وحيدة مع طفلتيها تعاني لتأمين متطلبات البقاء في وقت بات فيه معظم السوريين يعيشون تحت خط الفقر، “أحد عشر عاماً وما يزال الصبر والتضحية مستمران” تقول هيفاء، شابة مقيمة في مدينة حلب لـ”روزنة”.
تبدّل حال معظم السيدات السوريات إلى الأسوأ خلال السنوات الماضية، واجهن تحدّيات الحرب، في الوقت الذي عانين فيه من جملة انتهاكات لحقوقهنّ وسط ارتفاع العنف وشبه انعدام للأمن، حيث تحتل سوريا مراكز متدنّية في مؤشرات السلام والأمن للمرأة.
ومع ذلك كانت المرأة السورية خير مثال للتضحية والكفاح في سبيل الحصول على حياة كريمة لها ولمحيطها، وبرزت نماذج مختلفة على مدى السنوات الماضية في مختلف المناطق السورية، استطعن إحداث فارق كبير وبصمة بارزة في المجتمع من خلال إثبات وجودهنّ.
المسؤولية مضاعفة
“لا كهرباء أو غاز أو مواصلات، عمل خارج وداخل المنزل، مع مسؤولية مضاعفة في ظل غياب الزوج” تلك التفاصيل جزء من معاناة هيفاء، 35 عاماً، معلمة في مدينة حلب، وأم لطفلتين.
منذ عامين سافر زوجها خارج البلاد من أجل تحسين الوضع المعيشي، فيما بقيت هيفاء المعيلة الوحيدة لأسرتها.
تتقاضى هيفاء راتباً لا يتجاوز الـ 150 ألف ليرة سورية (نحو 39 دولاراً)، في الوقت الذي وصل وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من 5 أفراد إلى أكثر من مليوني ليرة سورية شهرياً، وفق دراسة نشرها موقع جريدة “قاسيون“.
تخلّت العام الفائت عن تسجيل ابنتها ليان البالغة من العمر 5 سنوات في روضة لتوفير تكاليفها إذ بلغت 45 ألف ليرة.
وقدّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المئة من إجمالي السكان، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي في تشرين الأول عام 2021.
لا بديل عن التعليم
خلال السنوات الماضية تراجعت نسبة التعليم في مختلف المناطق السورية، إما نتيجة النزوح والتهجير جراء الحملات العسكرية، أو بسبب الفقر وتردي الوضع المعيشي ما دفع بالكثيرين لإخراج أطفالهم من المدارس، ولا سيما الفتيات.
تحاول سهر، 22 عاماً، مقيمة في إدلب، الحصول على شهادة جامعية، رغم الظروف التي دفعتها للعمل بعد وفاة والدها.
سهر طالبة في السنة الثالثة بجامعة إدلب في قسم الإرشاد النفسي، هي المعيلة الوحيدة لوالدتها وأخويها، تقول لـ”روزنة”: “أحاول التوفيق بين عملي في إحدى المنظمات العاملة بالمنطقة بالدعم النفسي وبين دراستي” وتتابع: “الأمر شاق جداً عليّ لكن لا يوجد حل آخر”.
أما جود، طالبة سنة رابعة في كلية الهندسة الزراعة، تهجّرت منذ 3 سنوات من قريتها بريف إدلب الجنوبي بسبب القصف، فنزحت وعائلتها إلى الريف الشمالي، تقول لـ”روزنة”: تهجّرنا ومرينا بظروف صعبة وقاسية ورغم كل الصعاب يلي واجهتها ما تركت جامعتي ورح كمل للآخر”.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: ارتفاع زواج الأطفال مع ازدياد نسبة المحتاجين في سوريا
وفي مناطق النظام السوري، يعاني مئات الطلاب والطالبات من أجل مواصلة الدراسة، مع غياب معظم الخدمات مثل الكهرباء والمواصلات.
زهراء، 17 عاماً، شابة مقيمة في أحد أحياء حلب الشرقية مع والديها وشقيقها ذو الـ 11 عاماً، انقطعت في فترات سابقة عن التعليم بشكل متكرر بسبب العمليات العسكرية والقصف، لتحصل بصعوبة بالغة على شهادة التعليم الأساسي العام الفائت.
اليوم تكافح زهراء لمتابعة تعليمها عبر دورات تعليمية والحصول على شهادة “التعليم الثانوي”، تقول لـ”روزنة”: وجدت معهداً تعليمياً جيداً بعيداً عن منزلي لكن من الصعب الوصول إليه لغياب المواصلات ما دفعني للتراجع عن التسجيل فيه”.
“أبحث عن معهد تعليمي جديد… إنها مهمة صعبة… ولكن الدراسة أمر لا يمكن التنازل عنه” بحسب زهراء.
وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، قالت عبر تقرير نشرته الأمم المتحدة، إنّ عدد الأشخاص المحتاجين في سوريا هو الآن أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الصراع، وتردي الوضع المعيشي يجبر العائلات على اتخاذ خيارات لا تطاق، إذ يتم إخراج الأطفال وبخاصة الفتيات من المدرسة، وزواج الأطفال آخذٌ بالارتفاع.
سوريات داعمات
كما عملت المرأة السورية خلال سنوات الحرب على دعم زوجها وعائلتها، أيضاً دعمت محيطها، من نساء وأطفال وشباب وشابات.
ومن بين السوريات الداعمات المؤثّرات كانت معلمة اللغة العربية أحلام الرشيد، 45 عاماً، التي صنّفت من بين أكثر 100 امرأة مؤثرة على مستوى العالم، وفق تصنيف نشرته “بي بي سي” عام 2017 بناء على مسيرتها التعليمية المستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً، فضلاً عن أعمال خيرية تقوم بها.
“عملتُ في الخيام صيفاً وشتاء، لدعم طلاب المخيمات ومتابعة تعليمهم، ساعدت الفتيات على استكمال تعليمهنّ، ومهنة التعليم تسري في دمي”، تقول أحلام لـ”روزنة”.
أحلام الرشيد
لم تتوقف أحلام عن ممارسة مهنة التعليم بعد نزوحها أواخر عام 2012 من بلدة حاس في مدينة معرة النعمان إلى مخيم قاح في بلدة أطمة على الحدود السورية التركية، واستمرّت بتدريس طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، ونقل عددٍ منهم من المخيم إلى مدينة إدلب، لأداء الامتحانات التي كانت تجري فقط وسط المدينة.
وسّعت أحلام دائرة أعمالها من تقديم الدّعم النفسي والدورات التعليمية، وافتتحت مركز الرشيد للبناء والتطوير، الذي خرّج آلافاً من الشبان والشابات في المجالات المختلفة، وإقامة دورات محو الأمية للنساء، إضافة إلى تعليم النساء مهن يدوية يعملن بها لتلبية احتياجاتهن.
تختلف تجربة منى عبد السلام عن تجربة أحلام، حيث عملت كمعلّمة لسنوات في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، تزامن ذلك مع اهتمامها بالعمل المدني عموماً والنسوي خصوصاً.
تقول منى لـ”روزنة”: “شهدت بشكل متكرر أثناء عملي في المدرسة حالات عنف ضد المرأة، وسمعت قصصاً ترويها الجدات والأمهات عن نساءٍ مقهورات يتعرضن لعنفٍ مجتمعي، وظلم وهدرٍ للحقوق، وجاء عام 2011 وازدهر النشاط المدني في سوريا فقمت أنا ومجموعة من السيدات بتأسيس منظمةٍ لمناهضة العنف الممارس ضد النساء، فكانت منظمة (سارة) بعد جهودٍ طويلة”.
تعمل منظمة “سارة” على إحصاء حالات العنف الممارس ضد المرأة بالتعاون مع الجهات المحلية في المنطقة.
أشارت منى إلى ضبط حالات العنف بعد عام 2011 وما رافقه من تغيرات سياسية واجتماعية في المنطقة، بما فيها قوانين “الإدارة الذاتية” ومحكمة المرأة، إذ استطاعت المرأة وفق هذه القوانين أن تتقدم بشكوى للجهات المعنية ضد من يمارس بحقها عنفاً لفظياً أو معنوياً أو جسدياً.
متطوعات في الدفاع المدني
في جانب آخر، وجدت نساء سوريات أنفسهن أمام تحدٍ لم يعتدن عليه خلال السنوات الماضية، القصف الذي تعرّضت له المناطق خارج مناطق النظام، أجبر المدنيين على تشكيل فرق “الدفاع المدني”، وانضمت نساء سوريات له حينما دعت الحاجة لذلك.
“أقدم المساعدة للمدنيين المصابين كل يوم وأنا على تمام المعرفة أن قيامي بهذا العمل سيساهم في تأمين حياة أفضل لابنتي ولوطني”، تقول فاطمة، إحدى المتطوعات في الدفاع المدني، وفق موقع “الدفاع المدني“.
أواخر عام 2012 بدأت قوات النظام السوري بقصف المنازل والأحياء السكنية خارج مناطقها، ما دفع مجموعة من المتطوعين لتقديم الاستجابة الطارئة لمساعدة العالقين تحت الأنقاض، وفي تشرين الأول من عام 2014 تأسست منظمة “الدفاع المدني” كفرق موزعة على 7 محافظات سورية، بينها سيدات متطوعات.
ومنذ تأسيس “الخوذ البيضاء” هناك أكثر من 221 متطوعة تلقين تدريباً على الرعاية الطبية وأعمال الإنقاذ الخفيفة.
متطوعة في الدفاع المدني – ريف إدلب
بدأت النساء المتطوعات في البحث والإنقاذ، وفيما بعد قمن بتوسيع نطاق عملهن ليشمل الاستجابة للصدمات النفسية وحملات التوعية المجتمعية لمساعدات العائلات والأطفال بالتحضير للهجمات والتعافي من آثارها، وفي المناطق التي لا يوجد فيها خدمات طبية كافية قامت متطوعات الخوذ البيضاء بتأسيس نقاط طبية لتقديم الإسعافات الأولية والعناية بالحوامل والأمهات الجدد.
قد يهمك: الدفاع المدني: جميع حقوق الإنسان في سوريا مهدورة
سوريات ناجيات
“رسالتي إلى الناس أن يعرفوا أننا لسنا سبب معاناتهم، لسنا سبب الحرب التي يعيشونها، ولسنا العار، نحن ضحينا بأنفسنا من أجل سوريا الحرّة”، تقول هدى أمهان (36 سنة) وهي معتقلة سابقة وزوجها يوسف أمهان (44 سنة) لا يزال معتقلاً لدى النظام السوري.
كانت هدى موظفة في مكتب وزير الصناعة وكان زوجها يعمل في قيادة دمشق، في الشهر الثالث من عام 2012، تم توقيف زوجها، حين كان عمر ابنتهما لا يتجاوز السنتين والأربعة أشهر.
القصة لم تنتهِ هنا، إذ تم استدعاء هدى إلى التحقيق في نيسان 2015، والسبب كان أن زوجها ذكرها في تقريره على أساس أنه كان يستقي منها معلومات كونها تعمل في مكتب وزير.
بعد 16 يوماً من التوقيف والتعذيب، استطاعت أن تخرج وتمضي 6 أشهر في الإقامة الجبرية، بعدما دفعت مبلغاً كبيراً من المال.
لجأت بعد ذلك إلى أهل زوجها لمساعدتها هي وابنتها، وقوبلت بالرفض، “لا نريد معتقلة سابقة في بيتنا”. وكان على هدى أن تجرّ حزنها وخيباتها من مكان إلى آخر برفقة ابنتها، إلى أن عادت إلى جسر الشغور بريف إدلب مكان ولادتها.
حاولت أن تجد وظيفة لكن الأمر لم يكن سهلاً، فنظرات العار كانت تطوّقها، باعتبار أن المعتقلات يتعرّضن لاعتداءات جنسية في السجون، وهو أمر يدفعن ثمنه، حتى إذا لم يتعرّضن للاغتصاب وهو ما تؤكده هدى.
قررت هدى في النهاية أن تعود إلى الدراسة وتواصل عملها المدني في ملفّ المعتقلين، تؤكّد مرة تلو الأخرى أن هذا الملف هو قضيتها، ولن تتخلّى عنها… نسألها عن أحلامها تقول: “أن أعيش وابنتي بسلام وأن أرى سوريا حرّة والسجون فارغة من الأبرياء”.
أكثر من 10 آلاف سيدة لا تزلن قيد الاعتقال /الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع المسيطرة في سوريا، بينهنّ 8497 على يد قوات النظام، فيما تعرّضت 11 ألف و523 سيدة إلى حوادث عنف جنسي، منذ شهر آذار عام 2011، وفق تقرير صادر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تشرين الثاني العام الفائت.
إيمان حمراوي _ روزنة