مقولة للكاتب الفرنسي الشهير ألكساندر دومان أصبحت فيما بعد مثلاً فرنسياً، بل وعالمياً، في أي قضيةٍ شائكة: “ابحث عن المرأة”.
في بداية حكم الأسد الأب لسوريا، كانت عائلة الأسد وأقاربه، شبه مغيبة تماماً عن السوريين، فمن الصعب معرفة أسماء أبناء الأسد ناهيك عن زوجته أو إخوته.
وفي بداية الثمانين من القرن الماضي، عرف السوريون شقيق الرئيس، قائد سرايا الدفاع سيئة الصيت، رفعت الأسد، الذي ما إن مرض أخوه الرئيس منتصف الثمانينيات، حتى قاد سراياه لمحاصرة دمشق لا مهدداً، بل راغباً بالإطاحة بحكم الشقيق الأكبر، والاستيلاء على السلطة، الصراع الذي انتهى بإفراغ البنك المركزي السوري من كامل العملة الصعبة في البلاد، وإعطائها لرفعت الأسد، شرط تنازله عن المعركة ومغادرته البلاد، وكان الوسيط في هذه العملية الرئيس الليبي آنذاك معمر القذافي، والذي دفع أيضا جزءاً لا بأس به من المال في سبيل رحيل رفعت.
بعد هذا المنعطف الخطير في حياة الأسد الأب، أعاد النظر تماماً، بالمقربين له من العائلة، وسحب ثقته من الكثيرين، فمن خذله أخوه، من الصعب أن يمنح ثقته لأحد بعد ذلك.
وهنا جاء تدخل زوجته أنيسة مخلوف، والتي لم يكن أحد من السوريين قد رآها حتى ذلك الوقت، إلى أخذ دورها الخفي بجر زوجها إلى حظيرة أهلها، فقربت زوجها الرئيس من أخيها محمد مخلوف، ومن أبنائه، الأمر الذي جعل الأسد يعتمد عليهم كلياً، ويضع كامل ثقته بهم، فهؤلاء باعتقاده، إن أرادوا أذيته، فإنهم لن يخذلوا أختهم وأولادها، ما جعل الأسد يعطيهم الصدارة في استلام الزمام الاقتصادي، فلم يعد يثق إلا بأولاد أشقاء، وشقيقات زوجته، حتى في حمايته الشخصية فظهر ذو الهمة شاليش خلف الأسد منذ ذلك الوقت وحتى وفاته.
وهكذا باتت البلد في يد الدائرة الأولى من أنسباء الرئيس وأولادهم وأقاربهم المقربين.
ولم يختلف الوضع بعد رحيل حافظ الأسد، وتسلم بشار الأسد تركته السياسية في رئاسة سوريا، وتركته الاقتصادية، التي بقيت بيد أولاد أخواله وعلى رأسهم ابن خاله الأشهر رامي مخلوف.
منذ تسلم الأسد الابن، لم يظهر أي خلاف على السطح، مع أبناء أخواله، أو داخل عائلة الأسد، سوى بعض الشائعات عن خلاف بين الكنة الجديدة، والسيدة الأولى السابقة.
إضافة لبعض الأخبار عن خلافات عميقة بين الشقيقة الكبرى للرئيس، بشرى الأسد وزوجة أخيها الشابة أسماء الأخرس.
وبقيت الأمور على حالها حتى بداية الثورة السورية التي ظهر فيها رامي مخلوف على الملأ للمرة الأولى، مصرحاً بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا وبالطبع كان يقصد أمن عائلة الأسد وأعوانها وليس سوريا.
ومن ثم ليظهر بمظهر المحسن الكبير، حين أعلن تنازله عن شركة سيرياتل لصالح الشعب، في حركة مسرحية لامتصاص غضب الشارع الذي لم يهدأ.
تجاوزت الثورة عامها التاسع، وبدأت أسماء الأسد تأخذ الدور الذي أتقنته حماتها منذ عقود، بالاعتماد على أقربائها، فاخترعت ما أسمته بالبطاقة الذكية وأوكلتها إلى شركة تعود ملكيتها لابن خالتها، وبات الضغط يكبر على رأس النظام من زوجته، بضرورة التخلي عن أقارب والدته، والاعتماد على أقاربها، فبدأ بشار الأسد الضغط على ابن خاله رامي، بهدف كف يده عن ممتلكات العائلة فكل سوريا تعلم أن رامي مخلوف، ما هو إلا واجهة لأملاك الأسد وشريك بسيط فيها.
وعليه ظاهرياً، يعتبر رامي مخلوف أغنى رجل في سوريا.
واستمر التجاذب بين أسماء وسيطرة آل مخلوف حتى بات الشرخ صعب الردم بين القوتين المتصارعتين على ميراث اقتصادي لبلد غارق بالفساد والحرب والخراب، وتلعب فيه الأصابع الروسية والإيرانية وسواها، لنشاهد ولأول مرة في تاريخ سوريا فيديوهات لرامي مخلوف، مرة يهدد بلطف بكشف المستور، وأخرى باستجداء “السيد الرئيس” وتذكيره بما بينهما من تاريخ ومودة وثقة، ليظهر الخلاف على العلن، وليشمت السوريون بخلافات اللصوص الذين سرقوه لعقود، دون أن يستطيع الاعتراض، ولنقرأ بين السطور، أن القضية لا تتعدى صراع الكنة مع ابن حميها.
ولا تنتهي ملحمة مخلوف -الأسد من صراع على السيطرة على ثروة العائلة، ليبقى التنافس قائماً بين محمد مخلوف وابنه رامي من جهة والسيدة الأولى من جهة أخرى، خاصة في ظل دعم تجار دمشق لأسماء، وشماتتهم غير المعلنة، برامي، رجل الأعمال المدعوم، الذي كان يأخذ الفرص من أمامهم بكل يسر.
وبالطبع ليس مستغرباً أن يكون وراء كواليس القضية المالية، يكمن التنافس بين عرابي النظام، روسيا وإيران، اللذين يقاتلان من أجل التأثير على الأراضي السورية، وتقاسم الكعكة.
فما تزال حلقات المسلسل في بدايتها، وما تزال الحلقة الأخيرة تكتب بهدوء في أروقة قصور ناهبي سوريا، ومحتليها على حد سواء.
مزن مرشد / زمان الوصل