تعيش النساء السوريات في مخيمات عرسال ظروفا صعبة، تفتقد لأبسط احتياجات الحياة اليومية، يسطرون حكاياتهن بغصة وسط ألم أُفرغ داخل كل خيمة. قليل من الخصوصية بات أمرا ملحا ومطلبا للفتيات اليافعات في مخيمات عرسال في لبنان، اللواتي أصبحن يمتلكن أحلام وطموحات يرغبن بتحقيقها، إذ تعيش النساء منذ سنوات عدة ظروفا قاهرة، فيظهر الجانب الخفي من حياة النساء في المخيمات وسط روتين حياتي قاس لا يحمل الجديد، بل يجدد في مخيلتهن ذكريات تزيد الحنين للوطن وسط خيمة صغيرة أضحت عالمهن الجديد.
ضغوط نفسية
تقضي أم طاهر (61 عاما)، جل وقتها في تربية حفيدتيها بعد وفاة ابنتها وزواج الأخرى، إذ تفرغ أم طاهر نفسها في تأمين مستلزمات حفيدتيها، وتلهي نفسها في التنظيف والترتيب، وتشتكي من الانقطاع المستمر للكهرباء مع ارتفاع تكاليف استهلاكها، حيث تقول بأن الضغوط النفسية تحيط بهن، ولاسيما فيما يتعلق بالفتيات، إذ باتت أكبر أحلامهن الخروج من الخيمة وأن يكون لديهن غرفة خاصة بهن وقضاء وقت ممتع بالذهاب إلى البحر.
تروي أم طاهر في شهادتها لـ “الحل نت”، عن ما ترنو إليه حفيدتيها بقولها “بعد أن تزوجت والدتهما أحاول أن أكون قريبة منهن وادعمهن في كل شيء أكثر من السابق، فالأخت الكبرى مجتهدة في دراستها لكنها تشكو من عدم تمكنها من إحضار قرطاسية او استبدال ثيابها، أما الأصغر فهي تفكر في الزواج من شخص ثري لتنتهي من المأساة التي تعيشها، إذ تعتبر أن الزواج هو الحل الوحيد”. وتقول أم طاهر أن بعض الفتيات مجتهدات في دراستهن ويحصلن العلامات التامة، لكن إدارة المدرسة لا تمنح العلامة التامة للطلاب السوريين، معتبرين أن اللبنانيين لا أحد يتفوق عليهم في الدراسة.
جيانا 12 عاما، حفيدة أم طاهر تقول بأنها تواظب على دراستها وتطمح أن تكمل تعليمها، رغم أنها تتعرض لمضايقات من بعض الطلاب اللبنانيين في مدرستها، إلا أن ذلك لم يمنعها من الاستمرار في الذهاب إلى المدرسة ملابسها، وتذهب إلى مدرستها بحذائها الممزق إذ لا تملك ثمن شراء حذاء جديد، وتضطر أن تأخذ ثمن القرطاسية من جدتها وهي غالية الثمن، وتشعر بأنها بحاجة لكثير من الخصوصية لنفسها إذ لا تمتلك غرفة تبدل بها ثيابها بحرية دون قيود، أو الاضطرار للذهاب إلى الحمام على مرأى كل من في المخيم، وتقول “لا أفكر في الزواج بل أرغب أن أكمل دراستي وأدخل الجامعة وأعمل كي يصبح لي منزل وغرفة لي، كي لا نحتاج لمساعدة أحد”.
الحنين للحياة في سوريا
أم علاء، 51 عاما، أرملة تسكن في إحدى مخيمات عرسال، كرست جل وقتها لتربية أولادها الاثنين، بالرغم أن لديها شاب يعاني من إعاقة في قدمه، إلا أنه تمكن من العمل وتزوج فيما بعد، أما الفتاة حصلت على البكالوريا، وتزوجت في سن الثامنة عشر، لا ترى أن هناك مستقبل في المخيمات، وبأن المدارس عمرها قصير، كما تعتبر أن الفتاة يجب أن تقرر إذا رغبت بإكمال دراستها أم لا، وقلة من سكان المخيمات من يترك بناته تقرر ذلك.
تقضي أم علاء معظم وقتها في استرجاع اللحظات التي كانت تقضيها مع عائلتها في سوريا، وتقول بأنهم رغم عدد السنين التي مكثنا بها في المخيم إلا أننا لم نتمكن من التأقلم حتى الآن في المخيمات.
هدى بريدي ناشطة حقوقية من يبرود في ريف دمشق، تدير جلسات تختص بحقوق المرأة والحد من زواج القاصرات، مع تقديم الدعم النفسي والمعنوي لمن تعرضن للعنف الأسري. ترى أن النساء الأرامل في المخيمات في بداية النزوح، كانت أولوياتهن مقتصرة على تأمين طعام وثياب، وخوفهن الملازم على بناتهن اليافعات من الخروج و التحرك ضمن المخيمات، وبدأ الاهتمام يتوسع ليشمل التعليم، لاسيما بعد افتتاح بعض المدارس في لبنان، فاتجه اللاجئون مستغلين هذه الفرصة لإكمال تعليم أطفالهم، لكن بعد الانتهاء من المرحلة الإعدادية يتفاجأ الطلاب بعدم اعتراف شهاداتهم التي حصلوا عليها من قبل المدارس اللبنانية.
في جانب آخر تضيف “بالمقابل أصبحت عرسال منفتحة نوعا ما بعد عقد اجتماعات توعية للأرامل واليافعات. ابنتي كانت أرملة بعمر 17 عاما، دعمتها لتعمل وتدخل إلى الحياة المهنية ودفعتها باتجاه العمل، حتى لا تبقى في المنزل، حتى حصلت على تدريبات، وأصبحت مقبلة على الحياة المهنية”.
تؤكد بريدي لـ “الحل نت”، أن هناك نسبة من الفتيات في المخيمات المقبلات على التعليم وتحقيق طموحهن منذ بداية 2018، لكن طبيعة الحياة في المخيمات، وبسبب تردي الوضع الاقتصادي والمعيشة ضمن المخيمات، تتقيد حياة الأهالي وتجعلهم يواجهون عوائق تتعلق بالإقامة وغلاء الأسعار، لاسيما أقساط الجامعة التي أصبحت عبء جديد على اللاجئ السوري، فالأمم المتحدة متكفلة إلى مرحلة محددة لدعم الطلاب، أما بالنسبة للمنح الجامعية فهي قليلة جدا لافتة بعدم إمكانية استيعاب لعدد الطلاب الكبير من قبل المدارس اللبنانية وهذا سبب إضافي لعدم إكمال تعليمهم.
رهام بحري _ الحل نت