تطرح تحركات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في زياراته إلى دول في المنطقة، هي مصر والأردن وتركيا، التي تسبق اجتماعه المرتقب بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تموز المقبل، تساؤلات حول ارتباط هذه الزيارات والاجتماعات بالملف السوري، ومدى احتمالية التطبيع مع النظام أو اتخاذ موقف مغاير، بعد الخطوة السعودية الأخيرة المتعلقة بتصنيف أحد رجال الأعمال المقربين من النظام السوري على قائمة “الإرهاب” السعودية.
وكانت رئاسة أمن الدولة في السعودية صنّفت على تلك القائمة عددًا من الأفراد والكيانات، قالت إنهم منتمون لتنظيمات “إرهابية”، من بينهم ثلاثة سوريين وشركة “القاطرجي” السورية.
وذكر الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، خلال اجتماع افتراضي، في أيار الماضي، عبارة “تثبيت الأمن والوضع الاقتصادي بالمناطق المحررة في سوريا”، التي تبيّن استمرارية الموقف السعودي من النظام السوري وتحرير تلك المناطق من سيطرته.
موقف رافض
عام 2021، تحدثت تقارير إعلامية عن زيارة وفد سعودي إلى دمشق يرأسه رئيس المخابرات السعودي، خالد الحميدان، ولقائه برئيس النظام، بشار الأسد، ومدير مكتب “الأمن الوطني”، اللواء علي مملوك، واتفاق الطرفين على تطبيع العلاقات، حسب صحيفة “الجادريان” البريطانية.
وذكرت الصحيفة أن الحميدان سافر إلى دمشق للقاء نظيره السوري في أول اجتماع معروف من نوعه منذ نحو عقد من الزمن.
وجاء في تقرير لمراسل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط، أن الاجتماع في العاصمة السورية، الذي جرى في 3 من أيار الماضي، يعد مقدمة لانفراج وشيك بين خصمين إقليميين كانا على خلاف طوال معظم سنوات الصراع.
بينما نفت وزارة الخارجية السعودية الاجتماع، ووصف مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية، السفير رائد قرملي، لوكالة “رويترز”، هذه الأنباء بـ”غير الدقيقة”.
وأضاف أن سياسة المملكة تجاه سوريا لا تزال قائمة على دعم الشعب السوري، وحل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة، ووفق قرارات مجلس الأمن، ومن أجل وحدة سوريا وهويتها العربية.
وفي كانون الأول من العام ذاته، قال المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، إن الحرب لم تنتهِ في سوريا التي شهدت سقوط 2000 قتيل خلال نفس العام، محذرًا، “لا تصدقوا إذا قالوا إن الحرب انتهت في سوريا”.
وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال المعلمي، إن الأولوية لا يجب أن تُعطى لإعادة الإعمار بل “لإعادة بناء القلوب”، متسائلًا، “ما النصر الذي حققوه إذا وقف زعيمهم على هرم من الجثث؟”، في إشارة إلى الأسد.
واتهم المعلمي النظام السوري بأنه أول من فتح الأبواب لاستقبال “حزب الله” الذي وصفه بـ”زعيم الإرهاب”، وغيره من التنظيمات “الإرهابية”.
وأضاف المندوب السعودي، أن تقارير الأمم المتحدة أظهرت أن الحكومة السورية مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، منتقدًا “أولئك الذين أذنوا لموجات المتطرفين، وعرضوا التاريخين الإسلامي والعربي للخطر”، حسب تعبيره.
أسلوب العصا والجزرة
يرى الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، في حديث إلى عنب بلدي، أن مسيرة التطبيع التي بدأتها الحكومات العربية مع النظام السوري في عام 2021 تمثّل مسارًا متعرجًا تحكمه مساومات من وراء الكواليس، كما يتأثر هذا المسار بأي خطوة يخطوها النظام السوري، وخصوصًا في سياق تحالفه الوثيق مع النظام الإيراني.
وتأتي “فرملة” مسيرة التطبيع ضمن هذا الإطار العام سواء من قبل السعودية أو الأردن، فالنظام السوري بعد زيارة الأسد الأخيرة إلى طهران، في أيار الماضي، سمح لإيران وحليفها “حزب الله” بالمزيد من التمدد العسكري في جنوبي سوريا كما في شمالها، وترافق هذا مؤخرًا بالمزيد من الاتفاقات التجارية والاقتصادية وتعميق التغلغل الإيراني.
تعاظم النفوذ الإيراني، المستفحل أصلًا، في سوريا يتناقض مع رغبة النظام المعلَنة في رأب الصدع مع الأنظمة العربية بما فيها السعودية، بحسب الدكتور فيصل عباس محمد.
بينما يعتمد النظام السعودي في اتجاهه الحذر للتطبيع مع النظام السوري أسلوبًا يحمل فيه العصا بيد والجزرة باليد الأخرى، بحسب الدكتور فيصل محمد، الذي يوضح، “حاليًا نرى اليد التي تُمسك بالجزرة مسبلة بينما اليد التي تقبض على العصا مشرعة بهدف الضغط على الأسد لتخفيف اندفاعه في طريق ما يسميه بعض المحللين (عقود الإذعان) التي يوقّعها مع إيران”.
تصنيف السعودية لبعض الأشخاص والكيانات السورية المرتبطة بالنظام بأنها “إرهابية” يندرج في الشق الآخر من السياسة السعودية، أي إشهار العصا عند اللزوم، وهذا ينطبق أيضًا على التلويح بورقة الدعم الاقتصادي والأمني للمناطق الخاضعة للمعارضة المسلحة في الشمال السوري.
ويتعارض ظاهريًا إشهار العصا مع مسيرة التطبيع، بحسب الدكتور فيصل عباس محمد، ولكن في الواقع مسيرة التطبيع هذه ستستمر في ضوء إعادة الاصطفاف التي تحدث في المنطقة، بتأثير الانسحاب الأمريكي النسبي والمحادثات الأمريكية- الإيرانية بشأن إحياء الاتفاق النووي.
ومن وجهة نظر السعودية وبقية الأنظمة العربية التي تواكبها في مسيرة التطبيع بدرجة أو بأخرى، فإن التطبيع هو وسيلتهم التي لا غنى عنها لإعادة بناء نفوذهم في سوريا والحد من النفوذ الإيراني، وهم يرون الآن بأنه يجب الضغط على الأسد لحسم تردده ولجم توجهه لإقامة توازن محض شكلي بين علاقاته العربية والإيرانية دون تقديم تنازلات للأنظمة العربية.
ما وراء التصنيف
بدوره، يرى الباحث في مركز “عمران” محمد العبد الله، أن الخطوة السعودية الأخيرة المتعلقة بتصنيف القاطرجي، يمكن تحليلها عبر ثلاثة أبعاد أساسية هي:
يرتبط البعد الأول بالرمزية السياسية للخطوة، فبعد غيابها الفعلي عن الملف السوري مؤخرًا، تريد الرياض إثبات وجودها في هذا الملف على المستوى الإقليمي، وتفعيل أدواتها المتاحة في هذا الصدد في ظل الهيمنة الإيرانية والانكفاء الروسي نسبيًا والتقارب الأخير بينها وبين أنقرة.
ولم يرجح العبد الله أن يكون هدف خطوة كتصنيف القاطرجي على قوائم “الإرهاب”، التضييق على النظام السوري أو دحض فرضية التقارب معه وإعادة تأهيله، بقدر ما هي محاولة منها لتحدي النفوذ الإيراني في سوريا عبر استهداف أحد أبرز أذرعه الاقتصادية في هذا البلد.
بينما يرتبط البعد الثاني بالدور الاستراتيجي الذي تقوم به مجموعة “القاطرجي”، كأداة لتثبيت النفوذ الإيراني في سوريا مجتمعيًا واقتصاديًا ودينيًا عبر أذرع هذه المجموعة المحلية ونفوذها الاقتصادي والأمني، الذي ترسخ بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، فارضة نفسها كفاعل محلي مهم في ترسيخ النفوذ الإيراني، إلى جانب استخدامها كرأس حربة من قبل الإيرانيين و”حزب الله” للقيام بتبييض الأموال وتهريب المخدرات والسلاح إلى دول الخليج عبر أذرعها داخل وخارج سوريا.
في حين يرتبط البعد الثالث بمناطق شمال شرقي سوريا التي استُثنيت من العقوبات الأمريكية، ووجود رغبة سعودية ربما بتأسيس نفوذ مستقبلي في هذه المناطق عبر الاستثمار في البنية التحتية والبناء على العلاقات مع العشائر السورية كمحاولة منها لتثبيت النفوذ السعودي.
وفي هذا السياق، يبرز دور مجموعة “القاطرجي” كفاعل محلي لا يمكن تجاوزه بعد أعوام من سعيها لاستغلال الجانب العشائري لمصلحة النفوذ الإيراني، وتمكّنها من تحقيق نجاحات ملموسة في هذا السياق عبر تشكيل ميليشيا جل عناصرها من أبناء هذه العشائر، عدا عن التحالفات المبرمة مع شيوخ العشائر، واستقطابهم لتحقيق الأجندة الإيرانية عبر استغلال تردي واقعهم الاقتصادي سواء عبر تجنيد أبناء هذه العشائر عسكريًا في صفوف الميليشيات الإيرانية أو من خلال فرض المذهب الشيعي بين هذه القبائل.
ولا يعتقد العبد الله أن الأثر الفعلي لقرار التصنيف السعودي سيكون ملموسًا، فمجموعة “القاطرجي” ومؤسسوها تم استهدافهم سابقًا في العقوبات الأمريكية والأوروبية، لكن يُنظر إلى الخطوة برمزيتها وتوقيتها بالنسبة للمملكة.
وتعتبر شركة “القاطرجي” وملاكها من أكبر الشركات الداعمة للنظام السوري، إذ تلعب دور الوسيط لنقل النفط من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا.
ديانا رحيمة _ عنب بلدي