شهدت العلاقات الأردنية- السورية تحولات بعد قيام الثورة السورية ضد النظام السوري، بدأت بدعوة العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى التنحي عام 2011، وتغيرت ليطلب الملك منه تغيير سلوكه عام 2021.
بعد زيارة الملك عبد الله الثاني للرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تموز الماضي، بواشنطن، وتصريحه عن النضج بالتفكير في كيفية التعامل مع النظام وتغيير سلوكه، ترك الكثير من التساؤلات حول تغير سياسة الأردن في تعاملها مع النظام السوري في حال تغييره سلوكه الحالي، وليس تنحي الأسد عن منصبه بعد ارتكابه العديد من الجرائم بحق شعبه بتقديرات أممية.
وتبع زيارة الملك وتصريحاته عن النظام السوري، اتصال بين وزير الداخلية السوري، محمد الرحمون، ونظيره الأردني، مازن الفراية، كان الأول من نوعه على مستوى الوزراء منذ سنوات.واتفق فيه الطرفان على “التنسيق المشترك” لتسهيل عبور شاحنات الترانزيت وحافلات الركاب بين البلدين.
المتحدث باسم “هيئة التفاوض”، يحيى العريضي، قال لعنب بلدي، إن ما قاله الملك عبد الله عن تغيير سلوك النظام لا يعني أنه يريده أن يبقى.
وقال الملك خلال مقابلة له في أثناء وجوده بواشنطن، إن “هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟”.وتساءل الملك عن طريقة التحاور مع النظام إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، نافيًا وجود خطة واضحة إزاء أسلوب الحوار حتى اللحظة.
وعلّل العريضي اتصال وزير الداخلية بأن الأمور الأمنية لم تنقطع بين البلدين، ولا تعني بداية تقارب بين النظامين بالضروة.
وكانت مصادر أردنية قالت لوكالة “عمون”، في حزيران الماضي، إن عقوبات قانون “قيصر” هي من ضمن القضايا التي خُطط لمناقشتها بين الملك وبايدن، على اعتبار أن الاقتصاد الأردني هو ثاني اقتصاد تأذى بعد الاقتصاد السوري من العقوبات المفروضة.
كما رجحت دراسة لمركز “الشرق الأوسط “، أن يطلب الملك عبد الله من بايدن إيجاد طرق لإعفاء المملكة من العقوبات بموجب قانون “قيصر” فيما يتعلق بالتجارة مع سوريا.
تعليق العقوبات يرتبط بسلوك النظام
قال منسق لجنة قانون “قيصر” في “الائتلاف السوري”، عبد الرحمن بركات، في حديث إلى عنب بلدي، إن نصوص قانون “قيصر” لا تحتوي على أي استثناءات للقانون من تطبيق العقوبات سواء كانت من دول أو شخصيات عامة، وإنما تحدث القانون عن الجهات المستهدفة بشكل واضح، كالشخصيات الأجنبية التي تشارك النظام في صفقات معيّنة على كل الأصعدة سواء الاقتصادية أو العسكرية أو حتى في قطاع خدمات التكنولوجيا أو بيع السلاح أو إعادة الإعمار.ونص القانون، فيما يتعلق بالتعليق والإعفاء، على مواد تتعلق بتغير سلوك النظام على المستوى السياسي والعسكري والأمني، كالتوقف عن استخدام السلاح الجوي ضد المدنيين، وفك عزلة المناطق المحاصرة، والدخول في العملية السياسية بشكل جدي.
يرتبط التعليق والإعفاء بالنظام السوري فقط، وبمدى تجاوبه مع العقوبات التي كان بالأساس هدفها تغيير سلوك النظام على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني.
وهناك مواد في القانون تتحدث عن الإعفاء والتنازل وترتبط بشقين، الأول يتعلق بأنشطة الولايات المتحدة الأمريكية، يصدر بها الرئيس الأمريكي إعفاء بخصوصها، وهو أمر منصوص عليه بشكل واضح في القانون، فبالتالي هي إعفاءات تتعلق بالجهة التي أصدرت القانون.
كما أن هنالك إعفاءات متعلقة بالاتفاقيات الموقعة في الأمم المتحدة واتفاقيات العلاقات القنصلية وأي اتفاقيات تكون الولايات المتحدة طرفًا موقعًا عليها.
وهنالك أيضًا استثناءات وتنازلات بأمور واضحة فيما يتعلق بالجانب الإنساني والمساعدات الغذائية والطبية ونشاطات تتعلق بالجانب الإنساني، وغير ذلك لم يبت القانون بشيء حول تعليق العقوبات.
وأعطى القانون صلاحية واسعة للرئيس الأمريكي، على أن يقدم إحاطة للجان المختصة في “الكونجرس” عن موضوع التنازل أو الإعفاء أو حتى التعليق، وبالتالي فأي فعل يذهب بإعفاء شخصيات أو دول بالتعامل مع النظام، فإن ذلك يكون خارج قانون “قيصر”، ويكون مرده سياسيًا وليس مرتبطًا به.
وقانون ”قيصر” هو قانون عقوبات أمريكي تفرض بموجبه الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين منتمين إلى النظام وداعمين له، وتحظر بموجبه دعم النظام أو التعاون معه اقتصاديًا، منذ 16 من حزيران 2020.
خط الغاز وسيلة لإقناع واشنطن
كان رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، أعلن عن غاية رحلته الأخيرة إلى مصر، في 14 من تموز الماضي، ولقائه بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالحصول على الغاز المصري عبر تمرير خط غاز يمتد من الأردن وسوريا إلى لبنان، ليوفر 50 أو 60% من تكلفة المحروقات في لبنان.
وكشف الحريري عن أنه تواصل مع القيادة الأردنية ليقنع واشنطن بإيصال الغاز المصري إلى لبنان، عبر الأردن مرورًا بسوريا.
ولم يحدد الحريري آلية تنفيذ المشروع ومدى قابليته للتطبيق على الرغم من التجاوب المصري.
كما لم يوضح إذا كان اتفق مع النظام السوري، قبل أن يطلب الوساطة الأردنية للحصول على الموافقة الأردنية.
وسبقت الحديث عن اتخاذ الأراضي السورية ممرًا للغاز المصري نحو لبنان، زيارة وزير النفط السوري، بسام طعمة، إلى بغداد، في 29 من نيسان الماضي.
كما تحدث وزير النفط العراقي، إحسان عبد الجبار، مع نظيره السوري، بسام طعمة، في زيارة أجراها طعمة في 29 من نيسان الماضي، عن اتفاق وشيك لاستيراد الغاز المصري عبر سوريا إلى بلاده، وفق ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).
ولم تذكر الوكالة العراقية، حينها، مزيدًا من التفاصيل حول طبيعة الاتفاق وشروط وموعد إمداد الغاز إلى بغداد.
هل بإمكان الأردن لعب هذا الدور؟
لا يعتقد الباحث الخبير في العلاقات الدولية الدكتور العراقي عمر عبد الستار، أن بوسع ملك الأردن تخفيف العقوبات عن النظام، وهو أمر أشبه بمعجزة، لأنه قانون أُقر من قبل “الكونجرس” الأمريكي، ولا سيما أن عقوبات قانون “قيصر” تشبه في ماهيتها العقوبات التي سنّها مجلس الأمن تحت البند السابع ضد العراق، والتي لم تُرفع حتى عام 2003.
كما يرى أن كل صراعات الشرق الأوسط ومعضلاته ترتبط بسوريا، وعليه لا يمكن رفع عقوبات قانون “قيصر”، ولكن الأردن بحاجة إلى سوريا، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي، فالتكيف مع معادلة في ظل انسحاب غير مباشر لأمريكا ضروري، وخاصة في ظل رغبة إيران في بناء محور وصفه بـ”شام جديد”، وهو ما يسعى خصوم إيران في بناء هذا المحور، لأن التطبيع مع إسرائيل دفع طهران إلى نشاط دبلوماسي غير مسبوق يقوم به رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، نحو محور “الشام الجديد” لتأخذ مصر والأردن نحو معركتها ضد إسرائيل.
ويرى عبد الستار أن بايدن يركز على الأردن في المنطقة، لأن الملك عبد الله يعتبر سفير أمريكا في المنطقة، وكان لقاؤه به تاريخيًا، فالمنطقة تمر بصراع دولي بحرب باردة مع الصين، ويجمع المحور الغربي على كلمة واحدة وهي مشكلة إيران.
وبحسب عبد الستار، يصعب التخمين قبل توقيع أي اتفاق رسمي بين الأردن وأمريكا، بخصوص العقوبات، أما التنسيق الاقتصادي والسياسي والأمني مع النظام والروس وإسرائيل وغيرهم، فهو أمر ضروري للأردن للحفاظ على كيانه من أن تجعل إيران منه عاصمة خامسة لها.
المعبر خارج حسابات النظام السياسية
تتجه الأنظار كلما ازداد الحديث عن تقارب سوري- أردني إلى معبر “نصيب- جابر” الحدودي، الذي يعتبر عماد الحركة التجارية بين الجانبين، ودول أخرى أبرزها لبنان والعراق والخليج العربي.
وأغلقت وزارة الداخلية الأردنية المعبر الحدودي مع سوريا، في 31 من تموز الماضي، على خلفية التطورات الأمنية في درعا، بشكل مؤقت أمام حركة البضائع والركاب، وسيعاد فتحه في حال توفر الظروف الملائمة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا).
وتأثرت الصادرات الأردنية جراء إغلاق الحدود، وزار وفد من غرفة التجارة الأردنية دمشق، في 23 من تموز الماضي، لبحث ومناقشة توسيع التجارة الثنائية بين البلدين.
وقُدرت قيمة الصادرات السورية عبر معبر “نصيب” خلال عام 2010، بأكثر من 35 مليار ليرة سورية، بينما بلغت قيمة المستوردات نحو 47 مليار ليرة سورية (الدولار بنحو 50 ليرة سورية).
بينما كان يصل حجم الصادرات خلال عام 2014 وحتى تاريخ إغلاق المعبر في نهاية شهر آذار عام 2015، إلى أكثر من 27 مليار ليرة سورية، وبلغت قيمة المستوردات 78 مليار ليرة سورية (الدولار بحدود 150 ليرة سورية).
وأُعيد فتح الحدود جزئيًا عام 2018، لتعود حركة التجارة والصادرات بين البلدين عبره بعد توقف دام لأكثر من ثلاث سنوات إثر سيطرة المعارضة على المنطقة.
وقال وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن النظام السوري لا يعوّل على تحقيق أي مكاسب اقتصادية قد ترده عبر التعاملات التجارية الجارية على المعبر، إذ تتجلى رغبة النظام الرئيسة بإعادة فتحه بأمرين بعيدين عن تلك المكاسب.
وبحسب المصري، يستخدم النظام المعبر وسيلة لتمرير صفقات تهريب “الحبوب المخدرة” إلى دول أخرى عن طريقه، إلى جانب محاولة إثبات الشرعية وتحقيق مكاسب سياسية يرغب بالترويج لها تتضمن تطبيع العلاقات مع الدول المجاورة.
وفي تحقيق نشرته عنب بلدي حول انتشار المخدرات في الجنوب السوري، قُدرت كمية المخدرات التي دخلت الأردن عبر الحدود مع سوريا خلال عام 2020 بنحو 40 طنًّا من الحشيش وأكثر من 83 مليون حبة “كبتاغون”.
المصدر: عنب بلدي