نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً، حول اتهام ضابط المخابرات السعودي السابق، سعد الجبري، ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، بتشجيع روسيا على التدخل في سوريا.
وقال محرر الصحيفة للشؤون الدولية، جوليان بورغر، في تقرير ترجمه موقع “عربي21″، إن الجبري كشف في الدعوى القضائية التي رفعها ضد ابن سلمان أن الأخير عندما كان وزيراً للدفاع ونائباً لولي العهد قام في صيف 2015 بقلب السياسة السعودية الخارجية رأساً على عقب عندما منح الروس الضوء الأخضر للتدخل في سوريا.
وجاء في الدعوى أن ذلك التحرك أثار قلق مدير المخابرات المركزية الأمريكية آنذاك، جون برينان، الذي التقى مع الجبري في تموز/يوليو وآب/أغسطس من ذلك العام، وطلب منه إيصال توبيخ من إدارة باراك أوباما لابن سلمان.
ونقل الجبري الرسالة “الغاضبة” إلى ابن سلمان. وقال الجبري إن اللقاء مع برينان كلفه وظيفته كثاني أقوى رجل في المخابرات السعودية والمنسق مع الـ”سي آي إيه”.
لكن الرجل هرب لاحقاً من السعودية ويقيم الآن في مكان مجهول بكندا، حيث زعم أن ولي العهد حاول اغتياله من خلال فرقة قتل بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.
ويعلق بورغر أن الزعم بدعوة محمد بن سلمان روسيا للتدخل في سوريا عندما كان بشار الأسد على حافة الانهيار هو بمثابة “القنبلة”، فقد كان الموقف الرسمي للعائلة المالكة يدعم بشكل واضح المعارضة في البلد العربي المضطرب.
ويقول الدبلوماسيون الغربيون إنه وبعد فترة قصيرة من تعيين محمد بن سلمان وزيراً للدفاع بعد صعود والده إلى العرش، في كانون الثاني/يناير، فقد تأثر وبشكل شديد بولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي فاجأ العالم العربي مؤخراً بعقده اتفاقية تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتنقل “الغارديان” عن مصدر مطلع على تتابع الأحداث منذ 2015 أن “المحمدين” التقيا في معرض “إندكس” للسلاح في أبو ظبي، في شباط/فبراير من ذلك العام، حيث تشكل انحراف في طموح ورؤية واعتقاد ابن سلمان.وقال محمد بن زايد، حسب المصدر إن تهديد ثورة بقيادة الإخوان المسلمين في سوريا أخطر من وجهة نظر دول الخليج، من بقاء الأسد في السلطة.
وأقنع محمد بن زايد نظيره السعودي إنه لو أراد المنافسة والإطاحة بابن عمه محمد بن نايف، ولي العهد ومسؤول المخابرات (راعي الجبري)، والذي كان على علاقة مع برينان وإدارة أوباما، فعليه البحث عن أصدقاء أبعد من واشنطن.
وأضاف المصدر: “قال ابن زايد لابن سلمان إن عليه البحث عن تحالفات جديدة والنظر نحو الصين وروسيا”. ولفت ولي عهد أبو ظبي في هذا السياق إلى أنه تمكن من بناء علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن “حسن حسن”، مدير برنامج “اللاعبون من غير الدول” في المركز الدولي للسياسة (غلوبال بوليسي) بواشنطن، قوله: “كنت مطلعاً على بعض النقاشات المهمة المتعلقة بدعم دول الخليج لدور تقوده روسيا في سوريا وبعد شن الحرب على اليمن في 2015.
وفي ذلك الوقت، كانت الإمارات تدفع باتجاه دعم موسكو لتحقيق الاستقرار ومساعدة نظام الأسد على استعادة المناطق التي خسرها”.وأضاف: “عندما أقرأ زعم الجبري بأن محمد بن سلمان طلب من الروس التدخل في سوريا، فهذا يعطي منطقاً، في ضوء النقاشات التي سمعتها عام 2015 و2017”.
وكان واحداً من آثار التحول نحو موسكو هو جفاف الإرادة السياسية والمصادر من الجهود الاستخباراتية التي التزمت بها الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا والسعودية والإمارات لدعم قائمة من جماعات المعارضة.
فشل “غرفة الرياض” الاستخبارية:وكانت المبادرة التي بدأها الأمير محمد بن نايف والجبري وبدعم من “سي آي إيه” تعرف بـ “غرفة الرياض” لأن الممثلين لكل الأطراف التقوا في الحي الدبلوماسي بالعاصمة السعودية لمناقشة الجماعات التي يجب دعمها وتلك التي يجب رفضها.
واستطاعت “غرفة الرياض” تحقيق نوع من النجاح وضبط للدعم الغربي والخليجي لجماعات المعارضة في عام 2014، ولكنها تلاشت في ربيع وصيف 2015 مع صعود محمد بن سلمان.وفي حزيران/يونيو سافر ابن سلمان، وكان آنذاك نائباً لولي العهد، إلى سانت بطرسبرغ، والتقى بوتين.
وبحسب الجبري فقد ناقشا دخول روسيا إلى حرب سوريا.وعندما علمت “سي آي إيه” بالنقاشات، دعا برينان الجبري للقاء طارئ في العاصمة الأيرلندية دبلن في تموز/يوليو، ونقل خلال اللقاء استياء الولايات المتحدة، حسب مصدر مطلع على المحادثات بين الرجلين.
“قبلة حياة للأسد”:وقال المصدر إن الأمريكيين كانوا غاضبين، “وكان كما أن الأسد سيتلقى الضربة القاضية ومنحه محمد بن سلمان، قبلة الحياة”. ورفض برينان الذي تقاعد عن العمل، ويكتب مذكراته حالياً، التعليق على مزاعم الجبري.وبعد أسابيع من لقاء دبلن، التقى الجبري مع برينان مرة ثانية في واشنطن وعقد محادثات في تلك الفترة أيضاً مع وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، الذي عبر عن قلقه.
الإطاحة بالجبري:وعندما مرّر الجبري ما حمله من رسائل إلى مجلس الأمن الوطني السعودي، تعامل محمد بن سلمان مع ذلك على أنه تحدٍّ مباشر لسلطته، وقام بتدبير عملية عزله في 10 أيلول/سبتمبر 2015، أي قبل ثلاثة أسابيع من بداية الغارات الروسية على سوريا.
وبقي الجبري مستشاراً لابن نايف حتى أيار/مايو 2017 عندما غادر المملكة قبل شهر من الإطاحة بالأخير.وقال دبلوماسي سابق بالمنطقة للصحيفة البريطانية إن تضمين المزاعم حول ولي العهد وعلاقته ببوتين وسوريا في الدعوى القضائية للجبري يقصد منها توجيه رسالة.
وقال: “أفترض أن الهدف من هذه الشهادة هي إخبار محمد بن سلمان أن الجبري لن يتراجع.. يمكنك اعتقال أحد أبنائي وإحدى بناتي، ولو واصلت هذا فلدي معلومات ستغرقك.. هو يشير إلى أنه يعرف وأن لديه من معلومات تتعلق بسوريا”.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه المعلومات مضرّة بابن سلمان، إلا أن روسيا كانت ستدخل الحرب بدون دعم وتشجيع من ولي عهد أبو ظبي والسعودية، بحسب الصحيفة.فقد زار الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري موسكو في تموز/يوليو 2015 وحث القيادة الروسية على إنقاذ الأسد.
و وفق ” رويترز” فتح سليماني خريطة أمام مضيفه الروس وكشف فيها عن وضع الأسد الخطير وأن التدخل الروسي سيحرف ميزان الحرب.وقال الدبلوماسي الغربي: “لا أعتقد أن بوتين اهتم كثيراً بما يريده السعوديون والإماراتيون.. لكنه استمتع برغبتهم دخول الروس، إذ يشكل ذلك ضربة للولايات المتحدة”.