لا شك أن التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو المتعلقة باللاجئين السوريين في تركيا، ومقدار استغلال أصحاب المعامل للعمال السوريين تأتي في إطار الحرب الإعلامية والسياسية بين الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة، وهذه المهاترات ليست بالجديدة وحتى الزج بملف اللاجئين السوريين كمادة انتخابية ليس بالجديد، لكن الملفت في تصريحات الوزير هو انتقاده بشكل مباشر لأصحاب رؤوس الأموال (أصحاب المعامل) في استغلالهم للاجئين السوريين، وهذا ينطوي ما ينطوي تحته كثير من التأويلات على أقلها القانونية والمالية بعدم إبلاغ السلطات بعملهم وعدم استخراج أذونات عمل لهم وعدم تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية إلخ.. وهذا يعني أن مساءلة هؤلاء ربما تكون مطروحة على الطاولة، ولكن في الوقت نفسه يقول الوزير في تصريحاته أنه إذا أعدنا هؤلاء السوريين إلى بلادهم فإن أول المعترضين سيكون هؤلاء أصحاب المال والمعامل، وهذا التناقض فيه ما فيه من أبعاد سياسية واضحة وخاصة أنها جاءت بعد تصريحات الرئيس أردوغان حول إعادة توطين السوريين في مناطق شمالي سوريا وهنا تُثار تساؤلات عدة أولها؛ هل يمكن إعادة هؤلاء العمال (اللاجئين) وإثارة غضب أصحاب المعامل ورؤوس الأموال وهم ما لهم من ثقل في الانتخابات سواء المحلية منها والرئاسية؟
هل يمكن إعادة هؤلاء السوريين الذين لديهم أعمال صغيرة أو متوسطة؟ وكيف يمكن الفصل بين الذين يعملون والذين لا يعملون وخصوصًا أن الأغلبية منهم لا يملكون تصريحات عمل؟
الحقيقة الجواب عن هذا السؤال نجده في طيات تصريحات الوزير صويلو نفسها عندما اتهم أصحاب الأموال والمعامل بإثارة ملف اللاجئين السوريين لأغراض سياسية داخلية وشوشرة إعلامية، لأنه إذا غادر وعاد هؤلاء العمال إلى سوريا فلا يمكن إصلاح الضرر الذي سيسببه مغادرتهم لتلك المعامل، ولو أضفنا لذلك الشركات الصغيرة والمشاريع المتوسطة والصغيرة فإن الضرر سيكون أكبر من مطاعم ومحال وحتى أجور البيوت، فمدينة غازي عنتاب وحدها وفق ما صرحت به رئيسة بلديتها فاطمة شاهين فيها أكثر من 900 شركة سورية، وأن السوريين أظهروا كثيرا من المهارة في قطاعي التجارة والصناعة وأنهم لعبوا دوراً مهماً في تنشيط التجارة وفتحوا أسواقا تجارية جديدة، وهذا ما يثير التساؤل الثاني هل يمكن إعادة هؤلاء السوريين الذين لديهم أعمال صغيرة أو متوسطة؟ وكيف يمكن الفصل بين الذين يعملون والذين لا يعملون وخصوصًا أن الأغلبية منهم لا يملكون تصريحات عمل؟
العامل اللوجستي وهو محور السؤال الثالث لأنه لابد من تفاهمات ثابتة بين الفاعلين في الملف السوري (الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران وتركيا) من أجل استقرار الأوضاع وضمان عدم حصول اشتباكات أو قصف جوي لتلك المنطقة المزمع إنشاؤها، ولا بد من تفاهم عربي تركي أيضاً في هذا الصدد لما له دور في مستقبل الحل السياسي بين الأطراف السورية.
وبما أن تركيا أعلنت عن مشروع إعادة إعمار وتوطين السوريين في مناطق من الشمال السوري فهذا يعني إما أن أنقرة توصلت لتفاهمات مع الجميع في هذا الصدد، أو أنها تغامر في إرساء هذا المشروع في الشمال السوري، أو أنه زوبعة إعلامية لسحب هذا الملف من يدي المعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية والمحلية القادمة بعد عام.
الأمن وحده ليس كافياً لإنشاء بيئة معيشية قابلة للحياة، ففي البلاد المستقرة لا بد للموارد الاقتصادية أن تكون جاهزة وبشكل واضح وفعلي، فما بالكم في بلد أنهكته حرب وحسابات سياسية لم ترحمه
أما السؤال الرابع وهو كيفية إنشاء بيئة اقتصادية قادرة على إحياء أكثر من مليون شخص وهذا يتطلب بنى تحتية اقتصادية من بنوك ومؤسسات رسمية معنية بكل نوع من أنواع العمل وكيفية ارتباطها بأوراق رسمية تتبع البلد المصدرة منه إن كان محلياً أو خارجياً، إضافة إلى خطوط نقل لوجستية صغيرة وكبيرة وأيضاً نوع العملة والرقابة الصحية والصناعية والتجارية، وهذا كله يتطلب جهداً ووقتاً وفي حال تظافرت الجهود ستحتاج وقتاً ليس بالقليل، فالأمن وحده ليس كافياً لإنشاء بيئة معيشة قابلة للحياة، ففي البلاد المستقرة لا بد للموارد الاقتصادية أن تكون جاهزة وبشكل واضح وفعلي، فما بالكم في بلد أنهكته حرب وحسابات سياسية لم ترحمه.
يمكن القول إن إعادة أكثر من مليون لاجئ وتهيئة مناخ جيد للحياة أمر ممكن ووارد وهي فكرة ليست بالجديدة، ولكن هل الوضع المعقد للاجئين يسمح وهل الوقت كافٍ وهل الأحزاب السياسية في الداخل التركي لن تستغل وتستخدم هذه الورقة في أمور أخرى وأساليب مختلفة، وهل سيبقى هذا المشروع قائماً في حال فازت المعارضة في الانتخابات المقبلة.
فراس رضوان أوغلو _ تلفزيون سوريا