تالا الشيخ _ syria press
تقدم منظمات المجتمع المدني التي تعنى بقضايا المرأة، العديد من البرامج والدورات التدريبية للاجئات السوريات في مدينة إسطنبول، البعض منهن ترى إنها أسهمت، إلى حد ما، في تمكين وتعزيز قدراتهن، بينما تراها أخريات أنها لم تسهم في تحسين حياتهن، لأنها تفتقر إلى دراسة معمقة لحاجاتهن الأساسية، ولم تراع أولوياتهن والظروف التي فرضتها تداعيات الحرب والتهجير والاندماج في مجتمع جديد.
تقول “رنا“، (اسم مستعار_ 42 عاماً) إن البرامج التي تقدمها المنظمات المجتمعي، لا تعكس الحاجات الأساسية التي تحتاج إليها اللاجئة السورية في تركيا، وترى أن الأولوية في تمكين النساء اقتصادياً، وتوفير فرص العمل، حتى يعشن حياة كريمة بعيدا عن ذل الحاجة، ولا يقعن فريسة الاستغلال والجشع، وعن تجربتها الشخصية تؤكد لـ “سيريا برس”، أنها لجأت إلى عدة منظمات في إسطنبول لمساعدتها على العمل، وبعد جهد وشهور طويلة من الانتظار والوعود، حسب تعبيرها، أعطوها “ماكينة” خياطة مستعملة، لم تستطع العمل عليها ولا تصليحها.
تتفق مديرة تجمع “سنا” لدعم المرأة “شيماء البوطي“، مع ما قالته “رنا”، وأشارت إلى أنه على صعيد تمكين المرأة على الصعيد الاقتصادي، لم تنجح فيه إلا من تمتلك أرضية أو رأس مال كبير يتيح لها التعلم من أخطائها، أو مهارة حرفية خاصة، وأوضحت أن هناك منظمات تمنح مع التدريبات المهنية آلة خياطة أو معدات حلاقة. بعض النساء استفدن منها وأخريات بعنها، وعدن إلى موقع انتظار السلة الغذائية والمساعدة المالية.
وألقت “البوطي” باللوم على المنظمات بالدرجة الأولى، لأنها تنهي المشروع دون متابعة أو قياس أثر للنتائج، ما يجعل فشل المشروع غير قابل للملاحظة والتقويم لتلافي النقص فيه، ولأن المشاركة الاقتصادية بمشاريع -حتى الصغيرة منها- لا تقتصر على تعليم أسس المهنة أو بعض التدريب الحرفي، فهناك سوق عمل وتسويق وشراكة ودراية بشؤون التوظيف والمعاملات القانونية والإدارية اللازمة حتى بأبسط أشكالها في المشروع الصغير، وإلا ستظل الأمور رهناً بالصدفة والمهارات الفردية والظروف المحيطة.
لم تعتد “رنا” أن تمد يدها لأحد”، حسب قولها ولا العيش على المساعدات والسلل الغذائية، وقالت “جُل ما طلبته أن أعمل وأعيش في كرامة، ولكن للأسف هذا لم توفره لي أي منظمة، وقبل برامج التمكين السياسي والجندر ومناصرة حقوق المرأة، أنا بحاجة لعمل ودخل ثابت أدفع من خلاله إيجار المنزل والفواتير وأشبع عائلتي وخاصة أنا المعيلة الوحيدة لهم، وهذا لم تؤمنه “ماكينة” الخياطة التي أرجعتها للمنظمة مع الامتنان والشكر” تقول في تهكم.
حول برامج منظمات المجتمع المدني ترى “البوطي” أنها قدمت نوعاً من التوعية والمعرفة على الصعيد الثقافي وبناء الشخصية والدعم النفسي والأسري للاجئات السوريات، وتوصلت لقياس أثر ما تم تقديمه رغم أنه لا يظهر إلا بعد متابعة طويلة الأمد للشريحة المستهدفة، أما في مجال التمكين السياسي والاقتصادي فلم يتجاوز الأثر، التوعية وبعض المعارف غير العملية غالبًا.
منظمات المجتمع المدني
نشأت منظمات المجتمع المدني بحسب دراسة بحثية صادرة عن مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” عام 2020، من مبادرات فردية، اقتضت الحاجة تحويلها إلى منظمات وجمعيات مرخصة بمقتضى قانون الجمعيات التركي الصادر عام 2004، واتسمت هذه المبادرات بالعفوية والبعد عن الاحترافية والتخصص، لعدم وجود خبرات سابقة في هذا المجال بسوريا، ولم يكن لها حضور حقيقي في حياة الناس، وخلصت الدراسة إلى أن مجال التخطيط الاستراتيجي من المجالات التي تعاني فيها المنظمات قدرات منخفضة، وتحتاج إلى بناء قدرات، وتفتقر إلى القدرة على تقويم تأثير الخدمات المقدمة للمجموعات المستهدفة، وكذلك في إجراء تقويم منتظم لخدماتها، كما خلصت الدراسة إلى أن نحو ثلث المنظمات المشمولة بالدراسة لديها القدرة على استخدام تقويم الاحتياجات كأداة عند تقديم الخدمات للمستفيدين، بينما أغلبية المنظمات يلزمها تحسين قدرتها في هذا المجال.
تجارب إيجابية وسلبية
انخرطت “نداء” خلال فترة إقامتها في إسطنبول في عدة ورشات تدريبية، قدمتها منظمات مجتمع مدني للاجئات السوريات، قالت إنها استفادت منها على الصعيد الشخصي وساهمت في زيادة معارفها الثقافية والسياسية والقانونية على حد تعبيرها، وأعربت عن رضاها لما قدمته لها بعض الجمعيات والمنظمات من خدمات صحية، وخاصة على صعيد العلاج النفسي، وأشارت إلى عجزها عن تحمل تكاليف العلاج وامتنانها لتلقيه إياه مجاناً، وذكرت بالمقابل أنها تعاملت مع منظمات شعرت أن ما تقدمه للنساء لا يتناسب مع واقع المرأة السورية والقيم المجتمعية، وبرامجها “لاتسمن ولا تغني عن جوع” وكأنها صممت بحسب وصفها لنساء الغرب وليست لنا.
عن مدى تأثير الخدمات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني وانعكاسها على تحسين حياة النساء السوريات، تقول الناشطة في المجتمع المدني “إسراء قطاش” إن فعالية البرامج التي تقدمها المنظمات التي تعنى بقضايا النساء محدودة جداً، ولا تتوافق مع أعداد اللاجئات الكبيرة، إضافة إلى أنها تعتمد على التعليم النظري، ومدة التدريب قصيرة، وتمنح المستفيدات شهادة حضور وليس شهادة ممارسه، لذلك ليس لها فائدة حقيقية.
وتضيف “قطاش” لا يمكن للمستفيدات من برامج منظمات المجتمع المدني الاكتفاء اقتصادياً، عبر تأسيس عملهن الخاص أو الانخراط بسوق العمل، بسبب عدم امتلاكهن للأدوات والمهارات اللازمة، مثل دراسة السوق والخطط التسويقية والترويجية، حيث لا يوجد تدريب مهني يؤسس “من الألف للياء”، لتمكين اللاجئات السوريات، ويقدم لهن منحة مالية معقولة تكون لبنة في تطوير مهاراتهن أو افتتاح مشروعهن الخاص.
الخلل في البرامج والمدربين
فيما يتعلق بنجاح أو فشل برامج منظمات المجتمع المدني، يقول الدكتور “محمود الحسن” مدير أكاديمية التطوير العالمية، حتى يحقق البرنامج الهدف المرجو منه والمتمثل بتمكين اللاجئات السوريات وإكسابهن المهارات، يجب أن يُبنى على أساس علمي وتقني صحيح، والابتعاد عن البرامج الشكلية التي تهدف إلى الإعلان والإعلام والتصوير بغاية تحقيق المكاسب للمنظمة.
إلى ما سبق، أضاف “الحسن” يجب إعداد المواد التدريبية بإتقان وقياس قدرتها على تعزيز مهارات اللاجئات وتمكينهن، ورفد البرامج بمدربين اختصاصين يمتلكون الخبرة الكافية، وأكد أنه في حال التقصير،فالمرأة ليست السبب، بل القصور بالبرامج أو اختيار المدربين.
وحمّل مدير أكاديمية التطوير العالمية، البيئة والمجتمع غير الداعم مسؤولية فشل المرأة، من خلال منع فرص التطور عنها ووضع العوائق في طريقها، منوهاً إلى أن اللاجئة السورية في غربتها أبدعت في مجالات عديدة، وأثبتت قدرتها في العمل وتبوأت مناصب إدارية وقيادية بنجاح مطلق.
وشدد “الحسن” على وجوب تغيير أسلوب تفكير وتعامل كثير من منظمات المجتمع المدني التي لا يزال يطغى عليها التفكير الذكوري، والنظر إلى المرأة على أنها ضلع قاصر تحتاج إلى الدعم والرعاية من قبل الرجل، ولنجاح البرامج عليهم الإيمان بأن قدرات النساء مساوية لقدرات الرجال. بل في أحيان كثيرة تفوقت عليهم بصبرها واهتمامها بالتفاصيل، فاللاجئة السورية قادرة على العمل وبناء المجتمع والإبداع بما تمتلكه من ثقافة ووعي.
المجتمع المدني وحقوق الإنسان
وضعت الأمم المتحدة دليلاً لتيسير فهم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني لنظام مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والعمل مع برنامجها في تعزيز هذه الحقوق وحمايتها، ويتضمن الدليل أمثلة لأفضل ممارسات تعاون المجتمع المدني مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، في الميدان وإسهامات المجتمع المدني في عمل هيئات وآليات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
ويعتبر مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، أن العناصر الفاعلة في المجتمع المدني تؤدي عملها عبر طرق عدة: كحمل هموم المواطنين والرأي العام؛ والعمل على رأب الصدع في المجتمعات التي تعاني من الصراعات؛ والدفاع عن الفئات التي تعاني من التمييز أو الحرمان؛ وتبادل المعلومات؛ مناصرة ومراقبة تنفيذ معايير حقوق الإنسان؛ والتبليغ عن أي انتهاكات تتعلق بهذا الموضوع؛ ومساعدة ودعم ضحايا الانتهاكات؛ وإطلاق حملات من أجل تطوير معايير جديدة لحقوق الإنسان؛ وتقديم المشورة بشأن السياسات لدفع جدول الأعمال الخاص بحقوق الإنسان؛ والمساهمة في توفير نظام حماية فعال على الصعيد الوطني وتقديم التدريب في هذا المجال.
وتشدد المفوضية على أن المجتمع المدني الحيوي والمتنوع والمستقل، والقادر على العمل بحرية، والمنوط بالمعرفة والمهارة في مجال حقوق الإنسان، هو عنصر أساسي في تأمين حماية مستدامة لحقوق الإنسان في العالم. وتؤكد أنه تم تكريس مكتب المفوضية لحماية فضاء المجتمع المدني. وتتحمل الدول المسؤولية الرئيسية عن حماية العناصر الفاعلة في المجتمع المدني، وكذلك المجتمع الدولي، بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، مسؤولية مشتركة لتوفير الدعم والحماية لهم.
مابين مشروعية السؤال حول رضا المستفيدين عمّا تقدمه منظمات المجتمع المدني السورية المهتمة بقضايا اللاجئين السوريين في تركيا، يبقى تقييم الحاجات الفعلية وتوظيفه في تصميم برامج وخدمات تتناسب مع الأولويات والاحتياجات بعيداً عن سياسة الممولين وأجنداتهم هو حجر الأساس في توفير عدد من الموارد والفرص التي سيعكس توفرها أثراً إيجابياً ملموساً في تحسين حياتهم.
تالا الشيخ _ سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.