سيريا برس _ أنباء سوريا
ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام بعدة حملات استنكارية، أولها حملة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، ثم تلتها حملة «إلا رسول الله» ثم حملة «ماكرون يسيء للنبي» وذلك رداً على تصريحات الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» خلال حفل تأبين المعلم «صامويل باتي» الذي قُتل وقُطع رأسه في أحد شوارع العاصمة باريس في 16 تشرين الأول/ أكتوبر على يد اللاجئ «عبد الله أنزوروف» الروسي من أصل شيشاني البالغ من العمر 18 عاماً، كردة فعل على ماقام به المعلم من عرض صور مسيئة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام من مجلة تشارلي إيبدو الفرنسية على تلاميذه خلال حصة درسية.
الحملات وردود الفعل
بالعودة إلى ردود الفعل الغاضبة هذه، فكما هو معلوم ليست المرة الأولى التي تستنكر فيها الشعوب الإسلامية الإساءة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام بهذه الطريقة.
والسؤال الذي علينا أن نجيب عنه: ما الهدف والجدوى من مثل هذه الحملات وردود الفعل؟
هل الهدف منها أداء واجب استنكار المسلمين الإساءة لنبيهم والانتصار له أمام الله تعالى، أم أن هدفها يتصف بالاستراتيجية بعيدة المدى التي لا تتوقف عند الاستنكار الآني، بل تعمل على إفهام العالم بأسره أن ديننا ونبينا خط أحمر لا نقبل المساس به ناهيك عن السخرية منه؟
للإجابة عن هذا السؤال ماعلينا الا أن نتذكّر أن مثل هذه الحملات وردود الفعل قام بها المسلمون بقوة وزخم أكبر لمرات عديدة في سنوات سابقة، ولكن تأثيرها كان آنياً ما لبث أن تلاشى، والدليل تكرار الإساءة على نحو ما رأيناه هذه الأيام.
الأمر الذي يضعنا أمام مسؤولية البحث عن سبيل لجعل مثل هذي الحملات ذات أثر بعيد المدى يضمن عدم تكرار مثل تلك الإساءات في المستقبل.
على سبيل المثال: هل فكّر المسلمون بضرورة حشد غير المسلمين ليكونوا معهم في صف واحد ضد هذه الإساءات، وبالتالي يكون أثر هذه الحملات أجدى وأكبر؟ بالعودة مثلاً إلى الموقع الرسمي لصحيفة تشارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، والبحث عن كلمة «محمد» ستظهر لنا (20) نتيجة للبحث، فهل الصحيفة تسخر فقط من رسول الله والإسلام؟
ماذا عن المسيحية واليهودية؟
بالبحث عن كلمة «Jésus يسوع» في الموقع ذاته ستظهر لنا (94) نتيجة، وبالبحث عن كلمة « judaïsme اليهودية» ستظهر لنا (45) نتيجة، أي أن سخرية المجلة طالت أيضاً المسيحية، حيث نشرت العديد من المواد والرسوم الساخرة من السيد المسيح ونظام الباباوية بالفاتيكان، وكذلك طالت اليهودية واليهود.
شيفرة دافنشي
وهذا الأسلوب لا يقتصر في المجتمع الغربي على الإعلام المطبوع أو المقروء، بل تعداه إلى الإعلام المرئي، فقد سبق وتم إنتاج أفلام أساءت للسيد المسيح كفيلم «الإغواء الأخير للمسيح» الذي أُنتج عام 1988، وفيلم «شيفرة دافنشي» الذي أًنتج عام 2006.
والسؤال: لماذا لم يخرج المسلمون ليستنكروا تلك الأعمال التي أساءت لأنبياء الله؟
ألم يقل الله تعالى في محكم تنزيله: (لانفرق بين أحد من رسله)؟ الآية 285 من سورة البقرة، وبالتالي فالانتصار لبقية الأنبياء لا يقل أهمية بالنسبة للمسلم عن الانتصار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟ بل ربما كان السكوت عن ذلك يعني خللاً في عقيدة المسلم الذي يجب ألا يفرق بين أنبياء الله ورسله.
خلاصة القول: لن تكون الحملات التي يطلقها المسلمون ذات جدوى ما دام تبنيها مقتصراً على المسلمين فحسب، فتحشيد غير المسلمين لدعم تلك الحملات لا يتنافى مع تعاليم الإسلام، ويؤدي إلى نتائج أكثر فاعلية، هذا إذا أردنا إحداث أثر حقيقي، ولم يكن دافعنا من هذه الحملات مجرد القيام بواجب الاستنكار كإسقاط حق عن أكتافنا، إذاً فلتصبح الحملة مثلاً: «إلا أنبياء الله» بدلاً من: «إلا رسول الله» عندها يمكن أن ينضم للحملة عشرات الملايين من غير المسلمين، وبالتالي سيكون الأثر أكبر، وقد يمتد أثر مثل هذه الحملة المقترحة ليصنع تغييراً جذرياً للتفريق بين حرية التعبير المضمومنة في القانون الدولي بوثيقة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي يتذرع بها متبنو تلك الإساءات والمدافعون عنها، وتضمينها تحت عنوان: (حرية التعبير) والدعوة لإعادة دراسة المادة (19) والمادة (20) من العهد الدولي اللتين تشكلان تضارباً قانونياً، وخلطاً بين حرية التعبير والنقد من جهة، وبين الإساءة والاستهزاء بالأديان ورموزها وبث الكراهية والتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف من جهة أخرى.
فالمادة (19) تقول:
1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير.
ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
بينما المادة (20) فتنص على:
1. تحظر في القانون أي دعاية للحرب.
2. تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
ومن الواضح جليّاً تضارب مضمون المادتين وحاجة كل منهما لضوابط تحددها وتزيل اللبس عنها، فلو يتم العمل على إطلاق حملة تتبنى شعاراً مثل: «إلا أنبياء الله» فإنها ستحشد مئات الملايين من الداعمين لها من المسلمين وغير المسلمين، ثم تتلو هذه الحملة مباشرة أو تترافق معها حملة جمع تواقيع لتعديل المادتين (19 و 20) من العهد الدولي الخاص في الحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه أغلب دول العالم، بحيث يزول التناقض بينهما، ويوضع لكل منها حدودها وضوابطها، وجمع مئات الملايين من التواقيع المطالبة بهذا التعديل على اعتبار أن عدد المسلمين في العالم يفوق 1.8 مليار مسلم، وعدد المسيحيين يتجاوز 2.3 مليار، وبالتالي سيكون عدد الموقعين كبيراً بما يكفي لتشكيل ضغط في اتجاه تعديل المادتين المذكورتين، وتصبح حرية التعبير مقيدة بالقانون لضمان عدم تكرار الإساءة للأديان عموماً والأنبياء خصوصاً.
وبهذه الطريقة نكون فاعلين ومؤثرين وحملاتنا التي نطلقها ذات بعد استراتيجي دائم، بدل أن تضيع جهودنا في متاهات ردود الأفعال الآنية الغاضبة التي لا تعدو كونها فورة غضب لا تلبث أن تتلاشى ويختفي أثرها بعد حين.
الكاتب : أحمد شيخ علي _ القدس العربي