هل تؤهل معاهد التعليم المهني الخاص في تركيا الشباب السوري للعمل؟

غصون أبو الذهب _ syria press_ أنباء سوريا

دفعت الضغوط الاقتصادية المتزايدة في تركيا اللاجئين السوريين إلى ترك مقاعد الدراسة والتوجه إلى معاهد التعليم المهني الخاصة، لإتقان مهنة والحصول على شهادة تؤهلهم للعمل في مهن عديدة حسب طموحهم ورغباتهم، تساعدهم على تأمين قوتهم اليومي وعيش حياة كريمة، وربما يكون لهم مدخل لافتتاح مشاريعهم الخاصة.

تبدي تركيا اهتماماً بالغاً بالتعليم المهني وافتتحت معاهد فنية ألحقت أغلبها بالجامعات، بهدف صقل مهارات الطلاب الملتحقين بها، وتخريج الأيدي العاملة للالتحاق في سوق العمل، وخلال السنوات الأخيرة ازداد عدد معاهد التعليم الفني، بسبب الحاجة إلى تقنيين وفنيين في مجالات مختلفة، ولكن تبقى هذه المعاهد عصية على أغلب السوريين لإنها تحتاج إلى أقساط سنوية مرتفعة نسبياً، إضافة إلى أن اللاجئين السوريين لايملكون رفاهية الوقت للتسجيل لمدة عامين على الأقل للتخرج والحصول على الشهادات.

معاهد التعليم المهني

يسعى اللاجئون السوريون وخاصة فئة الشباب للالتحاق بالمعاهد العربية الفنية الخاصة المنتشرة بمدينة إسطنبول، كونها تقدم خدماتها التعليمية باللغة العربية، ومدة الدورات فيها تستمر لأشهر قليلة وأغلبها يراعي وقت الطلاب الملتحقين بأعمال أصلاً ويريدون تطوير مهاراتهم أو البحث عن فرص عمل أفضل، ولكن يبقى العائق الأساسي بالنسبة لهم  قدرتهم المادية على دفع رسوم هذه الدورات المرتفعة نسبياً.

تقول “بشرى” لاجئة سورية إلى سيريا برس، عملت في إسطنبول بمهن عديدة تعرضت خلالها للاستغلال المادي كوني افتقر للخبرة اللازمة للعمل، فاشتغلت في الطهي والجلي ومشرفة باص في مدرسة واعمال أخرى، فقررت العمل على اكتساب خبرة في مجال الحاسوب لعل وعسى اوفق في عمل مكتبي، سجلت في أحد المعاهد الخاصة باسطنبول  لحضور درس تعريفي عن الدورة التدريبية التي أنوي التسجيل بها وللأسف لم أستطع التسجيل رغم حاجتي الماسة للعمل لأن رسوم الدورة مرتفعة بالنسبة لإمكانياتي.

تضيف “بشرى” لقد سألت العديد من المعاهد المهنية في مدينة إسطنبول، يديرها سوريون أو عرب للأسف الأسعار لاتناسب أبدا ذوي الدخل المحدود، ناهيك عن المجازفة هل فعلا سأستفيد من هذه الدورات كما أرجو، وهل فعلا الشهادات الممنوحة للطلاب معترف فيها وتفتح لنا أبواب العمل.

تطوير المسارات المهنية للشباب

في حديث خاص إلى سيريا برس تقول الأستاذة “سنابل مرعندي” مديرة أكاديمية وجه الشرق للتدريب المهني، تأسست الأكاديمية عام 2016 في مدينة اسطنبول وحصلت على اعتماد من جامعة اسطنبول للتجارة والاقتصاد، ومعتمدة من قبل وزارة التربية التركية، ونهتم بتدريب وتطوير مهارات الشباب العربي في بلد اللجوء من أجل تحديد مساراتهم المهنية و تعليمهم ورفع كفاءتهم المهنية لإيجاد فرص عمل  تساهم في تحسين مستوى دخل الفرد وتساعد في الاندماج و تحقيق  الاستقرار النفسي و الاجتماعي.

وتضيف “مرعندي” تقدم الأكاديمية دورات عديدة ومتنوعة  في مجال التدريب المهني  التقني والفني و التكنولوجي ضمن برامج مدروسة تتناسب مع سوق العمل، وساعات تتناسب مع عمل الطالب ضمن بيئة صفية تعليمية مجهزة  بأحدث المعدات و أمهر المدربين الأكاديميين على مستوى عال.

ومن أهم التدريبات المهنية التي يقدمها معهد وجه الشرق، دورات التجميل اللاجراحي، العناية بالبشرة، التجميل العام الحلاقة النسائية والرجالية، المايكرو بلدينج للحواجب، العناية بالأظافر، تقنيات الحاسوب   بالإضافة للتسويق الالكتروني والبرمجة والمداولات المالية، برنامج الاوتوكاد، صياغة الذهب والأحجار الكريمة، صيانة الموبايل المُتقدمة بكافة انواعها ios-android ، صيانة الأجهزة الكهربائية (غسالات, مكيفات, كومبي, برادات…)، رسم الازياء والخياطة الشاملة والتفصيل والباترون، وتعليم اللغة التركية والانجليزية.

تشير “مرعندي” إلى أن الاكاديمية خرجت بالفترة مابين 2016 حتى 2023 اكثر 25000 طالب تتراوح أعمارهم من 16 _ 48 عاماً من الشباب والبنات، معظمهم من السوريين والعرب الذين يعانون من وضع سياسي في بلادهم، وتعمل  الأكاديمية على تخريج  400 طالب  كل ثلاثة أشهر ضمن 38 تخصصاً مهنياً. 

وبحسب “مرعندي” تعتبر أكاديمية وجه الشرق الاكاديمية العربية الوحيدة التي تمنح طلابها شهادة معتمدة وموثقة على بوابات الحكومة التركية الالكترونية باللغتين التركية والانجليزية تساعدهم في ايجاد فرص عمل  وتمنحهم الاولوية عند تقديمهم في أفضل الشركات و ترفع من قيمة السيرة الذاتية .

وتوضح مديرة الاكاديمية أن من اهم الصعوبات التي تواجههم هو ارتفاع الكلفة الشهرية للمشروع بما لا يتناسب مع امكانية دخل الطالب باعتبار ان المشروع هو مشروع خدمي تعليمي لا يسعى نحو الربح بل نحو تحقيق الغاية التعليمية و تطوير البرامج بالإضافة الى عدم استقرار الطالب ضمن قرارات مستجدة و متغيرة  تتعلق  بالأجانب.

المهنة أفضل من الدراسة

لاحقت  السورية “نكريجان القادر” من مواليد 1997 شغفها في تعلم الحلاقة النسائية، وسجلت في أحد المعاهد المهنية بمنطقة الفاتح في مدينة إسطنبول، وحضرت ستة عشر درساً بواقع ثلاث ساعات لكل درس، وتقول أنها حاليا تعمل من المنزل ريثما تجد صالوناً مناسباً، وتنشر عملها على صفحة انستغرام لجذب المزيد من الزبائن.

توضح “القادر” أنها استفادت جداً من هذه التدريبات وحققت هدفها بتعليم مهنة تحبها، وأعربت عن سعادتها بالشهادة التي منحت لها، وبالتسهيلات المادية التي قدمها لها المعهد من حيث تقسيط قيمة الدورة على عدة دفعات، وأشارت إلى أن العمل في مهنة في هذا الوقت أفضل من الشهادات الدراسية من حيث إيجاد فرص عمل ومن ناحية العائد المادي.

تطوير المهنة اكاديمياً

يعمل “غياث شلحة” في مهنة تصميم الأزياء في مدينة دمشق قبل رحلة اللجوء إلى تركيا، يقول إلى “سيريا برس”، سمعت عن معهد يقدم تدريب مهني في مجال عملي وأحببت تطوير مهنتي بطريقة أكاديمية، بدأت في دورة موديلست وأهلني هذا التدريب فعلا لسوق العمل في تركيا، دفعني طموحي إلى التسجيل بدورات متلاحقة استمرت لعام ونصف تعلمت فيها الرسم وتصميم الأزياء بأنواعه، وافتتحت بعدها عملي الخاص بنجاح.

بالنسبة لأسعار الدورات الخاصة بتصميم الأزياء، يقول “شلحة”، لقد درست العديد من الخيارات مابين معاهد خاصة عربية وتركية، ووجدت أن منهم من يطلب مبالغ هائلة رغم التقارب في المناهج ومدة الدورة، بعد المقارنة وجدت المعهد الذي درست فيه بأسعار مناسبة وبالتقسيط، ولديهم برنامج تدريبي جيد وأساتذة خبراء، ولاحظت أن هناك زملاء التحقوا معي بالتدريبات وكانت خبرتهم صفر وبعد نهاية الدورة امتلكوا خبرة جيدة مكنتهم من العمل بشكل فوري.

برأي “شلحة” أن التعليم المهني في تركيا بالنسبة للاجئين السوريين أفضل من التعليم الجامعي من حيث توفر فرص العمل، ويقول أن في مجال عمله يعرف الكثير من الشباب ممن يحملون الشهادات الجامعية وتعلموا المهنة وعملوا بها بانتظار فرصة سانحة للعمل في مجال تعليمهم الاكاديمي، ويرى أن من الجيد للشباب حمل شهادات جامعية ومهنية في آن واحد لإنها تزيد فرصهم في العمل وعيش حياة كريمة.

معاهد التعليم المهني
أكاديمية وجه الشرق_ خاص سيريا برس

القانون الدولي والحق في العمل

تنص المادة 23 من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان على أن لكلِّ شخص حق العمل، وحرِّية اختيار عمله، وفق شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة. كما أكدت أن لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحق في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي. وحقاً في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية.

 وجاء في المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:  “لكل فرد الحق في العمل . ويعد الحق في العمل أساسا لإعمال حقوق الإنسان والتمتع بحياة كريمة. يشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لكل فرد لكسب رزقه عن طريق أداء عمل يختاره أو يرتضيه بحرية. إن الدولة ملزمة لدى الإعمال التدريجي لهذا الحق بضمان تقديم الإرشاد والتوجيه في مجال التعليم المهني والفني، فضلا عن اتخاذ التدابير الملائمة لتهيئة بيئة ملائمة تُعزز فرص العمالة المنتجة. ويتعين على الدول أيضًا أن تكفل عدم ممارسة التمييز في ما يتعلق بجوانب العمل كافة.

كما تنص المادة 25 من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، أن لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يؤمن به العوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز، أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.

وفقا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن رئاسة إدارة الهجرة التركية، يبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا تحت الحماية المؤقتة، 3 ملايين و329 ألف سوري حتى الشهر الجاري، وبلغت حجم العمالة السورية على الأراضي التركية بحسب إحصائيات منظمة العمل الدولية لعام 2020 بين 750 _ 950 ألف عامل.

تُشكل العمالة السورية في تركيا نحو 2.9 % من إجمالي حجم العمالة في السوق، وهو عدد لايستهان به في سوق العمل، وأوضح تقرير لغرفة تجارة إسطنبول، بعنوان “روّاد الأعمال السوريون في اقتصاد تركيا“، أن اللاجئين السوريين يؤثرون بشكل إيجابي في تطور تركيا اقتصادياً، وبلغ  العدد الإجمالي للشركات السورية وفق التقرير بنحو 20 ألفاً في عموم تركيا، وبلغت قيمة إسهام السوريين في الاقتصاد التركي 4.3 مليارات يورو من نهاية عام 2017؛ وهو ما يشكل 1.96% من إجمالي الناتج المحلي، وسترتفع هذه النسبة إلى 4% عام 2028، بسبب وجود مايناهز مليون عامل سوري  في البلاد..

غصون أبو الذهب _سيريا برس   

 ‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” .

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
منظمة INGEV

واقع دعم المشاريع النسائية الصغيرة في مدينة شانلي أورفا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا تدعم منظمات المجتمع المدني المتخصصة في التنمية وريادة الأعمال، المشاريع الاقتصادية للاجئات السوريات في مدينة شانلي أورفا، بهدف...
مركز الأمل لمكافحة السرطان

خدمات دور ضيافة مرضى السرطان القادمين من سوريا بين الواقع والمأمول 

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا تستقبل دور الإيواء المعدودة ومحدودة الإمكانيات في تركيا، مرضى السرطان السوريين عند تحويلهم من الشمال السوري حسب طاقتها...

سوريات إلى الدعارة في العراق..ضحايا ميليشيات عراقية

“يضربني زوجي كل يوم، ويصطحبني مُكرهةً لممارسة الجنس مع أشخاص في الفنادق والبيوت، ثم يعود بي إلى البيت ليفعل بدوره الأمر نفسه بعد ضربي...

الجنس مقابل النجاح في جامعة تشرين

تحقيق يستقصي الابتزاز الجنسي الذي تتعرض له الطالبات في جامعة تشرين من الكوادر التدريسية ليحصلن على درجات النجاح، ويرصد الفساد الإداري عبر مقابلات مع...

الأكثر قراءة