يعد الاختفاء القسري من أبرز القضايا التي تشغل العديد من منظمات المجتمع المدني السورية وروابط المعتقلين وذويهم، إلى جانب العديد من الهيئات الدولية، ورغم كثرة المطالبات والجهود المبذولة للكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسراً، لم يشهد الملف السوري خطوات حقيقية، تسهم بتحقيق العدالة لآلاف ضحايا هذه الجريمة.
ويترقب السوريون صدور آلية مختصة بهذه القضية ذات ولاية دولية، وسط خيبات الأمل المتكررة حيال مصير حوالي 111 ألف شخص لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بحسب تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الصادر الثلاثاء 30 من آب، بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري.
إلى ذلك، برز الحديث عن آلية إنسانية دولية مستقلة، تُعنى بالكشف عن مصير المختفين قسرًا والمعتقلين لدى مختلف أطراف النزاع في سوريا، منذ ترحيب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في 8 من نيسان الماضي، بطلب الأمم المتحدة في القرار “76/228″، للحصول على تقرير لدراسة آلية لتعزيز الجهود، لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم، وتحديد هوية الجثث، وتقديم الدعم لعائلاتهم.
آلية على قائمة “التوقعات”
لا تزال تفاصيل الآلية مبهمة وغير واضحة المعالم، رغم كثرة الحديث عنها، ومطالبة مختلف الجهات الحقوقية بإنشاء آلية إنسانية دولية مستقلة.
مؤسس “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية، قال خلال مقابلة أجرتها معه عنب بلدي في مكتبها باسطنبول، إن الآلية طُرحت انطلاقًا من توصية قدمها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال عام 2021، لمجلس حقوق الإنسان بإعداد دراسة حول أفضل السبل الممكنة لتوحيد الجهود، والمساهمة في كشف مصير المختفين قسرًا في سوريا.
هذا ما دفع العديد من روابط المعتقلين وذويهم إلى جانب بعض الجهات الدولية، للتأكيد على ضرورة إنشاء الآلية، واستمرار المطالبة بأن تكون الآلية خطوة على طريق العدالة لآلاف المختفين قسرًا.
وبحسب سرية، من المتوقع أن تتضمن الدراسة المرتقب صدورها في أيلول المقبل من قبل مجلس حقوق الإنسان، توصية تشمل مطلب الروابط والجهات الحقوقية المعنية بإنشاء آلية ذات ولاية أممية للكشف عن مصير المختفين قسرًا.
وتستند الدراسة إلى معلومات ومقترحات جمعها مجلس حقوق الإنسان، بالتعاون مع روابط المعتقلين والعديد من الجهات الحقوقية، أضاف سرية.
وعقد مجلس حقوق الإنسان اجتماعًا بسويسرا، في تشرين الثاني 2021، بحضور معظم روابط الناجين والناجيات، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني السوري، لتبادل الأفكار والمقترحات حول أفضل السبل للكشف عن مصير المختفين قسرًا، وفق ما ذكره سرية.
آلية “محايدة”
يستمر النظام السوري في رفض الاعتراف بجريمة الاختفاء القسري التي واصل ارتكابها خلال السنوات الماضية، إلى جانب استمرار العمل على إبقاء كل ما يخص مراكز الاحتجاز مبهمًا بالنسبة للمنظمات الحقوقية السورية والدولية.
وعمل النظام على ذلك من خلال تسييس ملف الإخفاء القسري والاعتقال، للحد من أثر أي خطوات تسهم بالكشف عن مصير آلاف المحتجزين في مراكز الاعتقال التابعة له.
هذا ما تحاول الآلية تجاوزه من خلال استمرار التأكيد على أن الآلية “محايدة”، وهدفها إنساني تجاه جميع أطراف النزاع، وفق ما قاله سرية.
ورغم أن ولاية الآلية تقتصر على البحث والكشف عن مصير المعتقلين، لم يتوقع سرية من النظام السوري أن يكون متعاونًا مع الخطوات المقبلة، إذ يعد السماح بدخول لجنة دولية إلى مركز الاحتجاز في سوريا أول “خرق” في ملف السجون السورية، وفق ما يراه سرية.
وأضاف أن اعتماد الآلية على معلومات من قبل أشخاص كانوا ضحايا تجربة الاختفاء القسري، يحمل طابعًا إنسانيًا بشكل أكبر، ويعطيها قوة وقدرة أكبر على التأثير.
وكان رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول سوريا، باولو بينيرو، قال، في 29 من حزيران الماضي، إن الآلية المتوقع صدورها قريبًا تندرج في السياق الإنساني، ويجب عدم الخلط بين المساءلة الجنائية أو مسار العدالة أو المسؤولية.
وأوضح بينيرو أن المبادرة الأممية مستقلة تمامًا عن النظام السوري، ولا يتطلب تنفيذها موافقته، مشيرًا إلى أمله بتوصل الآلية بعد بداية عملها إلى إجراء “نوع من الحوار” مع النظام السوري، بسبب حيازته المعلومات عن المفقودين.
الأثر المرتقب
بعد عجز العديد من المبادرات عن تحقيق أثر واضح في ملف الإخفاء القسري، تحمل هذه الآلية الأمل لآلاف السوريين الذين ما زالوا يسعون للكشف عن مصير أبنائهم وذويهم.
“في الحالة المثلى لالتزام النظام، سيسمح للجان أممية بدخول أماكن الاحتجاز، وإنتاج قوائم حول الموجودين داخلها”، وفق ما قاله سرية، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تتطلب دعمًا من الدول “العظمى” في الملف السوري.
بينما من المتوقع أن تعمل الآلية على تأسيس “بنك معلومات”، استنادًا إلى معلومات جمعتها المنظمات السورية، والتحقق منها، وفق سرية.
وتستند العديد من المعلومات إلى البيانات التي حصلت عليها روابط المعتقلين وذويهم من ناجين وناجيات حول أشخاص رافقوهم خلال فترة احتجازهم، ما يسهم بمساعدة العديد من العائلات بالكشف عن مصير أبنائهم، بحسب ما قاله سرية.
كما تستند الآلية إلى مقابلات مع ضباط منشقين، للعمل على تحديد مواقع مقابر جماعية محتملة في سوريا.
وفي 25 من تموز الماضي، طالبت جمعيات وروابط معتقلين سورية بإنشاء آلية إنسانية دولية مستقلة، تُعنى بالكشف عن مصير المختفين قسرًا والمعتقلين لدى مختلف أطراف النزاع في سوريا، لتجاوز “إخفاق” الجهود السابقة بهذا الملف.
يأتي ذلك بعد أن أوصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، في 17 من حزيران الماضي، الأمم المتحدة بإنشاء آلية ذات ولاية دولية، بشأن تعزيز الجهود الأممية لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين والمختفين في سوريا.
ولا يزال حوالي 149 ألفًا و862 شخصًا، بينهم 4931 طفلًا و9271 سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار 2011 حتى آب 2021، بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
لجين مراد _ عنب بلدي