بدأت القصة بتصريح لافت، للعاهل الأردني، خلال مقابلة أجراها مع معهد هوفر في جامعة ستانفورد، على هامش زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، الأسبوع الماضي. كان أبرز ما فيه، الحديث عن تصعيد محتمل “للمشكلات” على الحدود السورية – الأردنية، نتيجة ملء الفراغ الروسي من جانب إيران، في سوريا. وهو أمر فهمه بعض المراقبين على أنه تلميح إلى احتمال حصول تصعيد عسكري من جانب الأردن، داخل الأراضي السورية.
في اليوم التالي، انتقلت الأزمة في العلاقة بين الملك وولي عهده السابق –أخيه غير الشقيق- إلى مستوىً جديد، في قرار مفاجئ، إذ قيّد الملك اتصالات الأمير حمزة، وإقامته، وتحركاته.
بعد ذلك، بأيامٍ فقط، أدلى مسؤولون عسكريون أردنيون بتصريحات شديدة اللهجة، وصفوا فيها ما يحدث على حدودهم الشمالية، مع سوريا، بأنها “حرب مخدرات”، متهمين صراحةً، إيران وحزب الله، وقوات عسكرية تابعة للنظام وأجهزته الأمنية، بإدارة عمليات منظمة لتهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية.
وكان أبرز ما جاء في تلك التصريحات، وصفُ مدير الإعلام العسكري الأردني، الأمرَ، بأنه تهديد للأمن الوطني الأردني. مضيفاً في رسالة للسعودية بصورة رئيسية، أن الأردن “يخوض هذه الحرب بالنيابة عن دول الجوار ودول أخرى”. مع رسالة أخرى للداخل الأردني، قال فيها، إن المهربين الذين يعملون انطلاقاً من الأراضي السورية، “يستخدمون الأردن كمستقر للمخدرات، وليس كممر”، في إشارة بالغة الوضوح إلى مقدار الخطر الذي يتهدد المجتمع الأردني، جراء ذلك.
هذه التعبئة للداخل الأردني، والرسائل لدول الإقليم، بالتزامن مع ما بدا أنه منعطف جديد في الأزمة داخل الأسرة الحاكمة بعمّان، يوحي برغبة صانع القرار الأردني في استغلال المخاوف الإقليمية من ازدياد النفوذ الإيراني بسوريا، لتحقيق أهداف داخلية وخارجية، في آن.
أمَّا الأهداف الداخلية، فهي حسم ملف الأمير حمزة، الذي اتُهم بقيادة “انقلاب” قبل عامٍ. وكان لافتاً أن قرار الملك بتقييد حركة أخيه، جاء بعيد عودته من واشنطن مباشرةً. وكأنّ العاهل الأردني حصل على دعم أمريكي، على هذا الصعيد، مقابل تقديم الأردن بوصفه رأس حربة في مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في سوريا.
النقطة الأخيرة تنقلنا إلى الأهداف الخارجية، والتي تتعلق برغبة صانع القرار الأردني، في خلق دور وظيفي لبلاده، بوصفه يحمي السعودية من المخدرات “الإيرانية” التي تستهدفها. في الوقت نفسه، الذي يقارب فيه الأردن مخاوف إسرائيل من تصاعد النفوذ الإيراني قرب حدودها مع سوريا، ليقدم نفسه شريكاً لتلك المخاوف، الأمر الذي يتيح تحصيل تنازلات مهمة للعاهل الأردني من جانب صانع القرار الإسرائيلي، تتعلق بالرعاية الهاشمية للحرم القدسي، والتي تشكل رافعاً معنوياً هاماً جداً للقيادة الأردنية، في سياق الترويج لأدائها السياسي على هذا الصعيد، في الداخل الأردني.
لا ينفي ما سبق، أنّ الأردن يعاني بالطبع من تصعيد لتجارة المخدرات عبر الحدود الشمالية، منذ ازدياد نفوذ النظام وإيران في درعا، بعيد “التسوية” الأخيرة في الصيف الفائت. لكن رفعَ مقدارِ هذا الخطر إلى حد توصيفه بأنه “حرب”، والتلويح بتصعيد قد يكون عسكرياً، وفق مراقبين، بالتزامن مع تصاعد الخلاف داخل العائلة الحاكمة، لا يمكن فهمه إلا بأنه تجميع نقاط لصالح العاهل الأردني، لتعزيز نفوذه في الداخل، وتحصيل الدعم من قوى الإقليم والولايات المتحدة، في سياق الملف الأكثر أهمية بالنسبة للملك، وهو ضمان الحكم لابنه من بعده.
هل يعني ما سبق أننا سنكون بالتأكيد أمام تصعيد عسكري أردني، في جنوب سوريا؟ يبقى المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات. لكن الأكيد، أنّ العاهل الأردني الذي كان عرّابَ مسارٍ متسارعٍ للتطبيع العربي مع نظام الأسد، بُعيد زيارته لواشنطن في الصيف الفائت، أصبح الآن، عرّابَ مسارٍ مضادٍ، عنوانه؛ لجم الخطر الإيراني المتفاقم، انطلاقاً من سوريا.
إياد الجعفري _ الطريق