سيريا برس _ أنباء سوريا
لا يستعصي التوصّل للحلّ في سورية بسبب تعنّت النظام والمعارضة، فكلاهما قد أصبحا كلاباً مربوطة عند الدول، وليس بسبب عدم وجود اتفاق على ضرورة الحل، بل بسبب إجرائي له علاقة بالمال ودوره في سياسات الدول المتدخلة في الشأن السوري، حيث أصبح كل شيء بيدها نظرياً.
الحل في سورية
فأمريكا التي ساهمت في إضعاف المعارضة بسبب هيمنة الإسلاميين عليها -وهذا أيضاً ساهمت هي فيه- وبررت به عدم تدخلها لدعم الشعب السوري، والسماح بهزيمته على يد النظام المدعوم، روسياً وايرانياً، تريد اليوم بعد هزيمة الشعب أن تضغط على النظام وروسيا وإيران بأدوات جديدة، هي المال والعقوبات، لتفرض عليهم ترتيبات حل يحقق مصالحها التي قد لا تتقاطع مع الثورة السورية، بل هي كذلك.
وروسيا السعيدة بهزيمة ثورة الشعب السوري، تريد أيضاً أن ترضي الأمريكان وتجنّب عقوباتهم وضغوطهم، ومستعدة للسير في طريق الحل السياسي وتقاسم المنافع مع الجميع، كأيّ مرتزق نهم تدخل بدافع الطمع، لكنها لكي تسير في طريق الحل تريد أولاً ضمان حصولها على ثمن تدخلها، وهذا يعني وضع يدها على المال الذي يخفيه قادة النظام ولا يعرف أسراره وتواجده غيرهم، بينما سبق الشريك الإيراني إلى وضع يده على بعض مفاصله هنا وهناك كبقية مفاصل النظام السوري، وهذا أيضاً يعقّد المشهد، حيث يشترط الأمريكي إخراج إيران من المعادلة السورية، أما النظام فهو يتمسّك بإيران لكي يستمر في الكرسي كونها تمسك بأكثر من رجل من أرجله وقادرة على الإطاحة به، بل إنّ خروجها يعني تلقائياً التضحية به بعد أن استنفذ كل فرص بقائه، وصار عالة لا يمكن حملها.
المشهد اليوم هو كالتالي: إيران تمسك بالنظام، والنظام يمسك بالمال، وروسيا تريد المال من خلال النظام، وأمريكا تضغط بواسطة المال لإخراج إيران. فلكي تحقق أمريكا هدفها يجب أن يصادر هذا المال، وهذا يعني عدم تحقيق روسيا أهدافها، لذلك يبقى النظام وتبقى إيران ويستعصي الحل الروسي الأمريكي.
العبقرية الروسيّة عن مشاريع حلول مضحكة:
الحلّ المقبول روسياً، هو فقط الذي يبقي على النظام والأسرة الحاكمة لكي يكونوا قادرين على ضبط واسترجاع المال الموزّع هنا وهناك، والمهدّد بالتبخر في حال فقدانهم للسلطة. ولأنّ الأسرة مرهونة للنظام الإيراني صارت مساحة الحل محصورة فقط في تغييرات شكلية داخل الأسرة، والتي انتهت لاقتراح ماهر بدل بشار، ثم أسماء بدل بشار بوجود ماهر.. ولكي يرضى الأمريكي فهذا يتطلّب انبطاح سورية وإيران ولبنان لإسرائيل وتخلّيهم عن المقاومة، وهو ما يحصل.. ولكن إسرائيل تدرك مراوغة إيران وتضع شروطاً صارمة، مثل توقيع حماس لهدنة طويلة، وتغيير وضع حزب الله في لبنان، ووقف برامج التسلّح، وهذا يعتبر ثمناً صعباً تحاول ايران التملّص منه بمراهنتها على الانتخابات الأمريكية لتخفيف الضغوط عنها، حيث سيؤدّي وصول الديموقراطيين تلقائياً لتغير في سياسة أمريكا.
الحلّ في سورية قد أصبح مرتبطاً بمن سيحصل على المال المنهوب على مدى خمسة عقود من حكم آل الأسد، ويقدّر بمئة مليار دولار، ومن سيرث النظام السوري مالياً، وهندسة الحل تتم وفقاً لهذه الإستراتيجية، حيث لم تعد مصالح الدول هي من ترسم السياسات، بل مصالح مافيات تحكم هذه الدول، التي أرادت السطو على هذا المال المسروق وإضافته لثرواتها.. وأي تفسير سياسي سيصبح تافهاً اذا غابت عنه هذه الحقيقة، أنّ السياسة لم تعد محكومة بمصالح دولة أو بأيديولوجيا، بل بمصالح عصبة أيديولوجيتها استخدام الدولة لتحصيل المال كمافيات عالمية.
من سيقرّر الحل هم هذه المافيات التي تمسك اليوم فعلياً بهذا المال، وسيخططون للقضاء على شخوص النظام ذاتهم، لقطع ارتباطهم به، أي مافيا ستقتل صاحبها أولاً: شركاء رامي في نيويورك؟ أم شركاء أسماء في لندن؟ أم شركاء بشار في روسيا وأوروبا؟ أم شركاء ماهر في إيران وأفريقيا؟ وهل سيؤدي مقتل هؤلاء لخروج الروس بخفي حنين من سورية؟ المهم هو استمرار العقوبات الأمريكية ولو شكلاً فهي من ستفجّر المشهد. الحل في سورية
الكاتب كمال اللبواني _ ليفانت