تواجه اللاجئات السوريات في الأردن مصاعب حياتية عدة تزيد من معاناتهن، فبعد مرور 11 عاماً على رحلة اللجوء، تتقاذفهن الظروف الاقتصادية والاضطرار إلى العمل لإعالة أسرهن وإجبارهن على الزواج المبكر.
أما آخر أشكال المعاناة التي تتعرض لها اللاجئات في الأردن، فجسدتها جريمة قتل فتاة سورية من قبل أردني أراد الزواج بها بالإكراه، فقابل رفضها بالطعن 15 مرة حتى الموت.
ووفق آخر إحصاء لمفوضية اللاجئين، بلغ عدد السوريين المقيمين في الأردن نحو 600 ألف لاجئ يعيش معظمهم خارج المخيمات، بينما يعيش الباقون في الأحياء والمدن الأردنية بخاصة في العاصمة عمّان حيث يقطن نحو 300 ألف لاجئ.
وتبلغ نسبة الإناث من بين اللاجئين السوريين نحو 60 في المئة، 30 في المئة منهن دون سن الثامنة عشرة، مما يظهر حجم المعاناة والاستغلال الذي تتعرض له اللاجئات السوريات.
أمهات عاملات
وتعاني أغلب اللاجئات السوريات المقيمات في الأردن غياب رب العائلة، سواء كان أباً أو زوجاً أو أخاً، وتزخر قصص العديد منهن بحكايات الذكور المفقودين منذ بداية الثورة السورية، ما يدفع بهن قسراً إلى رعاية أطفالهن والبحث عن عمل.
وعلى الرغم من توفير الأمم المتحدة مشاريع منتجة عدة، فإن ذلك لا يمنع تعرض اللاجئات للاستغلال والتعنيف والاعتداء والتحرش الجنسي.
ومع تراجع فرص العمل، تنحصر خبرة اللاجئات السوريات في مهن تقليدية كالزراعة أو التصنيع الغذائي أو الخياطة أو التجميل. ولا تبلغ نسبة تصاريح العمل الممنوحة للنساء أكثر من خمسة في المئة من مجمل التصاريح الممنوحة للاجئين السوريين في الأردن.
زواج قسري
ومع توافد اللاجئين السوريين إلى الأردن، برزت ظاهرة الزواج القسري من اللاجئات، تحت ضغط الظروف الاقتصادية والرغبة بالاستقرار.
وتكاثرت مكاتب الوساطة بهدف عقد زيجات من لاجئات سوريات، بمهور متواضعة ومن فتيات في مقتبل العمر، وهو ما دفع منظمات حقوقية ونسوية للدعوة إلى وقف ما اعتُبر استغلالاً للظروف التي تمر بها تلك الفئة من الناس، من مرارة اللجوء والعوز والفقر.
وشهد عام 2014 نسبة ولادات مرتفعة لأمهات دون الثامنة عشرة بنحو 11 في المئة، وفق تقرير الأمم المتحدة الذي يتحدث عن نسبة الحمل غير المخطط له بين الإناث القاطنات في مخيمات اللجوء السوري بنحو 28 في المئة، وهو ما يتسبب في ولادة ألفي طفل لاجئ سوري كل شهر في الأردن.
وأطلق ناشطون سوريون في حينه حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “لاجئات لا سبايا”، رفضاً للممارسات التي جعلت من اللاجئات سلعة تحت ذريعة الزواج، قبل أن يتم محاصرة هذه الظاهرة في سنوات لاحقة.
معاناة اللجوء
وتشير دراسات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة في الأردن إلى أن المساعدات المقدمة للاجئات السوريات بهدف دمجهن في المجتمع وإعانتهن على الحياة غير كافية، ما يدفعهن إلى البحث عن عمل يساعدهن في تغطية النفقات المالية المتزايدة لأسرهن.
وتؤكد أغلبهن أن العادات والتقاليد تحمّل الرجال مسؤولية البحث عن عمل، في حين يُتوقع من النساء الاهتمام بالأعمال المنزلية ما يقلل من فرصهن في الحصول على العمل والتعليم الجيد الذي ينقلهن من مرحلة العمل التقليدي إلى العمل المتميز.
كما تبرز اللغة الإنجليزية كعائق حاسم يمنع اللاجئين السوريين الذين أكملوا تعليمهم الثانوي في سوريا من الوصول إلى التعليم العالي في الأردن.
ويؤثر فقدان الوثائق المدنية والقانونية في الحماية الفردية والمجتمعية للاجئات، ويسهّل استغلالهن في أمور من قبيل الزواج من دون توثيق وبالتالي ضياع الحقوق.
وغير أن المنافسة على الفرص تُعد أبرز أسباب عزوف بعض اللاجئات عن الانخراط في سوق العمل، وتؤكد بعضهن أنهن غيرن طريقة لباسهن ومظهرهن الخارجي حتى يبدون كالأردنيات.
وتطول قائمة المعاناة الناتجة عن اللجوء لتطال قطاع الصحة، إذ تشير خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للفترة 2017-2019، إلى أن أكثر من 25 في المئة من إنفاق أسر اللاجئين السوريين تذهب إلى الرعاية الصحية.
وتلقى اللاجئون السوريون رعاية صحية عامة مجانية منذ عام 2012 وحتى 2014، لكنهم أصبحوا يعامَلون لاحقاً معاملة الأردنيين غير المؤمَّن عليهم.
وألغت الحكومة الأردنية في عام 2018 الرعاية الصحية المدعومة للاجئين السوريين المقيمين خارج مخيمات اللاجئين.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن تغيير سياسة الرعاية الصحية في الأردن تسبب في ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية للاجئين وزيادة الضغط المالي عليهم.
تحرّش وفقر
وثمة أرقام صادمة ترصد مدى التحرش الجنسي الذي تتعرض له اللاجئات السوريات في الأردن، إذ يشير تقرير “نساء صامتات”، الصادر عن “منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية” أن نسبة اللاجئات السوريات في الأردن اللواتي أبلغن بشكل رسمي عن تعرضهن للتحرش الجنسي في العمل بلغت 73 في المئة.
ولفت التقرير إلى أن “نحو ستة في المئة من اللاجئات السوريات لم يفكرن في اتخاذ إجراءات قانونية، كما تعرضت نحو 44 في المئة منهن للتمييز في مكان العمل، مثل عدم تكافؤ الفرص، وساعات العمل والإجازات مدفوعة الأجر والمزايا”.
وأدى النقص في الموارد والضغط على البنى التحتية والتراجع الاقتصادي في الأردن إلى زيادة عدد الفقراء في صفوف اللاجئين، إذ بلغت وفق تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نحو 85 في المئة.
وتعاني غالبية أسر اللاجئين السوريين التي تعيش داخل المجتمعات المضيفة، انعدام الأمن الغذائي.
وتشير العديد من اللاجئات إلى عدم كفاية المساعدات والخدمات المقدمة من مؤسسات الإغاثة الدولية ومفوضية اللاجئين.
طارق ديلواني _ إندبندنت عربية