syria press_ أنباء سوريا
كنت صغيرة عندما قرأت رواية “دعاء الكروان” لطه حسين التي كتبها ببدايات القرن العشرين، أتذكر الصدمة التي ألمت بي عندما قتل الخال ابنة أخته “هنادي” التي غرر بها المهندس الشاب الذي كانت تعمل خادمة عنده.
لم أستطع أن أستوعب كيف تمكن خال هنادي من قتل الصبية وهو بمثابة الأب لها، والأمَرّ كيف تمكنت أمها من تحريض أخاها ليقتل ابنتها.
القتل لغسل العار
كان شيء خارج المنطق والمألوف. أسفت لأجل فتيات ذاك الزمان، أحزنني حجم الغدر والألم والظلم الذي عاشته دون حماية أو مناصرة. صغر سني وخبرتي المحدودة والتي تقتصر على عائلتي، جعلني أعتقد أن حالة هنادي مرتبطة بمنطقة جغرافية أو بيئة اجتماعية وحقبة زمنية عفا عليها الزمان.
ليتضح لي فيما بعد أن أي فتاة أو امرأة يمكن أن تكون هنادي وتلقى ذات المصير، “القتل لغسل العار” أو “جريمة الشرف” جريمة خارج حدود الزمان والمكان. كيف تستحوذ فكرة شيطانية على مشاعر الشعوب وتلغي العقل، وتجعل من الجريمة شرف والمجرم يزهو بكبرياء.
أي فتاة أو امرأة يمكن أن تكون هنادي وتلقى ذات المصير، القتل لغسل العار أو جريمة الشرف جريمة خارج حدود الزمان والمكان. كيف تستحوذ فكرة شيطانية على مشاعر الشعوب وتلغي العقل، وتجعل من الجريمة شرف والمجرم يزهو بكبرياء.
عادات وتقاليد تنتمي إلى المجتمع الأبوي
مرجعية هذه الجرائم هي عادات وتقاليد تنتمي إلى المجتمع الأبوي، تسلط ذكور العائلة على نسائها وتعطيهم الحق في تنفيذها. كما تعطيهم الحق في تقرير مصيرهم واتخاذ القرارات بدلاً عنهم.
تحدث هذه الجرائم في بلدان كثيرة نذكر منها باكستان والأردن واليمن وتركيا والعراق والمغرب ومصر، دول أوروبية مثل إيطاليا واليونان، سواء بدافع الشرف أو الثأر. في بلدان أخرى على رأسها البرازيل وإكوادور والهند وبيرو والأرجنتين وفنزويلا وغيرها.
تلك الجريمة باقية وتتمدد. خلصت دراسة حول جرائم الشرف نُشرت عام 2020 إلى أن “الحالات التي تلوث الشرف يتغير بتغير الزمان”.
قديماً كان شرف العائلة مرتبط بعذرية الفتاة، وكان المجتمع يبرر قتل المرأة التي تخسر عذريتها دون زواج. فالبنت عندما تُسلًّم للزوج يجب أن تكون ممهورة بخاتم البكارة، أو تقتل.
جريمة الشرف بسبب مواقع التواصل الاجتماعي
ومع تطور التقنيات والبرمجيات ووصول التكنولوجيا إلى أغلب الفئات الشعبية، توسع معها نطاق “جرائم الشرف في القرن 21 أيضاً تقتل النساء باسم الشرف، وبعيداً عن العذرية.
هذه المرة يتعلق القتل بحضور النساء على مواقع التواصل الاجتماعي. قبل عشرة أيام اختفت قمر 26 سنة من محافظة الخرج في السعودية، وبعد أيام تبين أنها قُتلت ودُفنت في الصحراء، اتهمت أختها منال، شقيقهم بقتل قمر بسبب امتلاكها حساباً على سناب شات.
كما تعرضت “إسراء” للضرب المبرح من قبل أقاربها، وتوفيت إثر ذلك، قيل وقتها بأن سبب ضربها لأنها نشرت صورة لها ولخطيبها على الإنستغرام. وبتاريخ لاحق طُعنت فتاة أردنية عمرها 14 سنة حتى الموت من قبل شقيقها لأنها فتحت حساب على الفيسبوك.
قبل ذلك قضت ثلاث نساء عراقيات بسبب نشاطهن الافتراضي من بينهن عارضة الأزياء “تارة فارس” وبمدينة الناصرة العراقية اختفت طالبة جامعية، قالت عائلتها بأن الفتاة انتحرت، لكن صديقاتها يعتقدون بأن شقيقها قتلها بسبب منشور على الانستغرام. بنفس المدينة قتلت امرأة ثلاثينية بسبب حسابها على الانستغرام.
مع تطور التقنيات والبرمجيات ووصول التكنولوجيا إلى أغلب الفئات الشعبية، توسع نطاق جرائم الشرف في القرن 21، وبعيداً عن العذرية، هذه المرة يتعلق القتل بحضور النساء على مواقع التواصل الاجتماعي.
المنظمات الحقوقية تقول بأنها تفتقر للإحصائيات الموثوقة فيما يخص جرائم الشرف في منطقة الشرق الأوسط؛ لكن حوادث كثيرة تدل على وجود هذه الظاهرة.
نشاط النساء الافتراضي، هل يهدد شرف العائلة
عايشة ك. جيل، أستاذة الجريمة في جامعة روهامبتون في لندن، تقول “مع صعود نجم مواقع التواصل، ركزت في أبحاثي على القلق الناتج عن توسيع مفهوم الشرف ليشمل مراقبة نشاط النساء الافتراضي، في حال خرجن عن الخط أو هددن شرف العائلة”.
سانار طالبة عراقية تعرضت لضرب مفرط من شقيقها بسبب نشرها صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول سانار لموقع (DW) “الأمر لا يتعلق بي وحدي. الشيء نفسه حدث للعديد من النساء في العراق”.
ورغم ذلك ترى فوائد استخدام وسائل التواصل تفوق مخاطرها: “النساء كن يقتلن فيما مضى ولم يكن أحد يعرف عن الأمر شيئا، ولم يطالب بحقهن أحد. اليوم وسائل التواصل هي الطريق الوحيد لبعض النساء ليكون لهن صوت ولتقول: أنا موجودة”.
كفاح زعتري _ الأيام السورية
