ليس بعيدا عن قاعدة حميميم الروسية، الواقعة غربي سوريا، استهدف قصف صاروخي، قيل إنه إسرائيلي، فجر الثلاثاء، أهدافا في ميناء مدينة اللاذقية، في حادثة هي الثانية من نوعها في أقل من شهر.
ويعطي هذا القصف دلالات ورسائل، بحسب ما تحدث محللون وخبراء عسكريون لموقع “الحرة”، بينما يعتبر التوقيت الذي جاء فيه “نقطة على غاية من الأهمية”، لاسيما أنه، وعند الحديث عن الميناء المذكور، لا يمكن تجاهل موقعه كشريان حيوي للنظام السوري، حيث يستمد من خلاله إمدادات النفط، وغير ذلك من المواد الأخرى.
وقال المدير العام لمرفأ اللاذقية، أمجد سليمان في تصريحات لصحيفة “الثورة” الحكومية إن “الأضرار الناجمة عن الاعتداء كبيرة”، وقد امتدت على مساحة أكبر نسبيا من القصف السابق، الذي حصل في السابع من ديسمبر الحالي.
واستهدف القصف الصاروخي ساحة “الحاويات”، بحسب وكالة الأنباء السورية “سانا” التي ذكرت صباح الثلاثاء: “نفّذ العدو الإسرائيلي عدوانا جويا برشقات من الصواريخ من عمق البحر المتوسط غرب مدينة اللاذقية، مستهدفا ساحة الحاويات في الميناء التجاري باللاذقية”.
وخلال السنوات الماضية شنت إسرائيل عشرات الضربات الجوية في سوريا، مستهدفة بشكل خاص مواقع للجيش السوري، وأهدافا إيرانية وأخرى لميليشيات “حزب الله” اللبناني.
ويصر الجيش الإسرائيلي على مواصلة ضرباته الصاروخية والجوية داخل سوريا، ويقول إنها لمنع إعادة التموضع الإيراني في المنطقة، لكنه ومع ذلك من النادر أن يتبنى حوادث القصف التي يعلن عنها النظام السوري بشكل متواتر.
وتتبع إسرائيل منذ سنوات سياسية عدم التعليق على ضرباتها الصاروخية أو الجوية في سوريا.
في المقابل، وعلى نحو غير معتاد، كانت روسيا حليفة النظام السوري قد اتجهت منذ خمسة أشهر إلى التعليق على هذه الهجمات، وفي الوقت الذي قالت فيه مرارا إنها اعترضت جزء كبير من الصواريخ بواسطة منظومات دفاعها الجوي لم يصدر منها أي تعليق بشأن قصف الميناء التجاري حتى اللحظة
“3 دلالات”
وليس خفيا أن محافظة اللاذقية تعتبر ضمن النطاق التشغيلي لمنظومة الصواريخ الروسية “S-400” وأيضا منظومة “S-300″، بمعنى أن الصواريخ التي استهدفت أهداف للنظام السوري مرت من أمام “أعين الروس”، بحسب محللين.
المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، اعتبر أن الضربات الليلة التي استهدفت ميناء اللاذقية للمرة الثانية تشير إلى 3 نقاط “مهمة”.
ويقول شتيرن لموقع “الحرة”: “أولى هذه النقاط أن إسرائيل لم تتنازل عن مواجهة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وكما صرح بينيت عليها تفكيك طوق الصواريخ الذي تحاول إيران نصبها حول إسرائيل”.
أما النقطة الثانية، يشير المحلل السياسي: “من الواضح جدا عمق التنسيق الاستراتيجي ما بين إسرائيل وروسيا، معتبرا: “ليس هناك إمكانية للمبالغة في أهمية هذه النقطة”.
ويضيف شتيرن: “الدلالة الثالثة ترتبط بأن سوريا دولة قد انهارت، وأصبحت ليس أكثر من نظام يحاول البقاء. الثمن هو أن الأرض السورية أصبحت ساحة معركة لقوى محلية إقليمية ودولية على حساب المواطنين”.
لكن، وعلى خلاف ذلك، يضع المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، استهداف الميناء التجاري “في إطار تصعيد الحرب على سوريا وإضعافها، وضرب البنى التحتية والمرافق السورية”.
ويقول يوسف لموقع “الحرة”: “الميناء تحت سيطرة الحكومة السورية، وهو شريان حيوي لإدخال المواد، سواء النفط أو الغذاء والدواء، لذلك تستهدفه إسرائيل”.
وتريد إسرائيل “أن تستفز روسيا باعتبار أن المرفأ قريب من قاعدة حميميم”، وفق يوسف الذي يشير: “تعي إسرائيل أنه وعند ضرب اللاذقية سيتم إحراج روسيا في سوريا والتساؤل عن دور الأخيرة في البلاد”.
ماذا عن موسكو؟
وبينما لم يصدر أي تعليق من جانب موسكو عن الضربات التي استهدفت المنطقة الساحلية السورية، يذهب محللون وصحفيون سوريون إلى أن روسيا على تنسيق واضح ومعلن مع إسرائيل بشأن القصف الذي تنفذه الأخيرة بشكل متواتر.
وبدأ هذا التنسيق بصورة أوضح بعد حادثة إسقاط الطائرة في 2018، ليتم فيما بعد السير بموجب ما يسمى آلية منع التصادم، التي تضمن عدم التصادم العسكري داخل الأراضي السورية وفي الأجواء، على أن يتم إخطار كل طرف للآخر عن الأهداف التي ينوي ضربها، قبل فترة محددة من الوقت.
وتحدثت وكالة “تاس” الروسية، الثلاثاء، عن رفض المكتب الإعلامي لقوات الدفاع الإسرائيلية التعليق على تقارير إعلامية عن الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على الميناء.
ونقلت الوكالة عن متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي ردها على الأسئلة الصحفية بالقول، “نحن لا نعلق على التقارير الواردة في وسائل الإعلام الأجنبية”، مضيفة أن الميناء الذي تم استهدافه يبعد 15 كيلومترا من قاعدة القوات الجوية الروسية (حميميم).
ونادرا ما تتعرض منطقة اللاذقية، التي تنحدر منها عائلة رئيس النظام السوري بشار الأسد، لضربات إسرائيلية.
لكن حدوث ذلك على مرتين خلال هذا الشهر أفضى إلى حالة تذمر، عبّرت عنها الحاضنة الشعبية من السياسيين والمواطنين العاديين الذين يقيمون في مناطق سيطرة النظام السوري، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب رئيس “اتحاد الغرف الصناعية”، فارس الشهابي، عبر “تويتر” الثلاثاء: “يحتاج شخص ما لإخبار بوتين بأن الاستياء الشعبي من روسيا في سوريا يرتفع بشكل صاروخي بسبب الهجمات الإسرائيلية المتكررة في ظل الصمت الروسي”.
وأضاف: “بالنسبة لنا الأمر لا يتعلق بالضغط على الأسد بل بسلامتنا وكرامتنا!”
فيما قالت ريما حكيم الأستاذة المشاركة في جامعة دمشق عبر “فيس بوك”: “الهجوم المتكرر على ميناء اللاذقية يهدف للإهانة أكثر منه تحقيق نتائج مبيتة”.
وتابعت: “هو تحد للروسي أكثر منه للسوري. إما أن يمنع الروسي الصهيوني من العدوان أو نرد ونشعلها فوق حسابات الروسي والصهيوني”، بحسب تعبيرها.
“الاختلاف يكمن بالجغرافيا”
وقبل أيام قال المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف إنه “من المستحيل إغلاق هذه القضية”، في تعليقه عن الضربات الإسرائيلية المتكررة في البلاد.
وأضاف، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”: “الإسرائيليون يصرون على ما يسمونه حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي. هم يقولون إنهم يستهدفون أهدافا إيرانية. لنقل ذلك بصراحة”.
وبحسب الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، فإن المواقع التي استهدفتها إسرائيل في سوريا منذ عام 2013 “تشكل خطرا لحظيا على الأمن القومي الإسرائيلي، أو يمكن أن تستثمر التفاصيل الخاصة بها لاستهداف هذا الأمن”.
ويقول شعبان لموقع “الحرة”: “النقطة الفارقة في استهداف ميناء اللاذقية هو الجغرافيا”، معتبرا أن “الخطر ليس الاستهداف بعينه، بل هو قدرة إيران وأحد أذرعها على استخدام هذا الميناء”.
وتعنى الضربات الأخيرة “شيئا واحدا” فقط، وفق الباحث، “وهو أن إيران نجحت في تكوين نوع من التأثير داخل ذلك الميناء، وبدأت في استخدامه كنقاط لوجستية جديدة من أجل تحقيق أهدافها الحالية”.
بدوره يرى المحلل السياسي، غسان يوسف أن “إسرائيل تريد خلط الأوراق، والإيحاء بأنها تضرب مواد استقدمتها إيران إلى سوريا. هذا الأمر شماعة تعلق عليه الأخيرة جميع ضرباتها في البلاد”.
ويؤكد يوسف فكرته من زاوية أن “الضربات تستهدف إضعاف الدولة السورية وإحراج أصدقاء سوريا وعلى رأسهم الحليف الروسي”.
ممر عبر البحر
في غضون ذلك كان “مجلس العلاقات الخارجية”، وهي منظمة بحثية مقرها نيويورك، أصدر تقريرا في أبريل الماضي قال فيه إن روسيا عمدت مؤخرا إلى توفير الحماية لعمليات تهريب الصواريخ والذخائر من إيران إلى سوريا، عبر البحر، بعد تزايد الهجمات التي تنفذها إسرائيل ضد قوافل التهريب القادمة عبر الطرق البرية.
وأضاف تقرير المنظمة البحثية أن طهران، وبحماية من موسكو، أوجدت طرقا بحرية للتهريب، حيث يتم نقل الصواريخ في سفن وناقلات نفط ترافقها سفن روسية، لضمان وصول الشحنات إلى داخل الأراضي السورية، حيث يتم تخزين بعضها هناك، وبعضها الآخر في لبنان.
وأشار إلى أن الضربات التي قامت بها إسرائيل داخل الأراضي السورية كانت تستهدف تدمير هذه الذخائر، حتى لا تصل إلى يد ميليشيات إيران، خاصة “حزب الله” اللبناني.
ونقل التقرير معلومات تتحدث عن أن “السفن الإيرانية تبحر عبر البحر الأحمر وتمر من قناة السويس وتصل إلى البحر المتوسط، بوثائق تزعم أنها تحمل شحنات نفط فقط، ولكن في حقيقة الأمر هي ليست البضاعة الوحيدة التي تحملها”.
وتقول إيران، منذ تدخلها الأول في سوريا عام 2012، إن وجودها العسكري يقتصر على “مستشارين” فقط. ولم يسبق أن علّقت رسميا على الضربات الجوية والصاروخية التي ارتبط اسمها بإسرائيل، واستهدفت مواقعا متفرقة من جنوب إلى شرق وشمال وغربي البلاد.
ويرى الخبير العسكري، اللواء فايز الدويري، أن الضربات التي تحدث بشكل متواتر تستهدف بشكل أساسي “طرق تهريب الأسلحة التي تسلكها إيران”.
وهذه الطرق لا تقتصر على البر، بل تنسحب إلى الجو عبر مطار دمشق الدولي، ومن خلال البحر مرورا بمرفأ اللاذقية.
ويضيف الدويري لموقع “الحرة”: “هناك مئات الغارات في عمق الجغرافيا السورية لتتبع عمليات التهريب، الآن بدأت عمليات التهريب من البحر، والضربات التي نراها هي تعقب لها”.
ضياء عودة _ الحرة