وراء التصعيد على خطوط التماس بين القوات المدعومة تركيًا و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا، تبرز مبادرة اقتصادية قد تلعب دورًا في إيجاد نقاط تقاطع بين الجانبين، لكنها بحاجة أولًا إلى الضمانات الأمنية.
خطة مربحة للطرفين؟
أجرى السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، في 6 من تموز الماضي، زيارة إلى المنطقة شملت تركيا وكردستان العراق ومناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”.
وفي سوريا، بحث غراهام مع قائد قوات التحالف الدولي، الجنرال الأمريكي جون برينان، وقادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) و”الإدارة الذاتية” في مدينة الحسكة ملفات أمنية وعسكرية، منها ملف تصاعد وتيرة التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة ضد مناطق سيطرة “قسد”.
وبحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصدر كردي بارز، فإن قادة “قسد” و”مسد” و”الإدارة الذاتية” ناقشوا التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة، وكشف أن السيناتور غراهام نقل إلى القادة السوريين “ضرورة إيجاد صياغة متوازنة تحفظ العلاقة الأمريكية- التركية من جهة، وتضمن استقرار مناطق شمال شرقي سوريا واستمرار مهمة قتال تنظيم (الدولة الإسلامية) بالتعاون مع قوات (قسد) من جهة ثانية”.
كما تحدث عن “مناطق عازلة بين قسد وتركيا”، إضافة إلى تطوير العلاقات التجارية بين الجانبين.
وحول العلاقات التجارية، ووفق مقال رأي نشره غراهام على موقع “فوكس نيوز“، في 30 من حزيران الماضي، اقترح أن “الحل الأكثر قابلية للتطبيق، هو معالجة مصالح الأمن القومي لتركيا مع تطوير علاقة تجارية في الوقت نفسه بين الحكومة التركية وسكان شمال شرقي سوريا، فهناك حقول نفط في المنطقة يمكنها مع المزيد من الاستثمار إنتاج كميات أكبر من النفط، وهو ما يعود بالفائدة على كل من سوق النفط العالمية، واقتصاديات شمال شرقي سوريا وتركيا”.
واعتبر أن “أفضل طريقة لحل هذه المشكلة بمرور الوقت هو جعلها مربحة للجانبين لسكان شمال شرقي سوريا وحلفائنا الأتراك، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي”، حسب قوله.
العملية التركية.. معطلة
شكّلت قمة “طهران” الثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران ضمن إطار عملية “أستانة”، التي عُقدت في 19 من تموز الحالي، صورة أوضح حول العملية التركية في الشمال السوري التي يريد منها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترًا.
الطرفان الروسي والإيراني أبديا رفضهما لأي تحرك عسكري تركي في شمالي سوريا، وسط تحذير من تأثيره على استقرار المنطقة ووحدة الأراضي السورية.
اللقاءات السياسية قوبلت على الأرض بتصعيد على الجبهات في سوريا، منها المواجهات بين الأتراك و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على طول خطوط التماس في شمال شرقي سوريا، سواء بالمدفعيات الثقيلة أو الاستهداف بالطيران المسيّر، إضافة إلى تنفيذ الطائرات الحربية الروسية في الأسبوع الأخير غارات على شمال غربي سوريا بعد هدوء نسبي، ما تُرجم على أنه جزء من استراتيجية النظام وحلفائه للضغط على تركيا ضد هجوم جديد في منطقة الكرد المدعومة أمريكيًا.
ومع رفض روسيا وإيران العملية العسكرية من جهة، والضغط الأمريكي على تركيا حول عدم تنفيذ العملية من جهة أخرى، إذ أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، معارضة المؤسسات العسكرية والحكومية الأمريكية أي هجوم تركي محتمل ضد مناطق شمالي وشرقي سوريا، يبقى التساؤل حول الملفات التي من الممكن أن يتفاوض فيها الطرف التركي مع التهديدات التي تمثلها له “قسد” التي تراها أنقرة امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” (PKK) المصنف على قوائم الإرهاب.
إلى أي مدى تشكّل مبادرة غراهام حلًا واقعيًا
في ظل عدم وجود توافق دولي واضح على العملية العسكرية التركية شمالي سوريا، حاولت الإدارة الأمريكية إيجاد حلول غير عسكرية تتضمّن ضمانات بشأن تهديدات الأمن القومي التركي ومكافحة الإرهاب، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية، في 2 من تموز الحالي، عن لقاء متحدث الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، والسيناتور الأمريكي، ليندسي غراهام، باسطنبول.
وحول مبادرة غراهام الاقتصادية بين تركيا ومناطق شمال شرقي سوريا، يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، في لقاء مع عنب بلدي، أن المبادرة بشكلها الحالي غير واقعية، إلا أنها أحد الحلول التي يمكن البناء عليها بشكل أكبر، ففي الوضع الحالي لن تتنازل تركيا عن قضية تهديد أمنها القومي من قبل “وحدات حماية الشعب” (عماد “قسد”)، وتعتبر أنقرة هذه القضية الخط الأول، وأوضح الباحث أن المبادرة تحتاج إلى جزء ثانٍ وهو إجراءات على الأرض تضمن لتركيا أمنها القومي.
وحدد شواخ هذه الإجراءات التي يُمكن أن تضمن لتركيا البناء على المبادرة الاقتصادية، مثل التزام أمريكا بسحب “قسد” التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزبي “العمال الكردستاني” و”الاتحاد الديمقراطي” (PYD) لمسافة 30 كيلومترًا.
وأشار إلى أن تركيا تريد الالتزام باتفاقية “سوتشي” التي أُبرمت بين الطرفين بشأن انسحاب “الوحدات” من المناطق الحدودية مع تركيا عام 2019، إذ نصت الاتفاقية على سحب كل القوات الكردية من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومترًا، إضافة إلى سحب الأسلحة من منبج وتل رفعت.
كما يمكن الاستعانة بقوات “البيشمركة” السورية (بيشمركة روج) الموجودة في أربيل، التي تعتبر مقبولة بالنسبة لتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، على عكس “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، الذي من الممكن أن يُمكن أن يواجه رفضًا أمريكيًا، لأسباب مثل التركيبة السكانية الحساسة لهذه المناطق التي تحتوي على مكوّنات كردية وسريانية وعربية.
ووفق شواخ، فإن المبادرة الأمريكية قد تكون سببًا لتأجيل أو عزوف تركيا عن العملية الحالية، وخلق طريقة جديدة ربما لحل مشكلة تركيا مع “قسد”، التي حاولت أمريكا سابقًا إيجاد حلول سياسية لها عبر الحوار الكردي- الكردي بين “المجلس الوطني الكردي” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، إلا أن هذا الحوار تعطّل وأُنهي أيضًا، حسب تصريح عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ”الاتحاد الديمقراطي”، آلدار خليل، لموقع “باس نيوز” في 3 من تموز الحالي.
مكاسب اقتصادية رهينة الاستقرار
لفت الباحث أنس شواخ إلى أنه في حال تم الاتفاق وحلّت تركيا مشكلة الأمن القومي، فغالبًا سيكون عبور خط النفط من مناطق “قسد” للتصدير إلى الأراضي التركية جزءًا من الاتفاق، ما سيحقق مكاسب لتركيا.
وقال إنه ما إن تمت المبادرة وفق رغبة تركيا، وحُلّت مشكلاتها الأمنية، فهناك مكسب اقتصادي ومكسب أمني، خاصة في ظل الخطة التركية الأخيرة لإقامة “المنطقة الآمنة” و”العودة الطوعية” للسوريين في تركيا.
وتسيطر “قسد” على مصادر النفط في شمال شرقي سوريا، وتبيعه لثلاث وجهات رئيسة، هي إقليم كردستان العراق ومناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية.
وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” قدّرت في تقرير لها صادر في أيلول 2019، أن الحقول النفطية الخاضعة لسيطرة “قسد” تنتج ما يقارب 14 ألف برميل يوميًا.
وأشارت دراسة نُشرت في 21 من كانون الثاني 2020، للباحث سنان حتاحت، إلى أن أرقام الإنتاج النفطي من حقول شمال شرقي سوريا غير مؤكدة بسبب غياب الشفافية المتعمد، ومستوى السرية المرتفع الذي تفرضه “الإدارة الذاتية”.
ورغم وجود تهريب للنفط ومشتقاته من مناطق “قسد” باتجاه تركيا، فإنه لا يقارن بحجم مد خط أرضي ثابت للنفط، حسب شواخ.
وأضاف الباحث أن المبادرة، إن نُفذت، تضمن إعادة ترميم حقول النفط، لأن الآبار بحاجة إلى إعادة تجديد وصيانة.
أربعة معوقات
بدوره، علّق الباحث الاقتصادي زكي محشي، في رده على سؤال عنب بلدي حول فرص نجاح مبادرة غراهام على الصعيد الاقتصادي بأنها تواجه أربعة معوقات.
الأول هو عدم وجود ثقة نهائيًا بين “الإدارة الذاتية” وتركيا، ووجود خلاف أيديولوجي جوهري بين الطرفين، ما يخلق عائقًا كبيرًا.
المعوّق الثاني هو أن الاستثمار الاقتصادي لن يشكّل عائدًا كبيرًا للأتراك، لأن حقول النفط الموجودة في المنطقة تحتاج إلى استثمارات أجنبية، وهي بحاجة إلى مئات الملايين من الدولارات لإعادة الإنتاج أو أن تعود إلى مستوى الإنتاج قبل الحرب. واعتبر الباحث أنه لا يوجد أي جهة أجنبية ستجازف وتُدخل أموالًا إلى سوريا لعدم وجود استقرار يشجع على الاستثمار.
أما الثالث، حسب الباحث، فهو وجود النظام وإيران بشكل قوي وكبير في هذه المنطقة، إذ لا يعتقد أنهما سيسمحان بتعاون كهذا، لأنه ليس من مصلحة النظام وحلفائه مثل إيران أو روسيا أن يحدث هذا النوع من الاتفاق بين تركيا و”الإدارة الذاتية”، واستقلال الأخيرة اقتصاديًا بشكل كبير عن حكومة دمشق.
والأمر الأخير هو أن أمريكا تحاول خلق مبادرة تكامل اقتصادي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بين الشمال الغربي والشرقي، وهو من الصعب تحقيقه بسبب الاختلاف العقائدي واختلاف وجهات النظر لموضوع الحوكمة والسلطة والفاعلين الموجودين على الأرض، وفق محشي.
وأصدرت الخزانة الأمريكية، في 12 من أيار الماضي، بيانًا جاء فيه أنها سمحت ببعض الاستثمارات الأجنبية في المناطق الواقعة بشمالي سوريا والخارجة عن سيطرة حكومة النظام، والتي اعتبرتها استراتيجية تهدف لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وتشمل المناطق المشمولة بالإعفاء محافظات تقع تحت سيطرة “قسد” المدعومة أمريكيًا، ومناطق تخضع لسيطرة “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، باستثناء عفرين ومنطقة إدلب.
أمل رنتيسي _ عنب بلدي