تعتبر النساء الأرامل والمطلقات من الفئات الأشد ضعفاً وتهميشاً في الشمال السوري، وشهدت هذه الفئة زيادة كبيرة في أعدادها خلال سنوات الحرب، وما يزيد من ضائقتهن المعيشية انعدام الدعم الحكومي وغياب الإنصاف في تحديد القضاء لنفقة أطفالهن والتي لا تتجاوز الـ 3 دولارات للطفل الواحد شهرياً في معظم الحالات.
ويقدر فريق منسقو استجابة سوريا أعداد الأرامل دون معيل بأكثر من 47 ألف أرملة، يضاف إلى هذا الرقم أعداد كبيرة من المطلقات.
وسجلت وزارة الداخلية في “حكومة الإنقاذ” 279 حالة طلاق خلال شهر أيار عن طريق المحاكم فقط، ويعتبر هذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي بكثير، لوجود كثير من حالات الطلاق لزيجات لم تسجل لدى الدوائر الحكومية أساساً.
لا تكمن المشكلة في وجود امرأة أرملة أو مطلقة وما تعانيه من مصاعب مختلفة في الشمال السوري الذي يعيش قسم كبير من سكانه في المخيمات، بل هناك مشكلة تتعلق بنفقة الأولاد الذين يعيشون مع أمهم المطلقة ويوجب الشرع الإسلامي على والدهم الإنفاق عليهم.
كثيرة هي القصص المحزنة للمطلقات اللواتي لا يحصلن سوى على قرابة الـ 50 ليرة تركية شهرياً (3 دولارات أميركية) كنفقة للطفل الواحد خلال شهر كامل وذلك بعد جولات كثيرة في المحاكم ضد أزواجهن السابقين. في حين يحتاج الطفل الواحد في إدلب 90 ليرة شهرياً ثمن خبز فقط.
ماذا تشتري النفقة “50 ليرة تركية” للطفل؟
آمنة المحمد 23 عاما نازحة من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيمات الكرامة قرب بلدة قاح انفصلت عن زوجها بعد زواج دام عاما ونصف العام فقط وأنجبت منه طفلة واحدة.
تقول آمنة لموقع تلفزيون سوريا: “بعد انفصالي عن زوجي بأشهر قليلة بدأت معاناتي مع وفاة والدي الذي كان ينفق عليّ وعلى طفلتي الصغيرة التي تحتاج إلى كثير من النفقات من حليب صناعي وحفاضات وغيرها من المستلزمات، إضافة إلى المصاريف الطبية للصغيرة التي تمرض بشكل دوري، فإخوتي بالكاد يؤمنون قوت عائلاتهم اليومي، بعد وفاة والدي أرسلت مع شخص ذي مكانة في قريتنا إلى زوجي ووالده مطالبة إياهم بالإنفاق على الصغيرة لكن ما كان منهم إلا التهرب والتسويف، حتى قررت رفع دعوى للمطالبة بنفقتها في المحكمة، وبعد عدة جولات أقرت لي المحكمة بنفقة شهرية مقدارها 50 ليرة تركية فقط لا غير، دفعها طليقي لشهرين متتاليين وبعدها لم يعد يدفع”.
رفضت آمنة التوجه إلى القضاء مجدداً بعد توقف النفقة، لأن ذلك سيتطلب جولات جديدة في المحكمة قد تمتد لأسابيع، وقيمة النفقة لا تستحق ذلك العناء، بحسب ما قالته.
وتضيف آمنة: “لا أعلم كيف حددت المحكمة قيمة النفقة بخمسين ليرة تركية! ما الذي ستفعله ثلاثة دولارات في الشهر لطفلة عمرها عام واحد؟ فعلبة الحليب سعرها 4.5 دولارات أميركية ولا تكفي سوى لخمسة أيام فقط، أيضاً الكيلوغرام الواحد من الحفاضات سعره 45 ليرة تركية، ويكفي لأسبوعين فقط، هذا فقط ما يتعلق بالحليب والحفاضات، فأنا لم أتحدث عن زيارات الطبيب وشراء الأدوية، ولا حتى عن الملابس لطفلة بهذا العمر ينمو جسمها في كل يوم وتحتاج لملابس جديدة كل شهر”.
تختتم آمنة حديثها لموقع تلفزيون سوريا بتأسفها على حالها وعلى حال ابنتها التي تقول إن والدها ظلمها والقضاء الشرعي ظلمها أيضاً.
خديجة هي الأخرى ذات الثلاثين عاماً انفصلت عن زوجها بعد زواج دام 11 عاماً، أنجبت خلاله ستة أطفال، ذكرين وأربع إناث، وتعيش في أحد المخيمات قرب بلدة حربنوش مع أطفالها بجوار أخيها.
تقول خديجة إن طليقها ذو حالة مادية جيدة ويدفع النفقة الشهرية بانتظام لكن مشكلتها تكمن في قيمة النفقة أساساً، حيث إن 50 ليرة تركية للطفل الواحد لا تلبي أدنى احتياجاته.
وتضيف خديجة: “اليوم ثمن رغيف الخبز الواحد ليرة تركية، فإن أكل كل واحد من أطفالي رغيفين من الخبز فقط في اليوم الواحد سيستهلك 60 ليرة تركية شهرية، أي أكثر مما يدفعه والده له كنفقة شهرية، ماذا عن الطبابة واللباس وبقية المصاريف؟ من أين سأتدبر أمري؟”
وتابعت حديثها: “لقد أجبرت على إبعاد ولدي الأكبر ذي العشرة أعوام عن الدراسة ليعمل في ورشة لتصليح الدراجات النارية ليتقن مهنة تساعده على إعالة أخواته بعدما أجبرته الظروف على أن يكبر مبكراً”.
لا نفقة في حال عدم تثبيت الزواج في المحكمة
فاطمة (اسم مستعار) ذات الـ 19 عاماً هي الأخرى انفصلت عن زوجها بعد زواج دام ثلاث سنوات فقط أنجبت خلاله طفلين، تقول إن زواجها لم يثبّت في المحكمة أصلاً لذلك لم تستطع رفع دعوى تتعلق بالحصول على نفقة لطفليها من طليقها.
تقول فاطمة لموقع تلفزيون سوريا: “استطعت بطريقة ما تسجيل اسمي كأرملة وأن زوجي استشهد في إحدى المعارك فحصلت على كفالة شهرية للأطفال وحصلت على كتلة سكنية في أحد مخيمات الأرامل وكان وضعي جيداً، إلا أن أمري كشف قبل أشهر فتم إيقاف الكفالة الشهرية عن الأطفال، لكني استطعت البقاء في الكتلة السكنية في مخيم الأرامل ولم يخرجوني منه”.
تضيف فاطمة: “نحن المطلقات أكثر الفئات المظلومة، فلا القضاء أنصفنا ولا المساعدات الإنسانية تصل إلينا، أتمنى لو أني كنت أرملة، على الأقل كنت استمررت بالحصول على كفالة لأطفالي.
حاول موقع تلفزيون سوريا مراراً التواصل مع وزارة العدل في حكومة الإنقاذ لمعرفة ماذا إذا كانت النفقة محددة بـ 50 ليرة تركية لكل الحالات، ومعرفة آلية تحديد النفقة الشهرية ومعايير اعتمادها وسبب انخفاض قيمتها مقارنة بمتطلبات المعيشة في الشمال السوري، لكن دون رد من الوزارة.
هذا وتبقى قصص آمنة وخديجة وفاطمة ما هي إلا نماذج عن آلاف القصص للمطلقات اللواتي يقاسين مختلف أنواع المرارة في الشمال السوري دون التفات أي جهة لأوضاعهن.
فيفيان البيوش _ تلفزيون سوريا