ما أكثر من يحلم برئاسة سوريا، فالرئيس عندنا هو الشخص الوحيد الذي يخيف ولا يخاف، والرئيس وحده من يملك صلاحيات الله ذاته في مخلوقاته، فهو يحي ويميت، ويرفع وينزل ويرزق ويقتر، هو الأب والقائد والمعلم والواهب والقابض والسجان والمدمر… لذلك كل مواطن سيشعر فعلاً ومن دون وعي أنه لا يمكنه الخلاص من التعسف والتجبر، إلا عندما يصبح رئيساً.
فهو في ظروف الاستقرار لا يملك سوى تقديم طقوس الطاعة وممارسة التذلل والتملق، لكن بظروف التمرد والثورة تنفتح الأبواب واسعة أمام ملايين المضطهدين الطامحين للخلاص، لكن عبر طريق واحد هو أن يصبحوا رؤساء لذات المنظومة، دون أن يفكروا في إسقاط تلك المنظومة ذاتها، التي تجعل من المواطن هو السيد، ومن الموظف خادماً له، ومن الحكومة مؤسسة خدمية للشعب، ومن الرئيس مجرد خادم.
طغت على ثورة الشعب السوري طبقة كثيفة من هؤلاء المعقدين نفسياً، حملة ثقافة التسلّط والاستزلام، والطامحين بذات الوقت لتغيير موقعهم منها، لكن تلك الثقافة تسمح لشخص واحد أن يكون حراً، والبقية عبيد عنده لكن ليس على ذات السوية، فللعبودية تسلسل هرمي يبدأ بمن يحيط بالرئيس ويخضع له، ويتدرج لدوائر أوسع فأوسع، كل سوية تمارس على السوية الأدنى بذات علاقة القهر والإخضاع والترهيب، وتمارس كل سوية ذات علاقة الخنوع لمن هو فوقها، والطاغوت على من هو تحتها، وهكذا وصولاً لعامة الشعب المسحوق تحت هرم الطغيان.
العلاقة الوحيدة بين الحاكم والمحكوم هي ظالم ومظلوم، سيد وعبد، سجّان وسجين، مجرم وضحية، هذا هو النظام السياسي السائد والمعزّز بتبرير ديني واجتماعي مزروع عميقاً في الثقافة، ومطبق على نطاق واسع في مجمل مجالات السلطة السياسية والاجتماعية والدينية وحتى الأسرية، من شيخ الكتاب وصولاً لقائد الجبهة الوطنية التقدمية ومحور الممانعة، حتى بشار الأسد يقف صاغراً أمام علي خامنئي أو أمام بوتين وبذات العلاقة.
وبنفس الوقت كل طامح للرئاسة أو راكب للثورة يمثل تلك الثقافة ويعبر عنها ويسعى لتجديدها ينتهز فرصة الثورة لتغيير موقعه فيها ويحلم بأن يصبح الرجل الأول، فإن تعذر يستمر طموحه للارتقاء في سلم الظلم وهذا يناقض جوهر الثورة المفترض أنها ثورة مظلومين ضد الظلم، وضحايا ضد المجرمين وضد الجريمة ذاتها.
وعليه ومن دون إعادة بناء آليات إنتاج السلطة ودورها وطريقة عملها ومحاسبتها لن يكون هناك معنى أو ضرورة للثورة ذاتها، بل تصبح عملية لا طائل منها. الذي سيصبح رئيسا هو من يأتي في انتخابات حرة في ظروف من الحقوق والحريات ليمارس صلاحياته المنضبطة جداً وفق لوائح تنظيمية وشروط صارمة لا تسمح بالطغيان والفساد، أي التي تختار أفضل مستخدم متدرب على القيام بوظيفته الخدمية للشعب، ليعمل تحت سلطة القانون ورقابة مجالس تمثيل نزيهة، وغير ذلك ليس بثورة، بل صراع على السلطة بين مجرمين.
كمال اللبواني _ ليفانت نيوز