مساحة أمان.. نساء سوريا بعيداً عن الخوف والتنميط المجتمعي

إن تأثيرات الحروب وتبعاتها لا تستهدف الرجال وحدهم، فقد يكون أثر النزاعات المسلحة على النساء أشد وأقسى بكثير، لذلك تعترف جميع الأعراف الدولية وتحديداً القانون الدولي الإنساني بأن الحماية العامة يجب أن تشمل النساء والرجال معاً دون تمييز، كما تركز بعض القوانين على توفير حماية إضافية للنساء نظراً لكارثية تبعات هذه النزاعات عليهن.

حيث تدعو اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية والقانون الدولي الإنساني لمفهوم الحماية العامة وتوفير مساحة الأمان المطلوبة للجميع دون تمييز، وتخص المصابين والأسرى، كما تُولي للمدنيين من النساء والأطفال الذين يُستخدمون كدروع بشرية معاملةً خاصة باعتبارهم المتضرر الأكبر من تبعات هذه الحروب.

وفي سوريا، منذ بداية بناء الوعي المجتمعي الحقيقي والعمل على تأسيس حراك مدني مستقل عن تأثيرات الحرب التي بدأها نظام الأسد على الشعب السوري عام 2011، كان اهتمام النساء بهذا الحراك كبيراً، فمع بداية الثورة كان لهن صوت قوي ومحوري في الحراك السلمي مثلته كثير من الناشطات السوريات من مختلف التوجهات، منهن من خاضت في مجال السياسة ومن عملت في الدفاع عن حقوق الإنسان وأخريات كنّ المعتقلة أو الشهيدة أو أم الشهيد أو زوجته… 

ومع استمرار القصف وحالات النزوح والتهجير التي تسبب بها نظام الأسد؛ كان لا بد لمؤسسات المجتمع المدني السورية من أن تضاعف من تركيزها على المشاريع التي تستهدف الفئات الأشد ضعفاً في المجتمع، خاصة النساء بعد التغيير الذي أصاب المنظومة الحياتية لكثير منهن إثر تعرضهن للتهجير والاضطهاد والعنف، رغم ما أحدثته هذه المشاريع من جدل كبير وما لاقته من مقاومة من قِبل المجتمع المحلي في بعض الأحيان، ليس لكونها ممنوعة أو غير أخلاقية أو لا تناسب المجتمع؛ بل لمجرد كونها غير معتادة في مجتمعاتنا المحلية التي تركز على واجب الرجل في حماية المرأة طوال حياته، بينما فرض الواقع الجديد حالات تستوجب خلق مساحة أمان جديدة للنساء بعيداً عن اقتصار مفهوم الحماية على حماية الرجل الذي قد يكون غير قادر أو قد يشكل عائقاً في بعض الحالات.

تبحث السيدات عن مشاريع “مساحة الأمان” للخروج من عباءة التنميط المجتمعي وللتعبير عن النفس دون خوف ولتطوير المهارات المهنية والقيادية لمواجهة أهم التحديات التي أعاقت تقدم النساء منذ سنوات طويلة، فالمساحة الآمنة التي نتحدث عنها هي حيز تشعر فيه المرأة بالأمان النفسي والجسدي بعيداً عن الصدمات النفسية والضغط والعنف وسوء المعاملة، وتتمتع بالراحة والحرية دون الشعور بالخوف من التعرض للأذى أو العنف لمجرد التعبير عن أنفسهن بشكل صادق وصريح في مجتمع لم يعتدْ على ذلك غالباً.

ليس من المبالغة القول إن هذه المساحة هي حلم لكثير من السيدات فهذه حقيقةٌ وأمرٌ واقع في مجتمع مرهَق من آثار الموت والدمار التي خلفتها الحرب على الشعب السوري منذ أحد عشر عاماً، وقد حققت كثيرا من المشاريع التنموية ومشاريع التمكين المجتمعي المنفذة في الشمال السوري وإدلب نهضةً نوعية لدى شريحة واسعة من النساء على المستوى النفسي والمعيشي، إذ ساعدتْهن على تحقيق ذواتهن بشكل واضح، وساهمت بإعادة بناء شبكات اجتماعية فيما بينهن بهدف الحصول على الدعم النفسي اللازم إضافة إلى إكسابهن المهارات الحياتية أو العملية اللازمة.

كما أن لهذه المساحة الآمنة دوراً كبيراً في مواجهة الحالات الطارئة في زمن الحرب والتي تقيّد حركة معظم النساء بسبب احتمالية تَعرُّضهن للخطف أو الاعتداء أو التحرش أو العنف، فيغدو هدف إنشاء هذه المشاريع حماية النساء ومنع إلحاق مزيد من الأضرار بهن.

ختاماً؛ علينا أن نؤمن أن النساء يلعبن دوراً أساسياً في بناء المجتمعات المحلية في مختلف الظروف، ففي بعض الأحيان خاصة عند غياب الرجل يقع على عاتقهن تأمين المعيشة فيصبحن مصدر رزق العائلة الأساسي، كما لا يمكن إغفال دورهن السياسي والاجتماعي والثقافي في بناء ونهضة المجتمع السوري، فالمرأة مربية فاضلة تقع على عاتقها مسؤولية بناء المجتمع من المهد قبل أن تكون أماً وأختاً، لذلك على المجتمع ككل أن يؤمن بحق المرأة الطبيعي في الحصول على مساحة الأمان، وأن يعرف أنّ مسؤولية توعيتها وتثقيفها واجبة عليه فيدعمها بقوة في عملية البناء بصفتها مربية وعماد المجتمع الأخلاقي والموجه التعليمي الأول، فبناء المجتمعات القوية يبدأ من نساء قويات يحملن قدراً كبيراً من المسؤولية والقيم الأخلاقية الراسخة.

محمد غزال _ تلفزيون سوريا

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة