لا يعنيني من أين أتت آلاف أطنان المواد المتفجرة، ولماذا تم تخزينها ستة أعوام في مرفأ بيروت، وهل اقتصرت هذه المواد على الكمية التي أعلن عنها، ومن الذي استوردها أو أمر بمصادرة الباخرة التي جلبتها، وقيل إنها تعطلت قرب المرفأ أو فيه، وهل كان سبب الكارثة إهمالا قضائيا، أم جمركيا، أم أمنيا، وهل المرفأ خاضع لحزب الله، أو لما يفترض أنه دولة لبنان؟
هذه أسئلة مهمة، وطرحها كثيرون. لن أتوقف عندها، لأعرّج على سؤال تطرحه الجريمة، يتصل بالبيئة التي أقامها حزب الله في لبنان، وهل تتنافي مع احتمال إيقاعه في كارثة كهذه، وما هي وعودها للبنان؟ إذا كان الحزب بريئا مما حدث، فهل يعني ذلك أن لبنان لن يشهد كوارث أشد وأدهى على يديه، وهو الذي يتباهى بأنه حوّل لبنان إلى مخزن ذخيرة يضم مائة ألف صاروخ، ليست مادة المرفأ المتفجرة غير “ألعاب أطفال”، بالمقارنة معها، فإن أضيفت إليها مصانع الصواريخ التي أقيمت داخل بيروت، علمنا أن ما حدث قد يكون مجرّد مقدمة لما سيحدث، إن أمر الحزب بشن حرب على إسرائيل، أو شنت هي الحرب عليه، وفي حال استمر نأيه بنفسه عن الحرب على الشعب السوري.
لم يحمل حزب الله للبنان، منذ استولى على دولته وأخضع مجتمعه، غير هذا الذي يعيشه من مآس ومآزق وأزمات، أقر الرئيس ميشال عون نفسه أنها تتخطّى قدرته على التصدّي لها، ناهيك عن تجاوزها، على الرغم من أنها تغطي حياة المواطن اللبناني اليومية والشخصية، بعد أن أوصله اندماج الدولة بالحزب والحزب بالدولة إلى ما تخضع له المجتمعات والدول الخارجة من حربٍ حطمتها تحطيما، وقوّضت جميع أشكال الانتظام السياسي والمجتمعي التي كانت قبلها، وما كان لمواطنيها من حقوق وحريات عامة وخاصة، نال اللبناني بعضها بعد استقلال دولته، على الرغم مما لازم نظامها من طائفية، وسانده من تسويات هشة انهارت ببروز الحزب فصيل حرس ثوري يحتل لبنان، لينفّذ ما كان حرس طهران الثوري سينفذه، لو عجز فرعه المحلي عن اختراق وإركاع دولة ومجتمع “وطنه”، والقيام بمهام قوة أجنبية تستعمر شعبا معاديا، وتعامله كأنه عدو تقصر علاقتها به على استنزافه، وتجفيف مصادر قوته ووجوده، وعلى العنف في حالتيه: الرادعة والفعلية، فالعنف وحده كفيل بتحويله إلى أصفار لا يعتدّ بها، ولا قيمة لها، يمنحه تغييبها القدرة على التحدّث باسمها، من دون أن تعترض أو تحتج، وكيف تعترض إن صادر هويتها وهمّش إرادتها، وجعلها خوفها منه تتماهى مع ما يملى عليها، أسوةً بساسته ونوابه ووزرائه ورئيسه، وقادة جيشه ومخابراته، ممن لا يجدون مكانا لهم إلا تحت أجنحته، فهم كصغار “الصيصان” الذين يخشون طيرا جارحا، فيحتمون بمخالبه.
ليس بين وعود حزب الله للبنان وعد واحد أقل خطرا عليه من انفجار بيروت أو تفجيرها. وليس في حاضر لبنان ما يمكن أن يطمئنه إلى أن غده سيكون خلوا من المتفجرات الإيرانية والأسدية، والتي تحمل أسماء لبنانية كميشال عون وجبران باسيل ونبيه بري وحسن نصر الله، اللغم الذي لطالما آمنت أن لبنان سيدمر على يديه، عندما سينفجر، وها هي كارثة بيروت تؤكد تصميمه على تدميره، بما أن قوته تكمن في موته، بشهادة أدلة ووقائع لا تعد أو تُحصى.
لبنان وحزب الله ضدان: يبقى هو بقدر ما يزول لبنان، ويعود لبنان إلى الحياة بقدر ما يخرج هو منها. أليس هذا ما يقوله تفجير بيروت وما يخزّن فيها من صواريخ سيكون استخدامها آخر ما يشهده شعب لبنان، أو يعيشه، من “ألعاب نارية”!
ميشيل كيلو _ العربي الجديد