“العمل أفضل من طلب مساعدة الآخرين، عملي من حقي ولا أسمح لأحد بمصادرته بعدما حصلت من خلاله على كرامتي” تقول سلوى لـ”روزنة” وهي أم لخمسة أولاد وزوج متوفي.
تغيّرت ظروف السيدات السوريات بسبب الحرب وتردي الوضع الاقتصادي بشكل كبير، ما دفع الكثيرات الانخراط بمهن مختلفة، من بينها أعمال كانت حكراً على الرجال فقط، فكسرن بذلك الصورة النمطية.
وشكّل العمل لدى بعضهنّ طوق نجاة تغلّبن بفضله على تدهور الوضع المعيشي، داخل أو خارج سوريا، فيما البعض الآخر عملن بحثاً عن ذواتهن.
سلوى، 44 عاماً، نزحت من قرية معرة حرمة جنوبي إدلب بعدما توفي زوجها بسبب القصف عام 2011، وبدأت العمل لأوّل مرة منذ نحو عامين كمساعدة لطبيب أسنان في مدينة الدانا شمالي إدلب، لإعالة أولادها.
خلال السنوات الماضية قبل عملها كانت تعيش على المساعدات من قبل أهالي المنطقة والمنظمات، تقول سلوى لـ”روزنة”: “كانت الغصة تخنقني لعدم قدرتي على فعل شيء لأولادي، كرهت شعور تحسّن الناس عليّ، وهو ما دفعني للسؤال عن عمل أعتاش منه”.
“من حقي أشتغل”
تؤكد سلوى التي دائماً ما كانت تسمع انتقادات من عائلتها الرافضة لعملها، وتضيف: ” لا تهمني الانتقادات، العمل منحني القوة للتغلب على مصاعب الحياة والراحة النفسية”.
العديد من المناطق السورية مثل إدلب تمنع عمل المرأة كجزء من العادات والتقاليد أومن منطلق ديني، ليكون بذلك الرجل المعيل الوحيد للعائلة.
ويعتبر العمل أحد حقوق المرأة بحسب القوانين الدولية التي ساوت بين الجنسين (الرجل والمرأة) على حد سواء. وبحسب وثيقة القانون الدولي لحقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر كانون الأول عام 1948، فإنّ “جميع البشر يولدون أحراراً متساوون في الكرامة والحقوق ” و” لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، دون تمييز من أي نوع، مثل العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع آخر”، وفق الأمم المتحدة.
أبو محمد، 55 عاماً، مقيم في دمشق يقول لـ”روزنة”: ” منذ 25 سنة وزوجتي تعمل برفقتي، تعبنا معاً وبنينا منزلين، لم يكن ممكناً لي بناؤهما لولا مساعدتها لي، وكان من الصعب أن أؤمن أساسيات الحياة لوحدي “.
فيما يقول رياض، 42 عاماً، من حلب لـ”روزنة”: “عمل المرأة سيؤثر بكل تأكيد على المنزل وعلى الأطفال، من سيربي الأطفال إذا كنّا نحن الاثنين نعمل معاً؟ من سيرعاهم؟ أنا لا أحبذ عمل المرأة”.
لا أحد دائم لي
ألانا، 28 عاماً مقيمة بمدينة إسطنبول التركية، وافق زوجها على عملها بمضض. “زوجي وابني الوحيد ذو الـ 6 سنوات، هما حياتي في الغربة، لكن ذلك لا يكفيني، فهما لن يدومان لي، كما سئمت من كوني ربة منزل، شعرت أنّ عملي وخبرتي هو ما يُشعرني بقيمتي لذلك قررت البدء بالعمل”. تعلّمت ألانا اللغة التركية وأجادتها، كما أكملت تعلّمها للغة الإنكليزية، خلال السنوات الثلاثة الأولى من زواجها، بعد ذلك قرّرت العمل بالترجمة.
في العالم العربي، وبسوريا تتحمّل المرأة أعباءً كبيرة في المنزل مع رعاية الأطفال، ما يحرمها المشاركة في الحياة الاجتماعية، والثقافية، فتبقى بعيدة عن مناسبات كثيرة، أسيرة منزلها، لتلبية احتياجات الأسرة من طبخ وكي وتنظيف، واهتمام بدراسة الأطفال ونشاطاتهم وتعليمهم، وهو ما تراه الأمم المتحدة إجحاف بحقها بحيث يجب أن تكون تلك المسؤولية جماعية وليست حكراً عليها.
الخبيرة المستقلة للأمم المتحدة، ماجدالينا سيبولفيدا، أكدت أنّ الطهي والتنظيف ورعاية الأطفال والمسنين ينبغي أن تكون مسؤولية اجتماعية وجماعية، بدلاً من تحمّل النساء العبء الأكبر منها، وحذّرت أنّ الرعاية غير مدفوعة الأجر تعزّز من الفقر والاستبعاد الاجتماعي للمرأة، وذلك في تقرير للأمم المتحدة عام 2013.
“عملتُ مترجمة من اللغة العربية والإنكليزية إلى التركية وبالعكس في مستشفى تجميل لمدة 4 سنوات، والآن أصبح تعاملي مع السياح الأجانب فقط لكون إسطنبول مدينة سياحية، بعدما طوّرت مهاراتي وقدراتي في التواصل”، تقول ألانا.
“خلال تلك السنوات تغيرت حياتي، دعمت عائلتي ودعمت نفسي بالدرجة الأولى” تتابع ألانا.
تتشابه قصة أسماء، 30 عاماً، مع ألانا في إصرارها على العمل لتحقيق ذاتها.
أسماء، معلمة تاريخ من حلب، منعتها عائلتها من العمل أثناء الدراسة الجامعية بسبب العادات والتقاليد المجتمعية، لكنها زواجها كان نقطة تحول في حياتها، وتملّكت من خلاله قرارها بالعمل وتحقيق ذاتها.
تقول لـ”روزنة”: “تزوجت خلال الحرب، وكان لا بد لي من العمل أولاً لتحقيق ذاتي والشعور بكياني كشخص فاعل ضمن الأسرة، و دعماً لزوجي، خلال رحلة لجوئنا إلى لبنان ومن ثم تركيا التي نستقر فيها حالياً”.
تنوّعت الأعمال ما بين التعليم والمحاسبة والعمل بمحالٍ تجارية كبائعة، أصبح العمل جزءاً مني وفي كل مرة أكتسب مهارات جديدة، تقول أسماء.
كورونا دافع قوي
منذ بدء تفشي فيروس كورونا المستجد وانتشار المتحورات منه، فقدت الكثير من النساء السوريات معيل أسرهن، معظمهنّ تغيّرت حياتهن ووجدن أنفسهن وحيدات أمام معترك الحياة، فأصبحن مسؤولات بالدرجة الأولى عن إعالة أطفالهنّ وعائلاتهنّ.
أم علاء، 37 عاماً، مقيمة بمدينة غازي عنتاب التركية، تبحث الآن عن عمل لإعالة أطفالها الأربعة، بعدما توفي زوجها بسبب مرض “كوفيد – 19” منذ شهر.
“قبل شهر ونصف أُصيب زوجي بكورونا، أسبوعان مرا علينا كالحلم، بعدها خطفه المرض منا، عليّ أن أتمالك نفسي لأكون قادرة على إعالة أطفالي، بعيداً عن أي مساعدة” تضيف أم علاء”.
تقع على الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني مسؤولية حماية حقوق المرأة في العمل والمشاركة السياسية وحرية الاختيار والسلامة والأمن والرعاية الصحية، والتعليم، بحسب “الأمم المتحدة”.
وبحسب المادة (11) من “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” للعام 1979 ، والتي تعتبر سوريا من الدول الموقعة عليها، فإن على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، نفس الحقوق ولا سيما “الحق في العمل بوصفه حقاً ثابتاً لجميع البشر”.
ومن حق المرأة “اختيار المهنة ونوع العمل” و”الحق في الوقاية الصحية وسلامة ظروف العمل، بما في ذلك حماية وظيفة الإنجاب” و “الحق في المساواة بالأجر، بما في ذلك الاستحقاقات، والحق في المساواة بالمعاملة فيما يتعلق بالعمل ذي القيمة المساوية، وكذلك المساواة في المعاملة في تقييم نوعية العمل”.
المصدر: روزنة