سيريا برس _ أنباء سوريا
سلّمت الإدارة الذاتيّة الكرديّة آبار نفط في محافظة دير الزور (شرق سوريا) لمدنيين مقابل مبالغ ماليّة ضخمة، من دون إخضاع تلك الآبار لمراقبة الاستخراج الآمن للنفط أو مراقبة بيعه وتصديره في ظل قانون قيصر الذي فرض حظراً على التعامل الاقتصادي مع نظام الأسد خصوصاً في قطاع النفط.
تلك الخطوة وإن كانت من وجهة نظر “قسد” تخفّف من كلف التشغيل والصيانة التي أصبحت تقع على عاتق المتعهّد، إلا أنّ تبعاتها تحمل بعدَين مهمّين، أحدهما سياسي يتعلّق بمنع تصدير النفط إلى المناطق الواقعة تحت سلطة النظام السوري ومعاقبة الشركات والأشخاص المتعاونين مع الحكومة السوريّة في هذا الشأن، والآخر بيئي له ارتدادات خطيرة على سكّان المنطقة التي تعاني بحسب مدير جمعية الأمل لمكافحة السرطان عبد الرحمن زينو من انتشار نوع سرطاني جلدي نادر لم يكن معهوداً من قبل يسمى “ساركوما كابوزي” بسبب تكرير النفط بطريقة بدائية وتعرّض المدنيين لمواد مشعّة.
وتقول مصادر من دير الزور ل”المدن”، إنّ متعهّدي الآبار يكرّرون جزءاً من الإنتاج بطرق بدائيّة ويبيعون الناتج في السوق المحلّي بينما يبيعون الجزء الأكبر منه لتجّار غالباً يعملون مع شركة “القاطرجي” ويتمّ إدخال النفط إلى المناطق الواقعة تحت سلطة نظام الأسد غرب الفرات من المعابر التي تديرها “قسد”.
مخاطر بيئيّة
يُظهر تسجيل مصوّر حصلت عليه “المدن” أنابيب تمّ تمديدها من بئر نفطي إلى نهر الفرات لإفراغ المياه المشعّة التي تخرج مع النفط في نهر الفرات، حيث أُخفيت تلك الأنابيب بين الزرع لتجنّب إثارة غضب أهالي المنطقة.
ويقول مهندس النفط سعد الشارع إنّ جميع آبار النفط في العالم عند الاستخراج تخرج ما يسمّى بالماء المرافق، وتختلف نسبة المياه من بئر لآخر وقد تصل إلى 90 في المئة من كميّة الاستخراج. ولأنّ تلك المياه مشبعة بالمواد المشعّة فإن معالجتها تتمّ غالباً بطريقة الحقن، إي إعادة حقن المياه في البئر ذاته على اعتبار أن الكتلة الحجميّة للمياه هي أعلى من الكتلة الحجميّة للنفط وبالتالي يستفاد منها أيضاً لدفع النفط إلى الأعلى. ويوضح أن المياه تُحقن بعمق يصل إلى أكثر من 1700 متر داخل الأرض بسبب خطورتها.
ويضيف في حديث ل”المدن”، أنه منذ أن خرجت هذه الحقول من قبضة النظام السوري بدأت القوى المسيطرة على مناطق وجود تلك الآبار باستخراج النفط بطرق عشوائيّة، وضخ المياه المرافقة إلى الحقول والبراري أو توريدها إلى نهر الفرات، موضحاً أن “في ذلك خطورة كبيرة ليس فقط على النباتات والثروتين الحيوانيّة والسمكيّة، بل على الإنسان أيضاً، فالإشعاعات التي تحملها ذرّات المياه خطيرة جداً والآثار الناتجة عنها قد تحتاج لعشرات السنين من أجل معالجتها”.
وأرجع الشارع عدم معالجة المياه المرافقة من قبل متعهّدي الآبار إلى انعدام الخبرة الهندسيّة الكافية في هذا المجال لدى مستثمري الآبار، فضلاً عن تهرّب المتعهّدين من دفع أموال إضافيّة لتوظيف متخصصّين ودفع تكاليف معالجة وحقن لتلك المياه.
لائحة العقوبات
فرضت الولايات المتّحدة مطلع الشهر الجاري عقوبات على 11 شخصية وكيان سوري، بتهمة دعم إنتاج النفط السوري لحساب نظام الأسد، كان أهم تلك الشخصيّات هو الأب الروحي لتجار النفط “حسام قاطرجي” الذي تقوم ناقلات نفط تابعة له بتعبئة النفط من آبار في مناطق سيطرة “قسد”.
ورأى مراقبون أنّ الولايات المتّحدة تغض النظر عن “قسد” ما دامت تلك التجارة تصبّ في مصلحة حصول حليفتهم على تمويل يسهم في تعزيز وجودها وبسط سيطرتهم على شرق الفرات.
ويرى الباحث في الشؤون الاقتصاديّة في مركز جسور للدراسات خالد تركاوي أن قانون قيصر ينص بشكل صريح على عدم دعم النظام في قضيّة النفط ومشتقاته، مضيفاً أن “كل من يدعم النظام في استثمار النفط أو تصديره أو توريده وما إلى ذلك سيُدرج تحت قانون العقوبات”.
وحول آليّة تطبيق قانون قيصر، يوضح تركاوي في حديث ل”المدن”، أن الإدراج على لائحة العقوبات يتم على مراحل تبدأ بتوثيق الانتهاكات ثم تُرسل إلى الولايات المتّحدة ليتم إدراج من يتعامل مع النظام في إطار القانون “بمعنى أنّ المسألة قد تحتاج الكثير من الوقت لكن يجب أن تفرض على جميع المتعاملين مع نظام الأسد العقوبات”.
يذكر أن حقول النفط في محافظة دير الزور خرجت عن سيطرة حكومة الأسد بشكل نهائي منذ منتصف عام 2012، ومع تعاقب القوى غير المنضبطة التي سيطرت على هذا القطاع، كان الاستخراج الجائر سمة المنطقة، من فصائل المعارضة إلى المتنفّذين في العشائر إلى جبهة النصرة وصولا لداعش، لم تكن تلك المنطقة تحت نفوذ أيّ دولة من الدول، لذلك لم تكن هناك قوانين ملزمة لمستخرجي النفط، أمّا في الحالة الراهنة فالمنطقة تقع تحت نفوذ الولايات المتّحدة، وهذا مايثير الكثير من التساؤلات حول غضّ نظرها عمّا يجري في قطاع النفط.
الكاتب : سامر العاني_ المدن