تواصل أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام بشار الأسد، التوغل في القطاع الاقتصادي من بوابة الأعمال الخيرية، حيث استحوذت أخيراً على الأكشاك ضمن مناطق النظام بحجة دعم المحتاجين، لكنها في الحقيقة كانت وسيلةً لتحقيق مكاسب عديدة، في خطوةٍ ليست جديدة، بل سبقتها خطوات أخرى مماثلة ساعدتها على زيادة نفوذها.
وضعت أسماء الأسد يدها على قطاع الأكشاك قبل أيام، بدعوى توظيفها للعمل الخيري ومساعدة العائلات المحتاجة، وكانت تخطط لهذا المشروع الذي أطلقت عليه اسم “سوق العيلة” منذ نيسان الماضي، من خلال لقائها برؤساء غرف التجارة والصناعة من جميع المحافظات.
الاستيلاء على الأكشاك بحجة مساعدة الفقراء
زعمت أسماء الأسد خلال حديثها عن “سوق العيلة”، أن هدفه تلبية جزء مهم من حاجة الأسر السورية مع قرب موسم المدارس، وازدياد متطلبات العائلات واحتياجاتها المختلفة من مواد أساسية، ولا سيما القرطاسية والملابس المدرسية وغيرها.
وطلبت زوجة الأسد من المتبرعين والمجالس المحلية في المحافظات، تجهيز مئات الأماكن للأكشاك في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ففي مدينة المعارض القديمة وسط دمشق وحدها، سيتم إنشاء 170 من الأكشاك.
وادّعت وسائل اعلام موالية، أن الجهات الرسمية والمجالس المحلية الشريكة في المحافظات، وفّرت أسواقاً لبيع المستلزمات المدرسية بسعرٍ يقترب من سعر الكلفة، بنسبة تخفيض على أسعار المواد المعروضة تصل حتى 40 %.
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم، أن “مشروع الأكشاك الذي استحوذت عليه أسماء الأسد بحجة الأعمال الخيرية، هو في الحقيقة مشروع يحقق لها مكاسب اقتصادية وسياسية، أبرزها التسويق العقاري للمشاريع المستحدثة حول دمشق، حيث إن إزالة الأكشاك المنتشرة داخل المدينة وعلى مقربة من هذه المشاريع شرط أساسي للتسويق، سواء من ناحية الجمالية، أو من ناحية الأمان للزبائن المستهدفين.
كما أن مشروع الأكشاك سوف يتيح لأسماء الأسد الحصول أموال المساعدات والمانحين الدوليين، بحجة تمويل المشاريع المتناهية الصغر (الأكشاك).
وأضاف الكريم لموقع “تلفزيون سوريا” أن “تجميع الأكشاك بأماكن محددة، يساعد في ضبط عملية تشغيلها وتقديم الخدمات لها ومراقبتها، والأهم من ذلك التحكم بأسعارها”.وتابع قائلاً “معظم الأكشاك كانت تتبع لعناصر من الأجهزة الأمنية أو القطاع العسكري وحتى المدنيين الموالين لتيارات داخل النظام، ولذا فإن سيطرة أسماء الأسد على قطاع الأكشاك، يتيح لها توزيعها على عناصر جديدة، بغية إعادة تشكيل طبقة جديدة موالية لها من المخبرين، تدير تلك الأكشاك تحت إشرافها”.
من جهته أفاد الباحث لدى مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، أيمن دسوقي، أن “مبادرة سوق العيلة، تأتي في سياق محاولات أسماء الأسد احتكار العمل الخيري تحت رعايتها، وتوسيع نفوذها داخل المجتمعات المحلية، عبر بناء شبكتها الخاصة داخل تلك المجتمعات، كما أنه وسيلة لفرز الجمعيات الخيرية ورجال الأعمال والشركات، على أساس الولاء ومدى الاستجابة لدعم تلك المبادرة”.
“الأمانة السورية للتنمية” ذراع أسماء الضاربة
منذ تسلّم بشار الأسد الحكم في عام 2000، وزواجه من أسماء الأخرس، بدأت الأخيرة العمل على توسيع نفوذها، عبر تأسيس عدد كبير من المنظمات غير الحكومية المرخصة.في نيسان عام 2007 حصلت “الأمانة السورية للتنمية” على الترخيص القانوني من وزارة الشؤون الاجتماعية، ودمجت معظم المنظمات ضمنها، فأصبحت الأمانة التي تشغل أسماء الأسد رئيس مجلس الإدارة فيها، أحد أكثر مشاريع العلاقات العامة قيمة لدى النظام تجاه الغرب والمجتمع الدولي، وصوّرت نفسها كحاضنة لجميع قطاعات المجتمع المدني، بحسب ما جاء في دراسة أجراها مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، بعنوان “دور العمل الخيري في الحرب السورية”.
وأنشأت أسماء الأسد قبل اندلاع الثورة السورية، ما يسمى “برلمان الشباب”، وحاولت استقطاب جميع الفئات الشبابية المتميزة، وأخضعتهم لدوراتٍ تدريبية كثيرة، وخلال الثورة استمرت باستقطاب الشباب بذريعة المشاركة في الأعمال الخيرية.
وتنامى دور “الأمانة السورية للتنمية” في مناطق سيطرة النظام منذ مطلع عام 2020، وبرزت بشكلٍ لافت على مختلف الأصعدة.
وأفاد يونس الكريم أن “ملف السيطرة على الأعمال الخيرية ملف قديم، بدأ منذ تأسيس الأمانة السورية للتنمية في 2007، والتي أصبحت الذراع الضاربة لأسماء الأسد لاختراق منظمات المجتمع المدني والسيطرة عليها، فلا يمكن للمنظمات الأهلية القيام بأي عمل إنساني في سوريا من دون العودة للأمانة السورية للتنمية”.
في ظل هذا الواقع يرى الكريم أن “الأمانة السورية للتنمية” حققت لأسماء الأسد عدة أهداف تحت ستار العمل الخيري: 1-نوع من البريستيج الاجتماعي دأبت عليه أسماء الأسد أسوةً بغيرها من زوجات رؤساء الدول للقيام بالأعمال الخيرية.
2- محاولة للتقرّب من الغرب، وتقديم صورة لهم على أن هذه المرأة التي تعد زوجة الدكتاتور بشار الأسد، تهتم بالشأن الإنساني.
3- أداة بيد أسماء الأسد لكسر سطوة “أنيسة” والدة بشار الأسد على مجال الأعمال الخيرية، وإظهار نفسها كسيدة أولى.
4- بوابة للسيطرة على الآثار السورية، ونزع أملاك الدولة السورية، من خلال مصادرة بعض الأراضي الهامة كمعرض دمشق الدولي القديم، ومنازل في الشام القديمة، بحجة حماية الآثار.
5- منع مؤسسات المجتمع المدني التابعة للمعارضة من التوحد تحت مظلة واحدة وتشكيل جبهة لمواجهة النظام، حيث كانت تخترقهم أسماء الأسد من خلال “الأمانة السورية للتنمية”. أداة لتوزيع المساعدات الإنسانية التي تصل إلى مناطق المعارضة عبر دمشق.
6- تحقيق مكاسب اقتصادية عبر الاستحواذ على الموارد المالية التي تُقدّم من المانحين والأمم المتحدة.
وتُظهر البيانات المتوافرة عن طريق “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”، أن الأمم المتحدة تبرعت للأمانة على الأقل بأكثر من 750 ألف دولار في عام 2016، وأكثر من 732 ألف دولار في عام 2017، إضافةً إلى 4.3 مليون دولار في عام 2018.
وتوسعت مهام “الأمانة السورية للتنمية” لاحقاً، وباتت تركز على دعم المرأة والعناية بجرحى النظام وذوي القتلى من الجيش، كما تم إنشاء “منظمة العرين” التي كان لها دور هام في وقف تمدّد “رامي مخلوف” من جهة، وكسب الحاضنة الشعبية من جهةٍ أخرى.
مكاسب سياسية من العمل الخيري
كان لمساعي أسماء الأسد وراء العمل الخيري، أهداف سياسية خفية، حيث لعبت دوراً سياسياً داخلياً، عبر التحكم بمفاصل الدولة بشكلٍ غير رسمي، من خلال اجتماع أسماء الأسد أكثر من مرة مع وزراء ومديري مؤسسات المجتمع المدني وزوجات رجال الأعمال في عامي 2019 و2020، وتقديم التوجيهات والأوامر لهم بحجة الأعمال الإنسانية.
وقال أيمن دسوقي لموقع “تلفزيون سوريا” إن “أسماء الأسد حرصت على التركيز على تقديم المساعدات الإنسانية والطبية، من أجل كسب الولاءات وتعاطف الناس، وتسويق أفكارها ومشاريعها السياسية داخل المجتمع السوري”.
وعملت أسماء الأسد على استغلال أي حدث لكسب الحاضنة الشعبية حولها، فعقب اندلاع الحرائق في الساحل السوري في تشرين الأول من العام الماضي، سارعت زوجة الأسد إلى التوجه نحو القرى والبلدات التي تضرّرت من الحرائق وتقديم وعود للمتضررين بتعويضهم عن الخسائر، حيث زعمت “الأمانة السورية للتنمية”، أنها جمعت 6 مليارات ليرة سورية، كتبرعات لمتضرري الحرائق في المنطقة.
وتزامنت تحركات الأمانة مع ظواهر تُعد “الأولى من نوعها” على مستوى سوريا، مثل تعليق صورة ضخمة لأسماء إلى جانب بشار الأسد، خلال فعالية في حي بابا عمرو بمدينة حمص، إضافةً إلى ظهور صورتها في مكاتب الجمعيات الخيرية التابعة لأسماء الأسد، كانت سلاحاً استخدمته أيضاً في حربها السياسية ضد رامي مخلوف، حيث استولت مؤسسة “العرين” التابعة لها والتي أسست في حزيران 2020، على مراكز جمعية “البستان الخيرية” التابعة لمخلوف، في جبلة والقنيطرة والقرداحة، في خطوة لكسب الحاضنة الشعبية بتبرعات كان يلعب “مخلوف” على وترها.
وتحرص أسماء الأسد من خلال تحركاتها المكثفة في الداخل السوري من بوابة الأعمال الإنسانية، على طرح اسمها كمرشحٍ بديل عن زوجها، في حال عقد اتفاق روسي – أميركي على منع ترشح بشار الأسد.
وكان “للأمانة السورية للتنمية” دور سياسي خارجي، حيث بات للمجتمع المدني دور في رسم خريطة الحل السياسي السوري.
واستغلت أسماء الأسد “الأمانة السورية للتنمية”، كوسيلة لكسر العزلة الدولية والإقليمية عن نظام الأسد، عبر إرسال أشخاص إلى أوروبا لتصدير رواية النظام، ولا سيما حول العقوبات.
وأنشأت أسماء الأسد مكاتب علاقات عامة دولية، سواء في بريطانيا أو أميركا أو لبنان تقوم بإدارة منظمات المجتمع المدني، والتي تهدف لتحسين صورة النظام لدى الغرب عبر تنفيذ حملة علاقات عامة على أكثر من صعيد.
أدوات السيطرة على قطاع الأعمال الخيرية
تمتلك العديد من الجمعيات الخيرية إرثاً تاريخياً وشبكات تمويلية وخبرات في التعامل مع المجتمعات المحلية، وقدرة على الوصول إلى الطبقات الفقيرة، ومصداقية لا تتوافر بالضرورة لدى العديد من منظمات المجتمع المدني الناشئة والعاملة في مناطق سيطرة النظام.
وجذبت مزايا قطاع الأعمال الخيرية المالية والترويجية اهتمام أسماء الأسد، في وقت تتزايد فيه حدة الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام.
وأوضح أيمن دسوقي أن “أسماء الأسد سعت للهيمنة على قطاع الأعمال الخيرية عبر استخدام أدوات عدة منها:
1- إلزام الجمعيات الخيرية والداعمين لها بالعمل تحت إشراف ورعاية مباشرة من أسماء الأسد، والاستجابة لمشاريعها والمبادرات التي تطرحها.
2- الاستحواذ على المشاريع الكبرى الناجحة للجمعيات الخيرية، وتضمينها تحت مشاريع ومبادرات “الأمانة السورية للتنمية”.الضغط على الجمعيات الخيرية بوساطة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إما عبر إعادة تشكيل مجالس إدارات هذه الجمعيات، وفرض شخصيات موالية لأسماء الأسد داخلها، أو عبر عدم تجديد الوزارة رخص هذه الجمعيات أو إغلاقها تحت حجج واهية.
3- منع الجمعيات الخيرية من الوصول إلى التمويل الأممي، عبر استخدام الأجهزة الأمنية للتضيق على عمل هذه الجمعيات، ما يسهم في التحكم بها.
ودفعت تحركات أسماء الأسد الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات عليها في نهاية 2020، الى جانب العديد من أفراد عائلتها، في حين وصف المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا “جويل رايبورن”، أسماء الأسد، بأنها تحولت إلى “زعيمة مافيا”.
المصدر: تلفزيون سوريا