تطرق تقرير مطوّل نشرته مجلة “نيوزويك” الأميركية، للتطورات الأخيرة في سوريا، وخاصة التطبيع مع النظام السوري، حيث وضعت صورة رئيسه على غلاف عددها الأسبوعي الصادر أمس الأول، مع عنوان “لقد عاد”.
الأسد عاد إلى المسرح العالمي
المجلة رأت، أنه ومع نهاية عام 2021، فلم ينج بشار الأسد فحسب، بل يبدو أنه مستعد للعودة بشكل مذهل إلى المسرح العالمي، فبعد مرور عقد من الزمان على أفعاله التي تسبّبت بالحرب الأهلية، يقف الأسد قوياً في مواجهة دولة مدمّرة إلى حد كبير، لا تملك سوى القليل من الخيارات”، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً واشنطن والأسد.. الإغراء بدل الضغط
سيبقى في السلطة
ونقلت “نيوزويك” عن السفير السابق، وآخر مبعوث أميركي إلى سوريا، روبرت فورد، قوله إن الأسد “سيبقى في السلطة”، و”لا طريقة لتخيّل أن المعارضة السورية الآن، ومن خلال قوة السلاح، ستكون قادرة على إجباره على التنحي”، مؤكداً أنه “ليس هناك بديل قابل للتطبيق”.
ورأى فورد، الذي شهد التطورات التي أدت إلى الحرب الأهلية منذ بدايتها، أن تلك “نتيجة يجب مراقبتها”، مشيراً إلى أن سوريا أصبحت “دولة ممزقة اقتصادياً واجتماعياً، حيث نزح نصف سكان البلاد، وهرب أكثر من ربعهم”.
وأكد الدبلوماسي الأميركي أن “الوضع لن يتحسن بالنسبة للسوريين العائدين إلى داخل سوريا، ولا للاجئين أيضاً، إنه أمر مأساوي فقط”.
الدور الأمريكي في سوريا
ورأى أن واشنطن لم تكن أبداً في موقع أساسي لتوجيه مسار الصراع في سوريا”.وقال فورد: “من المؤكد أن مصداقيتنا تعرضت لضربة قوية، لكنني أعتقد أن ما نحتاج لتأكيده أن واشنطن لم تتحكم في مسار الحوادث في سوريا، ولم ننفق الموارد لتغيير مسار الحوادث هناك، وحتى لو قمنا بزيادة هذه الموارد، فلست متأكداً من أننا كنا سنخرج إلى حيث نريد”.
وأضاف: “لقد انخرط الأميركيون في شيء أكبر بكثير مما كانت عليه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بمعنى أن الأمر انتهى بنا إلى أن نكون مجرد لاعب واحد بين لاعبين عديدين”.
واعترف الدبلوماسي الأميركي بمحدودية التدخل الأميركي في سوريا، وأشار إلى أن هذا التدخل ”يقع بسهولة في نطاق نفوذ طهران وموسكو، أكثر من نطاق نفوذ واشنطن”.
كما أوضح أنه “عندما تكون لاعباً واحداً بين كثيرين، لن يسيطر لاعب واحد على سوريا، فلا إيران وحدها تسيطر عليها، ولا روسيا، ولا تركيا، ولا حتى الأسد نفسه، إنها حقاً تفاعل معقد”.
وتابع بالقول إنه “في بعض الأحيان، من الأفضل للولايات المتحدة البقاء بعيداً من هذا المزيج تماماً، لا سيما في البلدان التي يكون للمنافسين فيها اهتمام وتأثير، واستعداد أكبر لتطبيق كليهما”، مؤكداً أن “الأميركيين بحاجة فعلاً إلى انتقاء معاركهم واختيارها بعناية”.
من جانبها، اعتبرت المحللة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، والتي تشغل اليوم منصب مستشار أول لشؤون سوريا في معهد الولايات المتحدة للسلام منى يعقوبيان، أن “لا احتمال لحدوث تغيير في القيادة السورية، سينتقل التركيز الآن الى كيفية تعامل الدول الأخرى مع الأسد”.
وأوضحت يعقوبيان أنه “نظراً إلى الدعم الروسي والإيراني القوي، فمن المرجح أن يحافظ الأسد على قبضته على السلطة على المدى المتوسط على الأقل”، مضيفة: “أدرك العديد من دول المنطقة ذلك، وبدأنا نرى المزيد من الجهود البارزة لاستيعاب هذا الواقع”.
شكل جهود التّطبيع
وفق “نيوزويك”، فإنه “مع تقدّم التقارب بين سوريا والدول العربية الأخرى، فإن ما لم يتضح بعد هو الشكل الذي ستتخذه تلك الجهود، والأهم من ذلك، كيف ستستجيب الولايات المتحدة، وهي تطورات من المحتمل أن تؤثر على ميزان القوى في المنطقة وخارجها”.
وأشارت إلى أنه “بالنظر إلى أن الظروف التي أدت إلى نبذ الأسد لم تتغير جذرياً، فإن الرغبة في الاستقرار الإقليمي تبدو أقوى من المخاوف بشأن حكم الأسد أو انتهاكاته الجماعية لحقوق الإنسان المرافقة لبقائه في السلطة”.
وقالت: “في الوقت الذي تكافح فيه المنطقة الأزمات والفوضى، وتعمّق التحديات الاقتصادية ووباء كورونا المعاناة الإنسانية المنتشرة على نطاق واسع، فإن حكومات المنطقة مهتمة أكثر بوقف تصعيد النزاعات ومعالجة هذه التحديات المستمرة والمزعزعة للاستقرار”.
تحول في المواقف الإقليمية
ومن الأمثلة التي تحدّثت عنها “نيوزويك” حول التحوّل في المواقف الإقليمية تجاه الأسد، والتي تهدف إلى إعادة نظام الأسد إلى التحسّن الأخير في العلاقات مع الأردن، وإعادة البحرين والإمارات فتح سفارتيهما في دمشق، كما رفعت منظمة “الإنتربول” قيودها عن نظام الأسد، بالإضافة إلى القرار الذي اتخذته إدارة بايدن بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على الأسد وفق قانون ”قيصر”، ما سمح بإيصال الغاز المصري إلى لبنان.”.
تغييرات ملحوظة
ونوهت “نيوزويك” إلى أن “كل هذه التطوّرات تتعارض مع الموقف الرسمي للولايات المتحدة من الأسد، حيث لا تزال العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق مقطوعة، وسفارتاهما لا تزالان مغلقتين، مع عدم وجود مسار واضح للمصالحة”.
وبيّنت أنه “على الرغم من ذلك، فإنه بشكل غير رسمي على الأقل، يبدو أن هناك تغييرات تحدث على قدم وساق”.
إلى ذلك، أوضح مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى حتى كانون الثاني/يناير الماضي، والزميل في معهد واشنطن للشؤون الدولية حاليا، ديفيد شنكر أن “إدارة بايدن قالت إنها لن تطبع العلاقات مع الأسد، لكن لم يعد يبدو أنها تثني الشركاء العرب عن القيام بذلك، وعقوبات قانون قيصر إذا طُبقت، قد تمنع الدول العربية من استئناف العلاقات الطبيعية، بما في ذلك التجارة مع حكومة النظام السوري”.
وبحسب شنكر، فإن واشنطن أكدت أنها “لن تطبّع مع الأسد، لكن يبدو أنها لن تثني شركاءها العرب عن ذلك”.
وختم بالقول إن: “الالتزامات الكبيرة المتزايدة للدول العربية تقوّض عزلة نظام الأسد، وما تبقى من سياسة الضغط التي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب”، موضحاً أنه “حتى الآن، منعت هذه السياسة النظام السوري من تحقيق نصر كامل، لكن مع تحرك الدول العربية نحوه، سيصبح من الصعب بشكل متزايد الإبقاء على العقوبات”.