استضافت منظمات الجالية السورية الأميركية يوم الأحد الماضي، السيناتور بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو حدث على درجة من الأهمية، يعبر بلا شك عن الدور الذي باتت تلعبه هذه الجالية في واشنطن، إلى الحد الذي بات يمكن معه وصفها بـ “اللوبي”.
كانت قضية درعا في مقدمة المواضيع التي تم بحثها خلال الاجتماع، الذي تخلله أيضاً تسليم السيناتور مينينديز وثيقة الخطوات الخمسة للحل في سوريا، التي أعدتها هذه المنظمات طالبة من مينينديز دعمها.
تقوم وثيقة الخطوات الخمس على العمل من أجل تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا كخطوة أولى، تمهيداً لتحقيق الاستقرار الأمني ومن ثم العدالة الانتقالية، على أن تكون الخطوة الرابعة معنية بالتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق عودة اللاجئين.
ليس لدينا كثير عن تفاصيل هذه المبادرة، لكن في قراءة لبنود خطواتها الخمس المنشورة، نجد أن صياغتها تتبنى بشكل واضح قرار مجلس الأمن 2254، لكن بصيغة تبدو توفيقية بين الرؤيتين الروسية والغربية لهذا القرار.
فخطوة “الاستقرار السياسي” التي تمثل البند الأول في المبادرة، تقترح مبادرة المنظمات الأميركية تسلسلاً في تطبيقها وفق خمس مراحل، تبدأ بإعلان دستوري، يليها تشكيل هيئة حكم انتقالي، ومن ثم مؤتمر تأسيسي، تعقبه صياغة دستور دائم تجرى على أساسه الانتخابات.
بينما ينص القرار 2254 على أن يبدأ الحل السياسي بتشكيل هيئة حكم انتقالي يجري تحت إشرافها وضع دستور جديد للبلاد وتنظم وفقا له الانتخابات، مقابل نص الوثيقة على أن يبدأ الحل بإعلان دستوري، وهو ما يبدو أنه بمنزلة رسالة للروس ولحاضنة النظام بأن أي خطوة من خطوات الحل لن تبدأ قبل تأسيس دستوري له يكون مقبولاً من الجميع، في ظل فشل مسار اللجنة الدستورية القائم حالياً.
لا تتحدث الوثيقة المعلنة عن تفاصيل الخطوة الثانية المتعلقة بـ “العدالة الانتقالية” بل تنتقل مباشرة إلى الخطوة التالية، في محاولة على ما يبدو لتجنب مسألة إشكالية جداً يمكن أن تتسبب في موقف سلبي من مختلف الأطراف، وهي رسالة أخرى سياسية متفهمة.
أما الخطوة الثالثة التي تتحدث عن تحقيق الاستقرار الأمني، فتركز على بند، هو محل اتفاق من حيث المبدأ، يتحدث عن “إخراج كل القوات والميليشيات الأجنبية” لكن المشكلة أن لدى كل طرف من السوريين قوى أجنبية توجد في مناطق سيطرته ولا يعتبرها قوات احتلال، إلا أن هذه العقدة يمكن تفكيكها بالنهاية في حال وافقت الدول المتدخلة في الصراع على الحل.العمل على التوفيق بين المحددات الأميركية – الغربية وبين التطلعات أو المطالب الروسية المعلنة للقبول بحل في سوريا، تظهر أكثر ما تظهر في هذه المبادرة مع الخطوة الرابعة المتعلقة بالاستقرار الاقتصادي.
تبدأ الوثيقة هذه الفقرة بالتشديد على ربط إجراءات التعافي الاقتصادي بتحقيق انتقال سياسي حقيقي، وهذا شرط غربي مستمر، بينما تقدم إغراءات للروس وللنظام بالتأكيد على رفع العقوبات الاقتصادية فور إنشاء هيئة الحكم الانتقالي، مع الإفراج عن الأرصدة السورية المجمدة ووضعها في تصرف الهيئة، وربط البدء بعملية إعادة الإعمار بتشكيل أول حكومة انتقالية وطنية.. وهذا كله قبل عودة اللاجئين.
لكن المتحمسين لإمكانية اقتناع الولايات المتحدة وأوروبا بهذه المبادرة ومن ثم تبنيها، لا يأخذون بيعن الاعتبار الموقف الروسي المحتمل منها.
في الواقع ليس في المبادرة ما هو مبتكر، بل يمكن القول إنها لا تقدم أي جديد على مستوى مبادرات الحل الكثيرة التي أطلقت، بل وكما تمت الإشارة، تكاد تكون تكراراً أو استعادة للقرار 2254 الذي وافقت عليه روسيا والصين عند إصداره في مجلس الأمن، إلا أن المبادرة رغم ذلك تحظى بحماسة شديدة من قبل كثير من النخب السياسية السورية.
يرى هؤلاء أن قيمة هذه الوثيقة ليست في مضمونها بل في قيمة وأهمية الجهات التي تقترحها، وهي هنا شخصيات ومؤسسات سورية سياسية ومدنية تنشط في الولايات المتحدة، وبالتالي يمكن أن تكون محل ثقة أميركا وأوروبا، ما يمكن أن يشجع الإدارة الأميركية المترددة حيال الملف السوري على تبني إرادة الحل ووضع حد لاستراتيجية الانتظار الذي طال كثيراً.
لكن المتحمسين لإمكانية اقتناع الولايات المتحدة وأوروبا بهذه المبادرة ومن ثم تبنيها، لا يأخذون بيعن الاعتبار الموقف الروسي المحتمل منها، وهو الأمر الذي لم يفت واضعي المبادرة أنفسهم الذين كما قلنا عملوا على صياغة الوثيقة بشكل يتجنب أي سبب لكي ترفض موسكو الوثيقة.
ينسى المتحمسون لمبادرة المنظمات الأميركية الحساسية الروسية المفرطة تجاه كل ما يتعلق بالغرب، كما يغفلون أن موسكو اتخذت من اللحظة الأولى موقفاً عدائياً من المعارضة السورية، لأنها رأت أن هذه المعارضة مرتبطة بـ “هذا الغرب”، وهو ما قاله بوضوح وزير الخارجية الروسي لأكثر من وفد معارض زار موسكو خلال السنوات الأولى من الثورة، بما في ذلك وفد المجلس الوطني، وبالتالي فإن احتمالية أن ترفض روسيا هذه المبادرة حتى قبل أن تقرأها تبدو كبيرة.
المشكلة التي تعيق التوصل إلى حل سياسي في سوريا لا تتمثل في غياب الأفكار أو المبادرات، بل بغياب التوافق الإقليمي والدولي، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة
يعتقد كثيرون أن موافقة الولايات المتحدة على أي حل في سوريا يكفي لكي ينجح هذا الحل، ويرون بأن واشنطن يمكنها عندئذ أن تفرض إرادتها على روسيا وعلى الجميع عندما تقرر تطبيق أي فكرة، لكن هذا الاعتقاد لا يقفز على الحقائق وحسب، بل ويتجاهل أن الولايات المتحدة ذاتها هي من طلبت من المعارضة السورية أكثر من مرة التفاهم مع الروس، وأنها هي من أطلقت يد موسكو في سوريا حتى باتت صاحبة الكلمة الأقوى في هذا الملف.
ما سبق ليس حكماً مسبقاً على مبادرة المنظمات السورية الأميركية، بل تنبيه إلى أن المشكلة التي تعيق التوصل إلى حل سياسي في سوريا لا تتمثل في غياب الأفكار أو المبادرات، بل بغياب التوافق الإقليمي والدولي، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة، وأن أي حل لا يتمكن من حل هذه العقدة سيكون بلا جدوى.
عقيل حسين _ تلفزيون سوريا