بعد أربع سنوات ونصف السنة من بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا؛ بدأ التصدع يظهر بين موسكو ودمشق، حتى إن كتابات شبه رسمية -أصبحت تنشر في روسيا- انتقدت عدم قدرة الرئيس السوري بشار الأسد على إيجاد تسوية سياسية للصراع الذي يمزق بلاده.
هكذا لخصت صحيفة لوتان السويسرية -في مقال لإيمانويل غرينزسبان- ما أصبحت عليه الحال بين الحليفين، منطلقة في ذلك من مقال للسفير الروسي السابق في دمشق ألكسندر أكسينيونوك، حيث قالت إنه يعكس الإحباط الروسي المتزايد من الرئيس السوري بشار الأسد.
وينطوي مقال الدبلوماسي الروسي -الذي يعد عضوا بارزا في مجلس خبراء مؤثر يخدم الكرملين- على انتقادات قاسية بشكل لم يسبق له مثيل، ولا يتسق مع الخطاب الذي يقدمه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوسائل الإعلام.
ويقول أكسينيونوك إنه “من الصعب في الأغلب التمييز بين مكافحة الإرهاب والعنف الحكومي ضد المعارضة”، مشيرا إلى تصاعد التوتر الأخير في جنوب غرب سوريا، حيث “أصبحت عمليات القتل والتهديد والاختطاف الغامضة أكثر تواترا، وذلك من بين أخطاء أخرى فادحة ترتكبها المخابرات السورية”، موضحا أن أخطاء هذه الأجهزة هي في الواقع مصدر التصعيد.
غضب متزايد
وبصراحة تخلو من الدبلوماسية موجهة للرئيس السوري، يصف السفير السابق في دمشق “الرشاوى في قطاع التجارة والنقل والعبور والقوافل الإنسانية لصالح سلسلة تتألف من وحدات بعينها من الجيش والأجهزة الأمنية والوسطاء وكبار رجال الأعمال الموالين تقليديا لعائلة الرئيس”، مشيرا إلى تشكل مجموعة مصالح في قمة الدولة لا “تهمها التسوية السلمية”.
وقال الدبلوماسي الروسي إن أولئك الذين يريدون الإصلاح السياسي “لا يمكنهم التعبير عنه بشكل علني بسبب جو الخوف المسيطر وهيمنة الأجهزة السرية”. وخلص السفير السابق إلى أن البلاد “تحتاج إلى 250 مليار دولار على الأقل، وهو ما يعادل 12 ضعفا للناتج المحلي الإجمالي الحالي”، وأن “إعادة البناء الاقتصادي وتطوير نظام سياسي لا يقومان إلا على نهج شامل وموافقة دولية”.
ومع ذلك –تقول الصحيفة- إن عدم مرونة الدكتاتور السوري أحبط جميع مبادرات الدبلوماسية الروسية لبدء حوار سياسي مع المعارضة، كما أن جهوده الدائبة للسيطرة على محافظة إدلب وانتزاعها من الثوار المدعومين من تركيا، كانت أسوأ من ذلك، حيث أدت إلى اشتباكات مباشرة بين الأتراك والروس في أواخر فبراير/شباط الماضي، وكادت تتحول إلى حرب كبيرة لولا تجنب ذلك من خلال مكالمة هاتفية بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
ونتيجة لذلك -تقول الصحيفة- تشعر موسكو بالغضب من رؤية بشار الأسد يناور بين مؤيديه المختلفين، بما فيهم إيران ودولة الإمارات في الفترة الأخيرة، بعد أن أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018.
بعيدا من سوق مربحة
وعلقت الصحيفة السويسرية بأن المقال الذي لخصت محتواه ظهر لأول مرة يوم 17 أبريل/نيسان الماضي على موقع “فالداي كلوب” الإلكتروني، وهو تابع لمجموعة أخرى من الخبراء المؤثرين الذين يستشيرهم بوتين بانتظام، مما يعطيه وزنا باعتباره إما رسالة تنبه مجتمع الخبراء إلى تغيير في السياسة، أو رسالة لزيادة الضغط على الهدف.
وتقول لوتان إنه بالنسبة لخبير العلاقات الدولية المستقل فلاديمير فرولوف، فإن المقال هو قبل كل شيء علامة على أن الدبلوماسية الروسية محبطة من تراجع تأثيرها في الملف السوري لصالح الجيش، خاصة أن أكسينيونوك كان رأيه دائما سيئا في الأسد، علما أن الدبلوماسية الروسية لا ترتاح لزعيم أفشل محادثات جنيف حول الدستور، إلا أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو -مثل بوتين- ما يزال إلى جانب الأسد.
وأشارت الصحيفة إلى أن وسائل إعلام روسية مؤيدة للكرملين نشرت في أعقاب المقال استطلاعا غير عادي يفيد بأن 32% فقط من السوريين يؤيدون بشار الأسد، مقترحة استبداله، قبل أن يُحذف المقال الذي ظهر على موقع وكالة الأنباء الفدرالية.
لكن المراقبين يدركون أن هذه الوكالة تابعة لرجل الأعمال إفغيني برغوجين، أحد معارف بوتين القدماء، ورئيس مرتزقة “مجموعة فاغنر” التي تقاتل في سوريا وليبيا بعد نشاطها في أوكرانيا، وهو المنافس الخاسر على الأصول النفطية والكيميائية في سوريا، الذي فضلت عليه دمشق المستثمرين الإيرانيين.
ويعتقد فلاديمير فرولوف أن “هذه الحملة الإعلامية المناهضة للأسد يتم تنفيذها إلى حد كبير بمبادرة من مؤسسة برغوجين، علما أنها وسيلة لدى بعض الجهات الفاعلة في موسكو لإرسال إشارات السخط الروسي.
المصدر : الصحافة السويسرية_ الجزيرة