لا بد أن استقطاب السوريين في أشد مراحله اليوم، استقطاب يكثف في الخطاب والفعل واقع تباعد مُتزايد. في الحين ذاته هم، في نقيض لواقعهم، مُطالبون بخطوة مصيرية نحو خلق المُشترك لتحقيق الانتقال السياسي. في هذا السياق تبرز أهمية وجود أطر حيادية عابرة للتيارات الأيديولوجية السياسية منها والقومية والدينية لتتيح مساحة للتلاقي وفق الحد الأدنى من القواسم المُشتركة. وهذا ما حاولت مبادرة سوريا الحياة تقديمه عبر الانطلاق من الواقع السوري لتكون مبادرة وليدة الحاضر ورؤية للمستقبل بعيداً عن مرتكزات وهمية سرعان ما ستثبت هشاشة وربما انحرافاً جديداً عن استكمال مسار الحراك السوري نحو مصب يحاكي معاناة السوريين، جميع السوريين، ويعمل على انهائها ويفتح صفحة جديدة في زمن ديناميكي لا يتوقف مع الواقفين ولا يتقهقر مع المتأخرين.
اعتمدت المُبادرة على خمس ركائز أساسية وهي:
– اعتبار البعد الزمني لتاريخ سوريا والبعد المكاني الجامع عاملين رئيسيين في إعادة تعريف الهوية التعددية بما حمله تاريخ المنطقة من تتالي حضارات وثقافات انسانية حاضرة في سوريا لغاية اليوم وبما يحدده العامل المكاني من إطار وجود مشترك لسوريين.
– اعتبار البعد المكاني مفهوم عابر للأديان والأيديولوجيات القومية والحزبية وعامل جامع للمتشاركين بحيز مكاني واحد في المحيط الذي يقدم لهم إمكانات الحياة وفق عقد اجتماعي ينظم الوجود المُشترك.
– اعتبار الارض جزء من الهوية الجامعة وفق مبدأ الملكية الجمعية لفضاء الحياة والموارد الطبيعية والمحيط الذي يشكل مكانًا للتشارك عندما تنتظم فيها الحياة الاقتصادية والاجتماعية وفق مبادئ الحقوق والواجبات تجاه هذه الملكيات العامة وفق قانون يضبطه عقد اجتماعي جديد وعادل بما يحقق المواطنة المتساوية.
– الأرض السورية أرض تاريخية ووطن نهائي لكافة المكونات التي تشكل بمجموعها الشعب السوري من عرب وكرد والسريان الآشوريين والتركمان وغيرهم.
– الاعتراف بكافة الانتهاكات التي طالت جميع مكونات الشعب السوري من عرب وكرد والسريان الآشوريين والتركمان وغيرهم وضمان عدم تكرار حصولها عبر العقود الاجتماعية والقوانين والدستور.
وانطلقت من تعريف الهوية السورية التعددية بواقع الهوية المكانية وارتباطها بالعوامل الجغرافية والتاريخية والتي تخلق منظوراً متقارباً للحياة يرتبط بدوره بالمعطيات الطبيعية والخصائص الفيزيائية والاقتصادية أي النشاطات الاقتصادية المهيمنة في الإطار الجغرافي أي أن هذا الارتباط يعرف بعاملين: العامل الوجودي من حيث توفر العناصر اللازمة للحياة وعامل هوياتي من حيث الإطار المكاني الحيوي الذي يوجد ضمنه الانسان وينظّم ضمنه حياته واستمراريتها. تعتبر العلاقة بين المجتمع الإنساني وبين محيطه عامل أساسي للأمن والاستقرار حيث يعد هذا المحيط مكانا للحياة ومصدراً رئيسياً للموارد.
هذه الأطر الجغرافية التي تشكل أطر حيادية لا تتسم بصبغة أيديولوجية، قومية، دينية أو سياسية أو غيرها تُطرح ضمن المُبادرة كالمسار الأسلم لتفادي أي استمرارية للصراعات البينية ولتجاوز مخاوف جميع الأطياف.
بناء على هذه الأسس تطرح المبادرة تنظيم المرحلة الانتقالية، التي تنطلق بتشكيل هيئة حكم تعددية للحكم الانتقالي واستلامها الحكم بصلاحيات كاملة، وفق مستويين جغرافيين وزمنيين وفق مرحلة تمهيدية محلية ومدتها عام وتتم على مستوى الأقاليم الجغرافية ضمن السيادة السورية وبإشراف من القوى الدولية والمرحلة الثانية الانتقالية الوطنية ومدتها عام ويمكن تمديدها وفق الحاجة وتتم على المُستوى الوطني ضمن السيادة السورية وتتضمن خروج القوى الخارجية من سوريا. وتعد الأدوات التنفيذية للمرحلة الانتقالية عبارة عن رئاسة مشتركة وثماني كتل وظيفية سياسية وديبلوماسية، عسكرية وأمنية، قضائية وقانونية، مدنية اجتماعية، تكنوقراط، اقتصادية ورقابية للوصول لمرحلة تشكيل مجلس الشيوخ والبرلمان وتحقيق انتخابات تعكس صوت السوريين.
انطلقت المبادرة بتاريخ 20 تموز لتوقيع المجموعات السياسية المدنية والعسكرية والمستقلين، هذه المجموعات والكتل التي شرذمها واقع الصراع والمحاور والمصالح ولا يمكن لأي منها منفردة تقديم حل حيادي فهل تجمعها هوية سورية تعددية تستدرج المعنى لإيضاح السبيل، هذه الهوية الرحبة التي يرفضها كثيرون ويتوهون في سراديب الزوايا بل ويتهمون من حملها وافتخر بها بارتكاب الممنوع سياسياً فيفرضون التقيد بالحصرية بحجة صراع المصالح وكأن السوريين أعداء وكأننا لا ندعو لبناء وطن لا تُعلّق به مشانق بتهمة الإفصاح عن الهوية.
بحكم انتشار الورقة قبل انتهاء التواقيع، ترفق نسخة رسمية منها عبر الرابط المرفق.
للاطلاع على مبادرة سوريا الحياة
الكاتبة: د. سميرة مبيض/ نواة سوريا