حاملة الخطايا المعاقبة الأبدية بذنب لن تتخلص منه، في الشعر كما في جميع الفنون الإنسانية تحمل المرأة سلاسل العقاب حتى الآن والتي تحيط بجسدها وفكرها. أن تكوني امرأة هذا يعني بأن تكون لحياتك حدود واضحة، عليك أن تضبطي سلوكياتك وكأنك إنسان منزَّه عن الخطأ كي لا تطالك الكلمات، فالكلمات لم تكن يوما صديقة للمرأة، اللغة يبدو أنها قد رفضتها، فالمذكر هو الأصل، وهي فرع يحتكم بأحكام الأصل، لا وجود لكتب وأقوال موجهة للمرأة، جميع ما كتب كان بصيغة المذكر وكل ما يراد قوله للمرأة يقال لها عن طريق الرجل، اللغة المتحيزة للرجل حولت المرأة إلى منتوج ثقافي لا يملك أن يقول أو يفعل، بل هو خاضع للقول وللتوصيف، وفي صيرورة التصنيع استخدمت أوصاف عديدة لإهانة هذه المرأة، فحتى عندما يتم التغزل بها تشبه بالأشياء، ولذمّها أشكال لغوية لا حصر لها تفنن الرجل بربطها بجسدها وقيمته الأخلاقية والاجتماعية.
الجسد واللغة
اللغة والمفردات في المجتمع هي صورة لفكره وثقافته وأخلاقياته، مدلول الكلمات التي توصف بها المرأة في مجتمعنا العربي تعبر بشكل واضح عن مكانتها ضمنه، والقيمة التي وضعت مسبقا لأفعالها، فالمرأة بشكل عام تُختصر في جسدها، فيما نفيت ذاتها الخاصة ووضعت ضمن قالب نمطي يتمثل بمظهرها وتحركات جسدها ضمن الفضاء العام، اختلف توصيف المرأة في كل عصر عن غيره إلا أن المشترك بينهم جميعا هو توصيفها من خلال الجسد، ليصبح وجودها عبارة عن تصور ثقافي موجود قبلا تحدده اللغة، لتصبح كائنا متخيلا يحمل الكثير من الصفات منها السلبي ومنها الإيجابي، ولم يغفل الرجال أثناء تصنيعهم لهذا المنتج اللغوي الثقافي الذي يخص المرأة التحكم بها لغويا من خلال ربط جسدها بالفضيلة والأخلاق، وتسمية أجزائه بما يخدم سلطتهم ويشكل خوفا لدى المرأة من التفريط بجسدها أو جعله تحت أنظار الرجال وألفاظهم. تشغل الألفاظ المهينة للمرأة حيزا كبيرا من اللغة، بدءا من الإهانات اليومية للتقليل من شأنها كامرأة وانتهاء بالألفاظ التي تحكم حياتها وسمعتها وأخلاقها.
تتحدث رغد ياسين، وهي طالبة في كلية التربية بجامعة دمشق عن الإهانات التي تطال الفتيات والنساء بشكل يومي فتقول بأن “حدة الإهانة تختلف بحسب موقعها وسببها، ولكننا نحن الفتيات نشعر بالإهانة بشكل يومي، ففي الجامعة يتم التقليل من شأننا و فائدتنا، كأن يقال لنا “آخرتك تتزوجي” وكأننا لا قيمة لنا دون زوج، وأحيانا نُهان بطبيعتنا وأسلوبنا فأي كلام نقوله يؤخذ على أنه نوع من النكد الموجه ضد الرجال، ربما هذه صفات بسيطة لكنها جارحة بالنسبة لأي فتاة لا ترغب الوقوع في التنميط”.
يتم تداول بعض الألفاظ بشكل دائم في توصيف النساء وطريقتهن في العيش والعمل، وهذه التوصيفات لا مرادف مذكر لها فهي وضعت لغويا بهدف السيطرة على النساء من خلال تحميلهن مشاعر الدونية وعدم احترام الذات، تتضمن هذه الألفاظ الوصمات الجندرية وهي صفات تطلق على المرأة بحسب مكانتها بالنسبة للرجل “عانس – مطلقة – أرملة” وغيرها من الصفات التي تحدد المرأة بوجود الرجل أو غيابه وتنتقص من قيمتها بحسب حالتها.
الإهانة والأخلاق
ترتكز الأخلاق المجتمعية في معظمها على سلوك المرأة وأخلاقها، ففضيلتها دلالة على نجاح الأسرة والمجتمع، فيما تبرر للرجل أفعاله. لغويا تكثر الألفاظ التي تهين المرأة ارتكازا على سلوكها المجتمعي وأخلاقها، فالحد الأدنى من الحرية في سلوكها والخروج من الصورة النمطية المتمثلة بربة منزل، قد تسبب لها الإهانة، في بعض الأوساط تعتبر طالبة الجامعة أو العاملة فتاة سيئة السمعة بسبب اختلاطها بالرجال بشكل يومي، في الوقت ذاته ترافق الفتيات مخاوف يومية من الكلمات التي قد تسمعها في الشارع، في توصيف مناطق محددة من جسدها و التحرش بها لفظيا. الجسد الذي يعتبر مقياسا للجمال والعار للشرف والرذيلة، جسد يختصر جميع المفاهيم الأخلاقية لتصبح حركته مقيدة لغويا بألفاظ مهينة.
أروى سليم، فتاة في التاسعة والعشرين من العمر تقول لـ “الحل نت”، “نحن نُعامَل بطريقة رخيصة في كل مكان، قد يمر بجانبي شخص لا يعرفني وينعتني بكلام بذيء، لا يمكنني فعل شيء حيال ذلك، وكأن هذا حق للرجال بإهانتنا طوال الوقت وعلينا أن نصمت، الغضب الذي يسببه لنا ذلك مدمر”.
الإهانة اللغوية لها أشكال مختلفة وليست حكرا على الألفاظ المرتبطة بالشرف والجسد، فقد تهان المرأة حين يتم مدحها بكلمات تختصر كيانها بشيء ثمين أو ذي قيمة، وكأنها لا تحمل قيمة في ذاتها إلا إذا تشبهت بالأشياء القيمة، أو أن تهان بشكلها وعمرها وتجاعيد وجهها، الكثير من الصفات والتفاصيل الجسدية والنفسية يمكن أن تصبح موضع إهانة واستصغار للمرأة، يسبب هذا لدى النساء قلقا وانعداما للقيمة الذاتية وتحقيق الذات من خلال الآخر الرجل الذي يتمتع بجميع الميزات والقيم ولا تطاله الإهانات.
الإهانات اللفظية الزوجية
“اعتاد زوجي على وصفي بالغبية في بعض الأوقات يقولها وهو يضحك وحين يغضب يكررها صارخا بي، وهو يصفني بذلك في كل مرة اختلف معه في وجهة النظر ولا يعجبه رأيي، في البداية كان يؤلمني سماعها، ومع الوقت أصبحت أسمعها دون تأثر”.
منى الأحمد، تبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاما ومتخرجة من كلية الاقتصاد، تحصيلها العلمي واستقلالها ماديا لم يشفعا لها بأن تنجو من إهانات زوجها.
تتحول الإهانات اللفظية في الحياة الخاصة داخل الأسرة إلى عنف نفسي يمارس على المرأة، وتعتبر حالة الإهانة بالأوصاف والكلمات للمرأة شبه عامة في الأسر السورية. تختلف الأسباب التي تدفع بالرجل لإهانة زوجه فمنها ما يعود لتربيته وبنيته النفسية ووضعه الاقتصادي والاجتماعي، وكجزء من شعوره بالسلطة التي أعطاه إياها المجتمع يشعر بأن من حقه التقليل من قيمة زوجته ووصفها بما يحلو له وإهانتها لأسباب بسيطة أو كبيرة، والبعض يلجأ للإهانة عن طريق السخرية والمزاح.
تتحول العلاقات مع مرور الوقت إلى علاقة محكومة بالفشل نتيجة ذلك، والأسباب التي تبقي المرأة في علاقة كهذه هي ذاتها التي تسمح للرجل بإهانتها، والمشكلة أن عواقب مثل هذه الإهانات عميقة في العلاقة الزوجية وحتى على الأطفال، وغالبا ما تكون هذه الإهانات غير مدركة ولا يبدو واضحا تأثيرها، وينظر لها على أنها غير ذات قيمة ويتم تبريرها بطرق مختلفة، في الوقت الذي تترك فيه أثرا نفسيا سلبيا لدى المرأة ونظرتها لنفسها ولشريكها وتنهي حالة الاحترام والشراكة في العلاقة وتحولها إلى علاقة عنفية غير صحية.
ربا أحمد _ الحل نت