يحلو لبعض متابعي القضية السورية والمهتمين بها، الإشادة بأي خطوة تقارب تتم من قبل أطراف عربية ودولية حيال نظام الأسد، والتنظير لها، انطلاقاً من فكرة أنها سوف تؤدي إلى تغييرات في سياسات النظام وعلاقاته، ومنها الانفكاك عن إيران، وإخراج النظام من أزمته العميقة، وحل مشكلاته الأساسية، أو أنها على الأقل سوف تضع مشكلاته على سكة، ويقترب شيئاً فشيئاً من إعادة تطبيع أوضاعه في المستويين الداخلي والخارجي، والحد من أزماته المتواصلة والمتصاعدة منذ الانفجار السوري عام 2011، وبعضها حاضر قبل ذلك بكثير.
المروّجون للفكرة لا ينتمون فقط إلى مطبخ نظام الأسد، ولا إلى اللاعبين في مطابخ حلفائه من الإيرانيين والروس الذين لا شك في أنهم يحلمون بمثل تلك النهايات السعيدة في حلحلة مشكلات نظام الأسد، وبالتالي انطلاق قطار استثماراتهم ونهبهم لما تبقى من موارد سورية لم تدمرها الحرب، ولم يتم نهبها بعد بسبب صعوبات مختلفة.
ويتجاوز الترويج للفكرة السابقين وصولاً إلى آخرين، أبرزهم المرتبطون بشركات العلاقات العامة والدعاية التي وظف نظام الأسد بعضها في خدمته منذ عام 2011، وقد وزعت جهودها على مختلف المنابر الإعلامية ومركز البحوث والدراسات؛ بل إنها تسللت إلى مؤسسات دولية، واخترقت في بعض الأحيان دهاليز وأقنية الأنشطة الدبلوماسية للدفاع عن الأسد ونظامه، والهجوم على خصومه في الداخل السوري، أو في المحيطين الإقليمي والدولي.
وباستثناء ما تقدم من مروّجي الفكرة، فإن آخرين يستندون في موقفهم إلى مواقف وقناعات آيديولوجية وسياسية، أثبت الزمان بؤسها، أو أنها صارت في عالم الغيب وغير واقعية. ومثلها علاقات وتقديرات ومعلومات يبررون بها موقفهم، وبعضهم لا يكلف نفسه عناء التدقيق في مستندات موقفه، والبعض يداعب فكرة أن أي تحريك في الملف السوري يمكن أن يفتح ثقباً في الانسداد الصلب الذي صارت إليه الحالة السورية.
وباستثناء ما تقدم من مروّجي الفكرة، فإن آخرين يستندون في موقفهم إلى مواقف وقناعات آيديولوجية وسياسية، أثبت الزمان بؤسها، أو أنها صارت في عالم الغيب وغير واقعية. ومثلها علاقات وتقديرات ومعلومات يبررون بها موقفهم، وبعضهم لا يكلف نفسه عناء التدقيق في مستندات موقفه، والبعض يداعب فكرة أن أي تحريك في الملف السوري يمكن أن يفتح ثقباً في الانسداد الصلب الذي صارت إليه الحالة السورية.
لقد كرر مروجو أفكار إخراج الأسد ونظامه عن سياساته ومواقفه، والسعي إلى حل مشكلاته، هذه الأفكار مرات عديدة في الأشهر القليلة الماضية، ظهرت منها ثلاث، قيل فيها وحولها الكثير؛ أولها فكرة إعادة النظام إلى الجامعة العربية، من بوابة مشاركته في القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، والثانية فكرة تسويق سياسات الأسد في تسوية القضية السورية عبر بوابة محادثات اللجنة الدستورية؛ حيث اقترح المبعوث الدولي غير بيدرسن اتباع سياسة «خطوة بخطوة» بين الأطراف السورية، من خلال «تحديد خطوات تدريجية ومتبادلة وواقعية محددة بدقة، وقابلة للتحقق، لتطبّق بالتوازي بين الأطراف المعنية، وصولاً إلى القرار الدولي 2254»، والثالثة إطلاق فكرة تطبيع العلاقات مع البلدان العربية عبر العلاقات الثنائية، التي دخلت حيزاً عملياً عبر زيارة الأسد إلى دولة الإمارات العربية مؤخراً. وقد عجزت المبادرات الثلاث في تحقيق المعلن من أهدافها، نتيجة عوامل وأسباب معروفة ومفهومة، يتضمن محتواها الأول عجز الأسد ونظامه عن إطلاق سياسات، والقيام بخطوات عملية تعيد الأوضاع في سوريا إلى طبيعتها، في وقف الحرب والسير نحو تسوية وإعادة بناء ما تم تدميره؛ بل العجز عن توفير الاحتياجات الأساسية من خبز ومحروقات ودواء للسكان في مناطق سيطرة النظام، رغم كل المساعدات الإيرانية والروسية. والمحتوى الثاني يجسده ارتباط الأسد ونظامه بعلاقات لا يمكن تجاوزها والانفكاك منها مع إيران وروسيا، وعدم توفر إرادة إقليمية ودولية للمساهمة الجدية في حل للقضية السورية؛ بل عدم توفر رغبة لفتح طريق بهذا الاتجاه، وإظهار اعتراضات ذات أهمية ووزن ضد توجهات التطبيع مع نظام الأسد، ومعارضة تمويل عملية إعادة بناء سوريا، ما دام رافضاً للمضي نحو التسوية.
وإذا كانت ظروف النظام وما يحيط به من بيئة إقليمية ودولية، يمنعان على وجه عام المشاركة الدولية في تقدمات ذات قيمة للنظام، فإن ذلك لا يستند فقط إلى عدم جدوى تلك التقدمات في تغيير سياسات النظام وسلوكياته؛ بل أيضاً استناداً إلى حقيقة أن الأطراف جميعها تبحث عن مصالحها، وما يعود عليها من منافع نتيجة تطبيع علاقاتها مع النظام.
وفي الخلاصة، فإن مساعي بعض الدول لدى دول وأطراف لا تمانع أو تشجع تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد لن تكون ذات أهمية، وليس لدى أي منها موارد وأموال كثيرة، يمكن أن تهدرها؛ وخصوصاً في ضوء التطورات السلبية التي شهدها العالم في العامين الأخيرين، ومنها ما خلفته المعركة مع فيروس «كورونا»، وانفجار الحرب في أوكرانيا، وقد تسبب كلاهما في خسارات كبيرة؛ لا سيما في المجال الاقتصادي.
إن التطبيع مع نظام الأسد يفرض على القائمين به تحمل عبء سياسي- اقتصادي؛ بل وأخلاقي. وإذا اعتبرنا الأخير قد لا يحظى بأهمية كبرى في عالم السياسة، فإنه لا يمكن تجاوز الجانبين السياسي والاقتصادي في واقع نظام الأسد ومساره، في الأحد عشر عاماً الماضية؛ حيث غرق النظام في مسار جرائم من عيار ثقيل، لا يمكن التخلص منها ولا نكرانها. وباستثناء ما خلفه من تدمير للمجتمع والدولة في بناهما الإنسانية والاقتصادية والسياسية التي تتطلب أموالاً تتجاوز ثمانمائة مليار دولار، فإنه سلَّم البلاد لقوى احتلال، وجعلها صاحبة القول في قراراته وسياساته، وهذا سبب إضافي لامتناع الدول عن المشاركة في إعادة بناء بلد تحكمه سلطة فاشلة، وتسيطر عليه دول تمثل تحدياً للإرادة الدولية، وتشارك وتدير صراعات مسلحة في الشرق الأوسط وفي وسط القارة الأوروبية.
وسط الوقائع والمعطيات التي تكشف زيف أوهام التطبيع والتعايش مع الأسد ونظامه، والعجز عن إعادة تأهيله للاندماج في المستويين العربي والدولي، لا يبدو أمام المجتمع الدولي سوى العمل على وقف المراهنات على تحولات الأسد ونظامه، والذهاب إلى ما رسمته الإرادة الدولية من مسار لمعالجة القضية السورية، بالتوجه إلى حل سياسي يقوم على القرار 2254 الذي سيبدل بنية النظام وسياساته، وإجبار النظام على تنفيذه، مما يضع حداً لمعاناة السوريين، ويستعيد سوريا إلى محيطها الإقليمي والدولي، ويساعد المجتمع الدولي على تجاوز ما خلفته سياسات الأسد وحلفائه من تداعيات.
فايز سارة_ الشرق الأوسط