تمددت حواجز “الفرقة الرابعة” خلال الأسابيع القليلة الماضية في حلب شمالي سوريا، لتشمل مناطق المدينة بالكامل، و”أي طريق نمر فيه، نرى حواجزها المسيطرة التي تفرض إتاوات بالإجبار”، هكذا تحدث سعيد (54 عامًا) لعنب بلدي، وهو سائق حافلة سفريات، خلال وصفه لبسط الحواجز الأمنية التابعة لقوات النظام السوري سيطرتها على شوارع المدينة.
“إذا مررت من حاجز لـ(الفرقة الرابعة) ولم تدفع ما يُطلب منك، فبالتأكيد سيتم اعتقالك بأي تهمة أو عدم السماح لك بالمرور”، بحسب ما قاله سعيد، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
انتشار حواجز وعناصر “الفرقة الرابعة” ازداد بشكل ملحوظ منذ بداية العام الحالي، وذلك بعد انتعاش محدود في الاقتصاد، وعودة بعض المعامل والورشات للعمل في مدينة حلب وعند أطرافها.
ويفرض عناصر “الفرقة الرابعة” رسومًا مالية لمرور السيارات من خلال حواجزهم داخل محافظة حلب وفي أريافها، وتشكّل حواجزها طوقًا محيطًا بالمداخل والمخارج لمركز المدينة، ويصل إجمالي المبالغ التي يحصل عليها الحاجز الواحد إلى أكثر من 15 مليون ليرة سورية خلال اليوم الواحد.
16 حاجزًا
تنتشر خمسة حواجز لـ”الفرقة الرابعة” باتجاه الريف الغربي لحلب، وتسعة حواجز على طول الطريق الريف الشرقي، فيما عززت من وجود حواجزها على طريقي الريف الشمالي والجنوبي، وبلغ عدد حواجزها 16 حاجزًا، وجميع هذه الحواجز تفرض مبالغ للمرور من خلالها.
ويوجد 13 حاجزًا موزعة ضمن مدينة حلب، وقال إبراهيم (34 عامًا)، وهو أحد عناصر “الفرقة الرابعة” الذين أجروا “تسوية” وانضموا لصفوف “الفرقة”، إن وجود هذه الحواجز ضمن مدينة حلب غير مرغوب فيه، خصوصًا أن التجار اشتكوا عدة مرات من قيام الحواجز بابتزازهم لـ”اللجنة الأمنية”، إلا أن الأخيرة لم تستطع أن تخرج “الفرقة الرابعة” من المدينة.
وأضاف العنصر، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أن “هذا التمدد بحسب ما قاله بعض ضباط الفرقة، هو لإثبات وجود الجيش السوري ضمن مدينة حلب وريفها، وعدم سيطرة أطراف أخرى على المدينة. لكن ما نراه ونفعله غير ذلك، والهدف من التمدد هو خنق المدينة الاقتصادية، وفرض رسوم وضرائب لا نعرف لمن تذهب”.
وتوصف “الفرقة الرابعة” في قوات النظام بأنها أهم مكوّنات الجيش النظامي، ويبلغ عدد أفرادها حوالي 15 ألف مقاتل، واتُّهمت بارتكاب مجازر وجرائم حرب بحق السوريين منذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011.
ويعود تأسيسها إلى عهد الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، وقد أسسها شقيقه رفعت الأسد الذي كان يقود “سرايا الدفاع”، ويقودها حاليًا ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
إصرار على الانتشار
بحسب ما رصدته عنب بلدي في المدينة، أجبر ضباط “الفرقة الرابعة” عددًا كبيرًا من الحواجز الأمنية التابعة لأفرع أخرى على الانسحاب، وخلال شباط الماضي، انسحبت حواجز تابعة لـ”الأمن العسكري” من ريف حلب الشرقي، وتوجهت إلى المدينة بعد طلب ضباط “الفرقة” منها الانسحاب، وعلى الرغم من ذلك، فقد فرضت “الفرقة” عبر ضباطها أن تنسحب جميع الحواجز الأمنية من الريف الحلبي، بحيث تبقى هي المسيطرة على طرقات ريف حلب الجنوبي والشرقي والغربي بشكل كامل.
وقال أنس (29 عامًا)، وهو عنصر في “الفرقة الرابعة”، لعنب بلدي، إن ثلاثة حواجز كانت موجودة على طريق المنصورة بريف حلب الغربي تابعة لـ”المخابرات الجوية”، “تمت إزالتها بعد طلب (الفرقة الرابعة)، لأن الطرقات ما بين الريف والمدينة تنتشر فيها الثكنات العسكرية والنقاط التي أنشأها الجيش بعد سيطرته على المنطقة”.
ومنذ تمدد “الفرقة الرابعة” في مدينة حلب وريفها، انخفض عدد الحواجز التابعة للأفرع الأمنية، و”في حال توقيف أحد المطلوبين على حواجزنا يتم تحويله إلى الفرع المطلوب له”، وفق ما أوضحه العنصر من “الفرقة”.
وأُزيلت عدة حواجز تابعة للنظام خلال الفترة الماضية في محيط مدينة حلب وريفها، وفق ما رصدته عنب بلدي في المدينة، وتتبع هذه الحواجز للأفرع الأمنية و”الشبيحة” وبعض الثكنات العسكرية التي تنشر حواجز لها في حلب.
وبعض الأشخاص الذين يتم توقيفهم، يدفعون مبالغ من أجل تخليص أنفسهم من التوقيف على الحواجز، وهو ما يجعل “الفرقة الرابعة” تصر على انتشار حواجزها في محيط مدينة حلب.
وتابع العنصر، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أن هناك حواجز تابعة للميليشيات الإيرانية في المدينة، ومع ذلك خففت بشكل كبير من وجودها ضمن ريفي حلب الشرقي والجنوبي، بالتنسيق مع ضباط “الفرقة الرابعة” الذين توجد لهم حواجز قريبة من حواجز الميليشيات التابعة لإيران.
ممنوع المرور إلا بدفع المال
منذ وجود “الفرقة الرابعة” ضمن مدينة حلب وريفها، صارت تفرض الإتاوات بالإجبار على جميع المارين، وحتى على السكان الذين ينتقلون من مدينة حلب إلى ريفها أو بالعكس، وهو ما أزعج الأهالي في البداية، ولكنهم اعتادوا ذلك خوفًا من أن يتم اعتقالهم في حال رفضوا الدفع على الحواجز.
قال حكمت (36 عامًا)، وهو أحد عناصر “الفرقة الرابعة”، لعنب بلدي، إنه “عند مرور السيارات على حواجزنا يتجنب أصحابها حدوث ملاسنة وتطورها للاعتقال، ولذلك يُجبرون على الدفع، خصوصًا أن بعض المبالغ التي يدفعونها لا تتجاوز ثلاثة آلاف ليرة أحيانًا، وفي بعض الأحيان تمر سيارة محمّلة بالبضائع، وإذا دفع السائق مبلغ 100 ألف ليرة مقابل مرور سيارته التي تحتوي على بضاعة بقيمة خمسة ملايين ليرة، فلن يجعله ذلك يتوقف لوقت طويل، ولن تتعرض سيارته للتفتيش”.
وحتى في بعض الأوضاع الاستثنائية، لا يُسمح للسيارات التي تقل مرضى وحالات إسعافية بالمرور من حواجز “الفرقة الرابعة”، إلا بعد دفع مبلغ للحاجز الذي يسمح بعد ذلك بالمرور، ولا يجعلها تنتظر لوقت طويل.
وبعد عودة عجلة بعض المعامل والمصانع للعمل، سعت “الفرقة” للسيطرة على عاصمة الاقتصاد السوري، حيث توجد ستة حواجز تتبع لها في محيط المدينة الصناعية بحلب.
كما يوجد في محيط منطقة العرقوب الصناعية خمسة حواجز، وتفرض هذه الحواجز إتاوات دورية على التجار وأصحاب المعامل والمصانع، وحتى على ورشات الخياطة التي تعمل وتصدّر بضاعتها للخارج أو للداخل إلى بقية المحافظات السورية.
ولا يتجرأ أحد من التجار وأصحاب المعامل والمصانع على عدم دفع الإتاوات، إذ قال أمجد (51 عامًا)، وهو صاحب معمل لصناعة وتجارة الألبسة في المدينة الصناعية، إن “(الفرقة الرابعة) تبتلع حلب بهذه الطريقة، ومع ذلك، أنا وباقي التجار مضطرون للدفع وإلا سيتوقف عملنا وتصادَر بضائعنا وتباع في المزاد العلني، حينها سنضطر إلى العودة لشرائها”.
وعلى الرغم من وجود ضباط على الحواجز، وتقديم بعض التجار شكاوى حول فرض العناصر مبالغ مقابل السماح لهم بمرور البضائع، فإن الضباط الموجودين يعطون وعودًا بعدم قيام العناصر بهذه التصرفات، ولكن يعودون لتكرار فعلهم.
وغادر حلب عدد كبير من التجار والصناعيين الذين تعرضوا للمضايقات وإغلاق معاملهم ومستودعاتهم خلال عام 2021، بسبب الضغط المستمر من قبل “المكتب السري” التابع لمديرية الجمارك.
وعلى الرغم من دفع بعض التجار مبالغ كبيرة كي لا تصادَر بضائعهم و”تشمّع” مستودعاتهم، فإن بضائعهم صودرت وخُتمت محالهم بالشمع الأحمر، وخسر بعض أولئك التجار حوالي ثلاثة أو أربعة مليارات ليرة سورية، ووصلت الحال ببعضهم إلى بيع ممتلكاتهم والخروج من سوريا.
المصدر: عنب بلدي