أخيراً، رأت الشركة المُنتظرة لرجل الأعمال الكويتي – السوري، عبد الحميد دشتي، النور، رسمياً. إذ، قبل أيام، صادقت وزارة التجارة الداخلية السورية، على نظامها الأساسي، تحت اسم “شركة العقيلة العقارية” المساهمة المغفلة العامة. لكن رأسمال الشركة جاء متواضعاً للغاية، مقارنة بتعهد دشتي قبل ثلاث سنوات.
يبلغ رأسمال شركة العقيلة العقارية، 250 مليار ليرة سورية. هذا الرقم يعادل وفق سعر الصرف الرائج (4000 ليرة سورية للدولار الواحد)، حوالي 62.5 مليون دولار. كان دشتي قد تعهد، في العام 2019، أن يستثمر ملياري دولار في سوريا. ورغم ضآلة رأسمال الشركة المُعلن عنه، مقارنة بتعهد دشتي “المليارِي”، إلا أن “العقيلة” اليوم، هي أكبر شركة عقارية في سوريا.
وكما هو معلوم، فـإن دشتي، أساء للعائلتين المالكتين في السعودية والبحرين، عبر وسائل إعلام تابعة للنظام السوري، عام 2016، مما جعله ملاحقاً بأحكام قضائية بالسجن تصل إلى 65 عاماً. وبطبيعة الحال، لا تكفي خلفية الرجل المذهبية –الشيعية- لتفسير هذا الموقف الذي خسر بسببه موقعه في بلاده –الكويت-. فعلاقة دشتي بإيران وحزب الله، ونظام الأسد في سوريا، تذهب إلى أبعد من ذلك، وتتعلق بكونه واجهة استثمار.
ويكفي أن نذكر تعليقه اللافت، في مقابلة مصورة في العام 2014، حينما كان ما يزال نائباً في مجلس الأمة الكويتي. يومها تحدث عن سلطته ووساطاته المميزة في سوريا، التي تبدأ برأس النظام، بشار الأسد، لتصل إلى منافذ الحدود. في تلك المقابلة، أقرّ دشتي بدوره في حل مشاكل الكويتيين من مستثمرين أو سواهم، في سوريا، حتى خلال سنوات “الحرب”. تلك العلاقات المميزة وصلت إلى حد منحه الجنسية السورية، التي أقرّ بحصوله عليها عام 2015.
ما سبق، هو الوجه المكشوف من علاقة دشتي بإيران ونظام الأسد. أما الوجه المخفي فيتعلق بمصدر الأموال التي سبق أن استثمرها في سوريا، أو تلك التي هو بصدد استثمارها، الآن. وإن كان دشتي قد عُرف في سوريا، خلال العقد الأول من حكم بشار الأسد، بوصفه رجل أعمال كويتي، إلا أن شبهات بقيت تحوم حول تمويل استثماراته. وكانت الأصابع دوماً تشير إلى إيران.
وبعيداً عن الأرقام التي “يشلفها” دشتي حينما يتحدث عن حجم استثماراته السابقة، والراهنة، في سوريا، فإن معظم تلك الاستثمارات التي تعود إلى ما قبل العام 2011، قد خرج منها، لاحقاً. لكن أبرز استثماراته، التي ما تزال على قيد الحياة، هي “العقيلة للتأمين التكافلي”، التي تعود إلى العام 2007، والتي كانت النسبة الأكبر من أسهمها، تعود لشركة “العقيلة للإيجار والتمويل والاستثمار”، التي لا تتوفر أية معلومات حول ملكيتها. فيما تتوزع بقية الأسهم على زوجة دشتي السوريّة، هالة قوطرش، وعلى شركات مملوكة لـ دشتي وأولاده.
في عام 2013، قال دشتي إنه يعتزم تأسيس مدينة باسم “مركز التجارة العالمي” في سوريا، على أن يُباشر بتنفيذ هذا المشروع بعد استقرار الأوضاع في سوريا، وبعد الحصول على التمويل اللازم له. النقطة الأخيرة تحديداً، هي بيت القصيد، الذي يفسّر لماذا يُكثر دشتي من إطلاق تعهداته الاستثمارية، ويعجز لاحقاً عن تنفيذها. إذ يبدو أن تلك التعهدات أشبه بالتسويق الدعائي لقدراته على إدارة الاستثمارات في سوريا، بحكم خبرته وعلاقاته الوطيدة بأصحاب القرار.
ومما يدعم نظرية أن الرجل واجهة لأطراف محسوبة على إيران تحديداً، أن ترخيص شركة “العقيلة” العقارية، تأخر طويلاً، ولم يُبصر النور إلا في توقيتٍ ذي دلالة، يرتبط بتعاظم النفوذ الإيراني في سوريا. ويكفي للدلالة على تعاظم هذا النفوذ، مراجعة وسائل الإعلام الموالية للنظام، خلال الأسبوع الماضي، ورصد سيل الأخبار الذي لم يهدأ، عن “النفط الإيراني” الذي جاء لنجدة السوريين، بعد أزمة محروقات وتقنين كهربائي، مرهقة للغاية.
في هذا التوقيت تحديداً، يُصادق على ترخيص شركة دشتي الجديدة. لكن خبر المُصادقة يتم تداوله على نطاق ضيق، مما يزيد من اللغط حول سبب الرغبة في التعتيم على الخبر. المصادقة على ترخيص الشركة كان من المرتقب له أن يصدر قبل سبعة أشهر من الآن، حتى أن دشتي أعلن عن تأسيس الشركة، قبل أن يتراجع عن ذلك، نظراً لعدم صدور الترخيص، رسمياً. أي أن محاولات دشتي لترخيص الشركة كانت تواجه مناوءة ما من داخل مؤسسات “الدولة” الخاضعة للنظام، وهو ما يُعبّر عن صراع القوى الفاعلة في الداخل السوري، على كعكة الاستثمار وإعادة الإعمار.
قرار الترخيص، الذي نشره موقع موالٍ، واحدٍ فقط –الاقتصاد اليوم-، يفيد أن الشركة الجديدة سيُتاح لها العمل في كل شيء. بدءاً من تملك الأسهم والسندات، مروراً بإعداد الدراسات، وتنفيذ مشاريع البنى التحتية والتجارية والصناعية والسياحية والفنادق والمولات، وحتى المطارات والموانئ، وكذلك تركيب محطات توليد الكهرباء، وهدم المباني وترحيل الأنقاض، والإكساء والترميم، وكذلك الاستيراد والتصدير وتجارة كافة أصناف المواد من دون أي تقييد، وصولاً إلى إقامة المزادات وبناء المساكن وبيعها والإتجار بها، مهما كان نوعها. إنها شركة لكل شيء، وتمثّل رأس حربة لمالٍ قادمٍ يعتزم التغوّل في مختلف القطاعات الاقتصادية السورية، بواجهة من رجل أعمال، يحمل الجنسية السورية، ولا يلجأ للتقيّة في إخفاء ولائه لولي الفقيه، في طهران.
إياد الجعفري _ المدن