تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية العلاج المجاني ما بين حاملات بطاقة الحماية المؤقتة وحاملات الإقامة السياحية وممن لا يمتلكن أوراق قانونية، وليس نهاية بعائق اللغة والجهل بكيفية الوصول إلى الرعاية الطبية والخدمات التي تقدمها الجهات المختصة.
اكتشفت السيدة “نهى الفنري” المقيمة في مدينة إسطنبول مرضها بسرطان الرحم عام 2016، وخاضت معه معركة شرسة تمتد إلى يومنا الحالي، تقول في حديث خاص إلى “سيريا برس”، من العوائق المهمة التي عانيت منها خلال فترة مرضي هو عائق اللغة حيث كان من الصعوبة بمكان أن تجد مترجمين يتقنون اللغة التركية يستطيعون شرح المصطلحات الطبية.
وتضيف الفنري، المرضى بحاجة إلى مركز طبي عربي أو سوري مختص بمرضى السرطان يوجههم بكيفية البدء بالعلاج، ويقدم المعلومات التي يحتاجها اللاجئ السوري، فمريض السرطان بحاجة لمن يقف معه ويسانده في بلد جديد عليه، وتوضح أنها تشعر بالغبن لأن العلاج المجاني يشمل فقط حملة “الكملك”، وتتساءل: “هل الذي مُنِح الإقامة أفضل حالاً من الذي يملك الكملك؟!.. جميعنا غادرنا بلدنا بسبب ذات الظروف”.
عانت “الفنري” من استغلال الأطباء العرب الذين يعملون بالسياحة الطبية، إضافة إلى اضطرارها إلى قطع مسافات طويلة للحصول على العلاج في أماكن مختلفة وهي في حالة نفسية وجسدية وصفتها بالسيئة جداً، وأشارت إلى أنها لجأت إلى بعض المنظمات التي تعنى بتقديم الخدمات والرعاية الصحية واعتذروا عن تقديم أي مساعدة لأنها من حمَلة الإقامة السياحية، وهذا جعلها تحت وطأة الكلف العالية للعلاج.
الرعاية الصحية للاجئين
يستطيع اللاجئ السوري الحاصل على الجنسية التركية أو من حملة “الكملك” الحصول على الرعاية الصحية، عن طريق التسجيل وعائلته في المستوصف الأقرب إلى عنوان سكنه، وذلك من خلال استخراج سند إقامة من مديرية النفوس، أو من خلال البوابة الإلكترونية للحكومة التركية E-Devlet، كما يمكنه العلاج في المشافي الحكومية، وتحديد موعد مع الطبيب المختص الذي يختاره، من خلال الاتصال بالرقم 182 داخل تركيا، أو بواسطة التطبيق المخصص لذلك.
زارت “رنا” لاجئة سورية مركز الكشف المبكر عن السرطان في منطقة باشاك شهير بمدينة اسطنبول، لإجراء فحص مجاني دوري، وتم تشخيصها بسرطان العظم، تقول رنا في حديث خاص إلى “سيريا برس”، خضعت لعلاجات عديدة ومتنوعة على مدار عامين، ودخلت المشفى عدة مرات جميعها مجانية، وأنا ممتنة للغاية لولا هذه الرعاية لعجزت عن تحمل كلفة العلاج العالية، وتنصح رنا السيدات السوريات بزيارة مراكز الكشف المبكر عن السرطان التي توجد في كل بلدية من بلديات اسطنبول.
في العام 2018 أصدرت الحكومة التركية قراراً يقضي بإلغاء جميع أنواع الرسوم المفروضة على علاج حالات السرطان في المشافي الحكومية التركية، ولكن للأسف هذا القرار لم يشمل السوريين من حملة الإقامة السياحية.
تختلف تجارب مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا من مكان إلى آخر ومن حالة لأخرى، تقول “لمى” مصابة بسرطان الحنجرة أن بعض الكوادر الطبية في المشافي تفقد صبرها في التعامل معها لعدم اتقانها للغة التركية، ومنهم من يتعامل بعنصرية كونها سورية على حد تعبيرها، ومن أكثر الصعوبات التي مرت عليها في رحلة علاجها ثمن الأدوية المناعية باهظة الثمن، ومواعيد المشفى المتباعدة بسبب الضغط ونقص الكوادر الطبية.
يقول الأستاذ "رمضان حمد" مدير الموارد البشرية في جمعية النور السورية، لا يوجد منظمة أو جهة تتابع شؤون مرضى السرطان السوريين المقيمين في تركيا وتساعدهم على تلقي الرعاية اللازمة أو تساهم في النفقات العلاجية، هناك مجموعات تطوعية شبابية بأضنة وأنطاكية تقدم خدمات للمرضى كون أغلب حالات السرطان تعالج هناك، ويوضح أن علاج مرضى السرطان مجاني للسوريين المقيمين في تركيا تحت بند الحماية المؤقتة فقط، وهذا يتضمن العلاج الكيماوي وفيما يتعلق بغير ذلك قد يضطرون للدفع.
يضيف "حمد" بالنسبة للمرضى المحالين من ولايات أخرى إلى إسطنبول يعانون الأمرين خصوصاً إذا كان معهم مرافق حيث أن هذا المرافق يحتاج إلى مكان للإقامة ومصاريف طعام ومواصلات وهذا يشكل عبئاً مالياً كبيراً لأن أغلبهم أوضاعهم المادية سيئة، ويعاني المرضى في باقي الولايات من قضية التبرع بالدم حيث جرت العادة أن تطلب المشفى من المريض تأمين متبرعين على ألا يكونوا سوريين لأسباب كثيرة منها مشكلة اللغة، ما يدفعه غالباً لتحمل كلفة نفقات الدم الذي يحتاجه.
في حديث خاص إلى "سيريا برس" تقول الدكتورة "منار جمعة" المختصة في طب الأسرة بمستوصف المهاجرين، أن الرعاية الصحية لمرضى السرطان السوريين من حملة " الكملك" مجانية بالكامل، وتتضمن التحاليل والصور الشعاعية بأنواعها، وكذلك العلاج الكيماوي والشعاعي والهرموني، وصولا إلى العمليات الجراحية والأدوية.
وتوضح الدكتورة أن على المريض حجز موعد بالمشفى للحصول على الرعاية الطبية اللازمة، وتستثنى الحالات الإسعافية من المواعيد، وتؤكد أن عائق اللغة هو أحد المعوقات الأساسية عند المرضى ويحتاجون إلى مترجم عند كل زيارة للطبيب، وأشادت "جمعة" بالعلاج والرعاية المقدم للمرضى السوريين، وكذلك بالأطباء والكادر التمريضي ووصفتهم بالمتعاونين.
الصحة النفسية لمرضى السرطان
يقول الاستشاري النفسي “باسل نمرة”، يصاب بعض مرضى السرطان بالصدمة عند اكتشاف إصابتهم بالمرض، خاصة إذا أصيبوا به بشكل مفاجئ دون سابق أعراض أو مقدمات أو عوامل مؤهبة مثل العامل الوراثي، ثم يدخلون في حالة من الإنكار يتساءل فيها المريض بينه وبين نفسه، لماذا أنا من يحدث معي هذا؟
ويشير “نمرة” إلى أن اليأس من أهم الآثار النفسية التي تصيب مرضى السرطان، خاصة إذا تم اكتشاف المرض في حالة متطورة، ومما يزيد التداعيات النفسية على المريض الضغوط المادية التي يرزح تحتها نتيجة الفترة المديدة للعلاج وارتفاع الكلف المالية للحصول على الرعاية الطبية اللازمة.
لتخفيف حدة الآثار النفسية لمرضى السرطان بحسب “نمرة”، يجب على المريض الإيمان بأن هناك فرصة حقيقية للشفاء، ويرتبط ذلك بالحالة النفسية الجيدة للمريض التي لا تقل أهمية عن تلقي العلاج الطبي، إضافة لتوفير البيئة الداعمة الإيجابية من الأسرة والأصدقاء والمعارف، والالتزام قدر الإمكان بنشاطات رياضية واجتماعية، للمساعدة تدريجياً على تخفيف مستويات الصدمة والقلق والاكتئاب.
الحق في الصحة مكفول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعود لعام 1948. وبموجب “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، الملزم لـ 171 دولة موقعة، يحق لكلّ إنسان “التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه”. والحكومات مُلزمة باتخاذ التدابير الفعالة، “للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطّنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها”.
ويقتضي الحق في الصحة أن تكون المرافق والسلع والخدمات الصحية متوفرة بالكميات الكافية، ومتاحة للجميع دون تمييز بأسعار معقولة، وتحترم أخلاقيات مهنة الطب، ومناسبة علميًا وطبيًا، وعالية الجودة. لذا يجب على الجهات المختصة سد فجوة الرعاية الصحية لمرضى السرطان، واستثمار الموارد على أتم وجه لضمان حصول الجميع على الخدمات الصحية الجيدة.
غصون أبو الذهب_ سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.