وثقت منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” تعرض العاملين في القطاع الطبي داخل سوريا منذ عام 2011، لقمع واعتقال وصلت إلى حد اختفاء 75% منهم قسرياً، وتعرضهم للاحتجاز في ظروف صعبة من دون توجيه تهم مباشرة لهم ما أسفر عن وفاة بعضهم تحت التعذيب من قبل قوات النظام.
وقالت المنظمة ومقرها نيويورك في تقرير، إن مخابرات الأسد التي استهدفت المتظاهرين المناهضين للنظام عام 2011، جرّمت الرعاية الطبية للمعارضين، وتركت أسر المحتجزين تحت ضغط نفسي كبير يشمل عدم معرفة مصير أقربائهم المختفين ومنعت الوصول إلى رفات القتلى من أجل دفنهم بطريقة لائقة.
وأضافت المنظمة في تقريرها، أن نحو 1685 عاملاً طبياً بينهم أطباء احتجزوا بين عامي 2011 و 2012، لافتة إلى أن الذين احتجزوا بسبب تقديم الرعاية الطبية عانوا أكثر من العاملين في مجال الرعاية الصحية المحتجزين بسبب نشاطهم السياسي.
الانتهاكات بحق الكوادر الطبية
ووفق التقرير، اختفى قسراً 75 في المئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين احتُجزوا بسبب تقديمهم الرعاية الصحية وتوفى 10 في المئة في الحجز وأُطلق سراح 14 في المئة فقط، وبالمقارنة مع العاملين في مجال الرعاية الصحية المحتجزين بسبب أنشطتهم السياسية اختفى قسرياً 31 في المئة فقط، وتوفى 4 في المئة، وأُطلق سراح الغالبية 63 في المئة.
يركز تقرير المنظمة على السنوات الأولى للثورة السورية وما تخللها من عنف مفرط حال دون تمكن مصابي الاحتجاجات من الحصول على رعاية طبية أو الوصول إلى المستشفيات خوفاً من تعرضهم للاستجواب والاحتجاز من قبل عناصر أجهزة الأمن التي كانت تراقب المراكز الطبية.
واعتبرت تحليلات المنظمة أن النظام رأى علاج المتظاهرين جريمة أكثر خطورة من المشاركة في التظاهرات.
كيف بدأ النشاط الطبي لعلاج المعارضين؟
أنشأ عاملو القطاع الطبي في شكل طوعي نقاطاً سرية لمواصلة عملهم الإنساني، تلاها إنشاء نقاط مستقلة صغيرة في منازل كانت تُستأجر خصيصاً للعلاج.
وبدأ عمال الرعاية الطبية مع بدء تشكّل المعارضة المسلحة، بإنشاء مستشفيات صغيرة بالتعاون مع المنظمات الطبية الدولية، ومع ذلك هاجمت القوات الموالية للنظام هذه المستشفيات في شكل مباشر بذريعة مكافحة الإرهاب وارتفعت حدة الهجمات منذ بدء الدعم الروسي للنظام السوري.
ومن بين الفرق الطبية التي تم إنشاؤها في عام 2011 بهدف تقديم الإسعافات الأولية في مواقع الاحتجاجات وإجراء عمليات طبية طارئة، فريق “نور الحياة” الطبي في مدينة حلب الذي شكله 13 شخصاً بينهم طبيبان وثلاثة أطباء أسنان وصيدلي وخمسة طلاب طب.
بعض المحطات لاستهداف النقاط الطبية خلال الثورة
على مدار عقد كان استهداف المستشفيات والنقاط الطبية وملاحقة عامليها جزءاً من سياسة النظام السوري لترك معارضيه تحت الضغط من دون رعاية طبية.
في عام 2011 عندما اقتحمت قوات النظام السوري مدينة درعا، بُثت صور على وسائل الإعلام قالت إنها تجهيزات طبية في المسجد العمري لعلاج المتظاهرين وصورت ذلك على أنه جريمة كبرى.
أما في مدينة حمص كان المتظاهرون يحملون الجرحى ويهربون بهم وكأنهم في ميدان معركة وسط تصاعد قصص الموت المروعة من المستشفيات الحكومية.
الكوادر الطبية والتعتيم الإعلامي
يقول مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، وهي واحدة من أبرز مزودي مؤلفي التقرير بالبيانات: “من المؤسف أن الكوادر الطبية التي بذلت تضحيات كبيرة وعملت في الخطوط والصفوف الأولى لم تأخذ حيّزاً كبيراً من الاهتمام على الصعيد الأممي والدولي أو من قبل وسائل الأعلام”.
وأضاف فضل لموقع “النهار العربي”: “لقد تعرضوا لمختلف أنواع الانتهاكات مثل بقية المدنيين، لكنهم مستهدفون وملاحقون بشكل خاص بسبب عملهم الإنساني، لذا يجب أن تكون قضيتهم والانتهاكات التي تعرضوا ما زالوا يتعرضون لها حاضرة في كل مناسبة”.
وبحسب مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن ما لا يقل عن 350.209 أشخاص قُتلوا في سوريا، مشيراً إلى أن الحصيلة الموثقة التي تخص الحرب في سوريا كانت “أقل من العدد” (الفعلي للضحايا).
وأدت الحرب لإصابة 2.1 مليون شخص بإصابات سبّبت إعاقات دائمة للعديد منهم، كما هجّرت 13 مليون سوري.