عبثًا تحاول روعة السكري (48 عامًا) إيجاد فرصة عمل ملائمة وسط ما تعانيه من فقر ونزوح وغلاء، خصوصًا أنها المعيلة الوحيدة لأبنائها بعد وفاة زوجها، الذي توفي إثر إصابته بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) أواخر عام 2021، لترعى أبناءها الستة وحدها.
دفعت قلة الفرص بروعة، وهي نازحة من قرية معرشمشة، وتقيم في مخيمات “كفرعروق” شمالي إدلب، للاعتماد على عمل عدد من أبنائها في الإنفاق على العائلة، وأجبرتها الظروف المعيشية على وضعهم في ورشات صناعية رغم صغر سنهم.
روعة قالت لعنب بلدي، إن الوضع المعيشي الصعب قضى على مستقبل أبنائها الدراسي، إذ اتجهوا للعمل من أجل تأمين قوت يومهم، في الوقت الذي “لا يلتفت فيه أحد لمعاناتنا في مخيمات النزوح المنسية”.
وتضع السيدة اللوم على الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني، التي لم تعمل على بناء مشاريع تنموية من شأنها مساعدة النازحات والمعيلات في تأمين متطلبات العيش، خصوصًا أن العدد الكبير منهن لا يمتلكن الشهادات العلمية أو الخبرات.
وصار تأمين متطلبات الحياة بالنسبة للسواد الأعظم من المدنيين، ولا سيما النازحين، ضربًا من الخيال، ولم تعد الكثير من العائلات قادرة على تدبر أمور حياتها اليومية، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار جراء انهيار الليرة التركية المستمر أمام الدولار الأمريكي.
الإجبار على المر
من جهتها، تضطر صبرية حاج عمر (33 عامًا) للعمل ساعات طويلة في الأراضي الزراعية، مقابل أجرة يومية زهيدة لا تتعدى الـ30 ليرة تركية في اليوم.
صبرية، وهي نازحة من قرية الجبين بريف حماة الشمالي، ومقيمة في مخيمات “حربنوش”، وأم لأربعة أبناء، قالت لعنب بلدي، إنها لم تجد حلًا بديلًا عن العمل في الزراعة، بعد أن ضاقت بها السبل لإيجاد عمل آخر.
تعمل صبرية في زراعة النباتات، وإزالة الأعشاب الضارة من المحاصيل، والحصاد، وجني المنتج، وكثيرًا ما يتوقف عملها حين تنتهي المواسم.
وما تحصل عليه من أجور لا يتناسب إطلاقًا مع الغلاء، إذ تضطر معظم الأحيان لبيع المعونة الشهرية، لتتمكن من تأمين بعض الاحتياجات الأساسية.
وتتساءل صبرية كيف يمكنها تدبر مصاريف عائلتها إن توقف عملها، فهو متقطع وغير دائم، فيما لم تفلح كل محاولات بحثها عن فرصة عمل أخرى، بعد أن أُغلقت جميع الأبواب في وجهها.
إهمال؟
فريال الأحمد (36 عامًا)، مسؤولة توعية في منظمة “الدفاع المدني السوري”، ترى أن المرأة النازحة تعاني من البطالة والفقر والإهمال من قبل منظمات المجتمع المدني، التي لم تعمد لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المعيلات، وتأمين فرص عمل لهن في ظل ما يواجهنه من أعباء.
وأوضحت مسؤولة “الدفاع المدني” لعنب بلدي، أن عدد المشاريع التي تستهدف المرأة المعيلة في إدلب لا يزال “قليلًا جدًا”، ولا يتناسب مع الحاجة الكبيرة إلى فرص العمل، كما أن مراكز تمكين المرأة ما زالت قليلة في مناطق المخيمات، إذ لا تتوفر المشاريع التنموية التي من شأنها إلحاق المتدربات بسوق العمل.
وترى فريال الأحمد أنه لا بد من وجود ما يسد حاجات الناس، لمقاومة الظروف الصعبة وتحمل ضغط الحاجة والعوز، من خلال خلق مزيد من الفرص والمشاريع والوظائف وتكافؤ الفرص.
بينما دعت مديرة منظمة “مزايا”، المختصة بتمكين المرأة وتوعيتها في الشؤون الاجتماعية والنفسية والقانونية، غالية رحال، إلى مد يد العون للمرأة المعيلة التي وجدت نفسها أمام مسؤوليات كبيرة في تربية أطفالها والإنفاق عليهم بمفردها بعد افتقادها للزوج والمعيل في الحرب الدائرة على مدى 11 عامًا.
وأكدت أهمية إلحاق المتدربات في التدريبات المهنية بسوق العمل بعد تخرجهن، للاعتماد على أنفسهن في مواجهة ظروف حياتهن القاسية وسط الفقر والغلاء والنزوح، من خلال خلق المزيد من الفرص بالتعاون بين منظمات المجتمع المدني في المنطقة.
وأشارت رحال إلى أن فرص العمل الخاصة بالنساء لا تزال شبه معدومة قياسًا بالحاجة الملحة والأعداد الكبيرة من النساء اللواتي ينتظرن فرص عمل ملائمة.
وارتفعت البطالة في إدلب بنسبة تتراوح بين 75 و80% من السكان المحليين، بحسب أرقام حصلت عليها عنب بلدي من مكتب “منسقو استجابة سوريا”، باستثناء الذين يعملون بشكل يومي.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، يعاني ما بين 75 و80% من العائلات في سوريا باستمرار من فجوة في الدخل والإنفاق لتلبية الاحتياجات الأساسية.
وهذا يشكّل خطرًا أكبر في الاعتماد على آليات المواجهة السلبية، بما في ذلك الاقتصادات غير المشروعة، وعمالة الأطفال، والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة، ومخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
هدى الكليب _ عنب بلدي