يبدو جانبا الصراع السوري وكأنهما ينزلقان على منحدر يزداد تسارع سقوطهما عليه نحو قاعه، مع ملاحظة أن الجانب الأسدي يستميت كي لا يسبق المعارضة إليه، بينما تقوم من جانبها بكل ما هو ضروري لبلوغه قبله، ولإقناع من يمسكون دوليا وإقليميا بخيوطها وخيوطه بضرورة الاستهانة بها، وإخراجها من حساباتهم، ولو لم يكن هذا أحد أهدافها لما سكتت عن تحويل عدد كبير ممن حملوا السلاح باسمها إلى مرتزقةٍ تركوا شعبهم الغارق في دمائه، وذهبوا إلى ليبيا ليقتتلوا كأعداء، على جانبي الحرب الدائرة هناك.
حدث هذا، من دون أن ينبس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة ببنت شفة، أو يتخذ موقفا من الواقعة التي تقنع العالم بصحة ما تقوله روسيا والأسدية عن “الثورة” إرهابا لا علاقة له بسورية وشعبها، يخدم مصالح إقليمية وضع بيضه كله في سلتها، وصار جهازا من أجهزتها، أسوة بالأسدية التي تحولت إلى جهةٍ يتصارع الإيرانيون والروس عليها، وستلفظ لفظ النواة بمجرّد أن يحسم صراعهما، باتفاق بينهما، أو بانتصار أحدهما على الآخر، فهل يستحق الشعب السوري مثل هذا المصير، هنا عند “الائتلاف” وهناك عند السلطة؟ وهل يمثل الطرفان، ولو من بعيد جدا، شعبا تخليا عن الحد الأدنى من مصالحه، وكرامته الوطنية وحريته، وأخذا يتنافسان على إهانته، سواء من خلال الانتخابات التي يعتزم الأسد إجراءها لتعيين أعضاء” مجلس التصفيق” الجديد، أم عبر انتخابات “الائتلاف” التي جرت أخيرا، وتم خلالها تبادل موقعه القيادي بدل تداوله، وما أدت إليه هذه الإهانة من توطيد غربته عن الشعب السوري، التي عزّزتها سابقةٌ لا مثيل لها حتى في السياسات الأسدية، أدانها 93% من 1500 سوري استفتاهم موقع “زمان الوصل” حول هويتها البوتينية التي أحلّت رئيس “الائتلاف” محل رئيس هيئة التفاوض، ورئيس هيئة التفاوض محل رئيس “الائتلاف”، بأمر إقليمي خال من انصاعوا له أنه يمكنهم تغطيته بمسرحيتهم الانتخابية، وتجاهلوا ما فيه من استهتارٍ بعقول السوريين، لتوهمهم أن هؤلاء سيعتبرون مسرحيتهم شرعية وسيقبلون نتائجها، لمجرّد أن مجرياتها تمت بطريقة أسدية، وتكرّر فيها ما عرفته انتخابات “مجلس التصفيق” الذي تولى رئاسته من نالوا أقل الأصوات، ممن لم يجد رئيس الائتلاف الجديد حرجا في تقليدهم، وقبل أن يصير رئيسا بأدنى عدد من الأصوات التي نالها أي عضو في الهيئة الرئاسية.
كيف بربكم يصير من نال أقل قدر من “الثقة” رئيسا لمؤسسة ادعت دوما أن الديمقراطية رهانها؟ وبأية معايير شرعية يقبل تولي منصب يفترض أن يصل إليه من ينال أكبر قدر من الثقة والتأييد؟ وكيف لا يستقيل إن كان انتخابه تم تلبيةً لتدخل خارجي تعني استقلالية الائتلاف رفضه المطلق، وإلا عبر انتخابه عن غيابها وعمقه، على الرغم من أنها قضية القضايا في الظرف الراهن، وأن لاستعادتها أولوية مطلقة على أي أمرٍ سواها، بعد أن لعب تغييبها دورا حاسما في ضياع قبول “الائتلاف” وتمثيله سورياً، وأسهم في ضياع تمثيله الخارجي، ودوره الدولي، وغيّب شرعية الثورة، حتى في نظر الدولة الإقليمية التي حوّلت مسلحيه إلى مرتزقة؟ بدل أن يقاس انتخاب قيادة “الائتلاف” الجديدة ببرنامج يلزم مرشحيه باستعادة استقلاله سبيلا إلى إحياء ثورة الحرية، تجاهل هؤلاء أن الثورة تتعين بأهدافها، وليس بالتبعية لأي طرف خارجي أو أجنبي، خصوصا إن كانت جرعة المغامرات في سياساته قد تعزّز احتمال تصحيح أخطائه بتنازلاتٍ يقدّمها من رصيد السوريين الذي لم يبق منه غير القليل!
هل نقول وداعا لهذا القليل الذي تقول الانتخابات أخيرا أن “الائتلاف” عازم على الإجهاز عليه، وأن من يتزعمونه ينطبق عليهم ما قالته مسرحية رحبانية ذات يوم: بالثورات، اللي بيضحوا كتار، بس ما بيوصل منهن حدا.
ميشيل كيلو _ العربي الجديد