الكاتب السياسي:عقاب يحيى_خاص”سيريا برس”
نظام الأحادية والاستبداد والفساد دأب ومن أيام الطاغية الأكبر : حافظ الأسد أن يلقي بكل أسباب الأزمات، والانهيارات على ظهر المؤامرة الخارجية التي كانت حاضرة في توليفة بنية النظام، وتبريره لنهجه، ولدوره في إطلاق العنان لكل أشكال الفساد والنهب تخريب قيّم المجتمع والأخلاق السائدة .
دائماً ومع كل هبّة ريح أزمة ـ مهما كانت ـ تحضر المؤامرة الكونية هروباً، ورفضاً للاعتراف بحقيقة دور النظام الذي صادر كافة حقوق الإنسان، وموضع الطائفية، وعمل على زرع الانقسام، وتوليد عصابات النهب والتهام المال العام، وكان كبار المسؤولين، وأبناء العائلة، والأخوال، والمقرّبين الذين انحروا جميعاً من بيئة فقيرة، والذين ركبوا الشعارات الخادعة عن العدالة والاشتراكية.. هم حماة وقادة عصابات الفساد، وتجويف القطاع العام، ووضع اليد على مصادر الثروة والاستيراد والنفط وغيره .
حين قامت الثورة السورية وهي تطالب ببعض الإصلاحات، ومن قبل فئات شعبية عادية ومعظمها من فئات الشباب كان تصنيفها كمؤامرة هو الردّ، وهو النهج الذي أدخل البلاد في نفق الدمار والقتل المعمم والتخريب الشامل، فزجّ الجيش ـ المؤسسة التي تلتهم جزءاً كبيراً من الدخل الوطني ـ في مواجهة الشعب بدلاً من مهامه الرئيسة في حماية حدود الوطن وتحرير المحتلّ منه، وكان الإنفاق على تلك المعارك ضد الشعب يستهلك موارداً ضخمة، وتواصل ذلك، وتعمّق مع عمليات تدمير البنية التحتية، وخلق مناخات سمحت بخروج وهروب عديد التجار والأثرياء، ثم الاستنجاد بالمليشيات الطائفية وإيران طلباً للحماية، ومقابل اختراق المجتمع السوري في نخاع وحدته الوطنية .
في منتصف العام ـ حزيران 2012 ـ صدر بيان جنيف 1 كخارطة طريق لعملية سياسية شاملة يمكن لها أن تفضي إلى إنهاء الكارثة، والانتقال إلى نظام مختلف يرضاه الشعب السوري، وتدخّلت الجامعة العربية بوسيط لها، ثم الأمم المتحدة لتفعيل ذلك البيان ـ القرار، لكن النظام رفض أي حل سياسي متمسكاً بالشيء الوحيد الذي يؤمن به : الكل العسكري والسياسي، واعتقال مئات آلاف المواطنين وتصفية عشرات الآلاف تحت التعذيب، وتوسيع ساحات المواجهة ضد الشعب المنتفض لتشمل معظم أرجاء سورية بكل ما تحتاجه من إنفاق وهدر، وما سببته من تدمير ونزوح وهجرة ولجوء قسري لما يقارب نصف الشعب السوري .
وجاءت فزاعة، أو ” دريئة الإرهاب” عنواناً جديداً في فصل التفسير التآمري، في حين يعلم الجميع أن تلك الفزّاعة التي برزت كالغول الفجائي في دنيا سورية هو أول من أسهم في إيجادها، ومعه ىإيران وحكومة العراق حين أطلق سراح نحو 650 معتقل لحساب القاعدة من المعتقلات، ومسرحية هروب أكثر من 1500 معتقل من سجن أبو غريب في العراق، ووجود عدد مهم من قادة القاعدة في إيران، وإطلاق يدهم لتشكيل مجموعات عسكرية راحت تعيث خراباً وقتلاً وحرباً ضد الجيش الحر وفصائل الثورة، ووضع اليد على مناطق إنتاج وتسويق النفط وإقامة شراكات وتفاهمات ومقايضات بين تلك المجاميع الإرهابية والنظام ونمو ظاهرة الأثرياء الجدد في عصابات النظام والمستفيدين من هذا الوضع لتشديد الخناق على المواطن السوري، وتعميق الأزمة في مختلفة المجالات، خاصة الاقتصادية منها .
ملهاة، أو فصول الخلاف مع رامي مخلوف، وبغض النظر عن الدوافع، والجهات التي تقف خلفه، وعن الآثار الناجمة عن عرض بعض قذارات وفضائح النظام في أوساط مختلفة، وموقع ودور روسيا المحتلة وأهدافها، وإيران ودورها إلا أنها وثيقة إدانة رسمية لنهج النظام وطبيعته النهبية، ولموقع ذلك النهب في الأزمة الاقتصادية وهبوط قيمة الليرة السورية وتدحرجها بشكل مأساوي، فتلك المليارات الكبيرة التي يتحدثون عنها، وغيرها مما هو موجود في أرصدتهم السرّية في البنوك الخارجية تظهر بجلاء منسوب الفساد، والتطاول على المال العام، وأن أسّ الأزمة الاقتصادية ينطلق من منظومة العصابة الحاكمة وما فعلته عبر العقود بسورية واقتصادها .
لا شكّ أن عوامل متراكبة أسهمت في انهيار الليرة، ومنها الوضع اللبناني الذي كان الممر الأهم لتبييض أموال عصابات النظام، عدا عن الوضعين العراقي والإيراني بظل الفساد الرهيب في العراق، وآثار العقوبات على إيران واللذين لم يعودا قادرين على ضخّ إبر الإنعاش للاقتصاد السوري، ووضع روسيا يدها على عديد المؤسسات الاقتصادية الهامة .
لكن أصل البلاء في انهيار قيمة الليرة يكمن في سياسات النظام ونهجه والذي ما يزال مصرّاً على ” الحل العسكري” طريقاً وحيداً، وبديلاً لأي حلّ سياسي يمكن له أن يفتح ثغرة في هذا النفق المعتم الذي يحيط ببلادنا، وبالمواطن السوري .
