالات التزوير الكثيرة، التي يقوم بها سماسرة وموظفون متنفذون، وكدليل على حسن نية وزارة العدل على محاربة هذه الظاهرة تم توقيف أحد القضاة بتهمة التلاعب بنقل ملكية عقارات في حلب بشكل غير قانوني، وجاء القرار عقب تصريح لوزير العدل عن وجود أحكام قضائية صدرت من بعض القضاة في حلب بنقل ملكية عقارات لأشخاص آخرين بناء على وكالات مزورة.
وأشار مصدر قضائي لوكالة أنباء آسيا إلى أنه يتم اتباع طريقتين للكشف عن الوكالات المزورة في سورية؛ الأولى بأن لا يتم تسجيل بيع العقار لدى الكاتب بالعدل إلا بعد مراسلة الجهة التي أصدرتها (أي الكاتب بالعدل ذاته) للتأكد من صحة ودقة الوكالة، وضمان أن الكاتب بالعدل أصدر هذه الوثيقة فعلاً بما يضمن قانونيتها.
والطريقة الثانية وهي الأهم، وتعتمد على تعميم لرئيس مجلس الوزراء صدر منذ عام 2015 يتضمن عدم تنظيم أي عملية بيع وشراء عقاراتٍ إلا بعد الحصول على موافقةٍ أمنية.
الوزير يعِد بعدم التزوير:
ورغم هذه الإجراءات فإن وزارة العدل ألغت 180 وكالة مزورة خلال الربع الأول من عام 2020، وتم اتخاذ العديد من الإجراءات لوقف تزوير الوكالات ومن بينها أتمتتها كي لا يكون هناك أي فرصة للمستغلين بالتزوير، كما تجري عملية الأرشفة في محاولة للقضاء على ظاهرة التزوير المنتشرة في سورية.
وصرح وزير العدل في وقت سابق أنه لا مجال بعد اليوم لتزوير الأحكام القضائية؛ ومنها تزوير الوكالات، لافتاً إلى أن الظروف الراهنة ستعجل في تطبيق هذا المشروع خلال الأيام المقبلة بعد الاعتراف بشكل رسمي بورود شكاوى عديدة من المواطنين تتضمن وجود حالات تتعلق بوكالات مزورة تنقل بموجبها ملكية العقارات على أساس بيع وشراء وتصرف في ملكيات الناس العقارية، وأكل حق أشخاص لا ذنب لهم، سوى أن القانون غير قادر على حمايتهم نتيجة ظروف الحرب في سورية، فالجهات الحكومية المؤتمنة على توثيق المالك لحقه لا تملك الأدوات الكافية لضمان هذا الحق، وهذا ما يشجع نشاط شبكات التزوير والفساد الموجودة على مزيدٍ من الممارسات المخلّة بالقانون نظراً للمردود المادي الكبير له.
الكاتب : نور ملحم/ آسيا