تزايدت التصريحات والتحركات التركية، تجاه النظام السوري، وإمكانية فتح قنوات الحوار لإعادة العلاقات معه، خلال الأشهر القليلة الماضية، وسط جمود في تحركات المعارضة السياسية بمختلف مؤسساتها كـ”الائتلاف لقوى الثورة السورية والمعارضة” أو “هيئة التفاوض العليا”، ما أثار التساؤلات حول موقفها من السياسة التركية، ومدى قدرتها على اتخاذ موقف فعلي.
وخلال الأيام الماضية، نشرت كل من وكالة “تسنيم” الإيرانية”، و “سبوتينيك” الروسية، في فترات زمنية متقاربة، تسريبات لم تكشف عن مصادرها، مفادها أن تركيا طلبت من المعارضة السورية التي تتخذ من تركيا مقرًا رسميًا لها مغادرة أراضيها، أو البقاء فيها بشرط عدم ممارسة أي عمل سياسي، الأمر الذي نفته مؤسسات المعارضة أكثر من مرة.
ووفق ما نقلته الوكالة، عن أربعة مصادر “لم تسمها”، فإن فيدان عقد عدة اجتماعات مع نظيره السوري خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما اعتبرته مؤشرًا على جهود روسية لتشجيع “ذوبان الجليد” بين الدول التي تقف على طرفي نقيض في الملف السوري.
وجرى خلال اللقاء تقييم كيف يمكن أن يلتقي وزيرا خارجية البلدين في نهاية المطاف، وفقًا لمن قالت “رويترز” إنه مسؤول تركي كبير، إلى جانب مصدر أمني تركي أيضًا.
وأضاف المسؤول التركي أن أحد التحديات الكبيرة، هو رغبة تركيا بإشراك المعارضة في أي محادثات مع دمشق.
“ربما خطوة للحل”
عضو الهيئة العامة في “الائتلاف”، أيمن العاسمي، قال لعنب بلدي، حول موقف المعارضة من التحركات التركية، إن لكل دولة سياساتها الخاصة المتعلقة بالسياسة الخارجية، مضيفًا أن المعارضة لا تستطيع أن تتحكم أو تفرض رأيها في سياسة أي دولة سواء كانت حليفة أو غير ذلك.
لكن موقف المعارضة من لقاء أي دولة مع الأسد “واضح”، بحسب ما قال العاسمي، موضحًا أن “مكان الأسد الطبيعي يجب أن يكون في لاهاي لمحاكمته على ما ارتكبه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وما فعله بسورية وشعبها”.
“تركيا تسعى لوضع الملف على الطاولة بشكل مباشر دون الاعتماد على بعض القوى التي تتعامل مع الملف منذ عشر سنوات كإدارة أزمة وليس كقضية شعب يحتاج إلى حل، وربما تكون هذه الخطوة هي خطوة في قضية تفعيل الحل.أما سؤال كيف؟ فستكشف الأيام القادمة هذا الأمر”. عضو الهيئة العامة في “الائتلاف المعارض” أيمن العاسمي |
ووردًا على أنباء طلب تركيا مغادرة المعارضة السورية، أكد العاسمي أن علاقة الأخيرة مع تركيا “علاقة قوية” لن تتغير مهما كانت الأخبار التي تتوارد، مشيرًا إلى أن المعارضة مطالبها واضحة، ولن تتنازل عنها، وتتلخص بتطبيق القرارات الدولية الأممية ذات الشأن خاصة “2254”، ومحاسبة الأسد.
المعارضة “الجديدة” موازية لتركيا
تزامنًا مع زيادة التصريحات التركية حول العلاقة أو الحوار مع النظام السوري، تزداد أيضًا الانتقادات الموجهة للمعارضة السورية، التي تتهم بتجاهلها لجدية الأتراك في لقائهم مع الأسد.
الرئيس السابق لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، الدكتور خالد خوجة، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن المعارضة على مدى عشر سنوات حصل فيها تغيير جذري، وتمييع منذ تأسيس “المجلس الوطني” وتوسعته، وبعدها “الائتلاف” وتوسعته أيضًا لأكثر من مرة، لذا فإن بنية المعارضة نفسها تغيرت وبالتالي فإن مواقفها طالها التغيير أيضًا.
وأوضح خوجة، أنه بعد تبني مسار “سوتشي” في 2016 حصل نوع من تعديد المعارضة بما يتماشى مع المسار الذي قبلت به تركيا بالتوافق مع إيران ورسيا، فأصبحت مواقف المعارضة التي قبلت بالبقاء بهذا الوضع، سواء السياسية أو العسكرية، موازية للمواقف التركية، منذ ذلك الوقت.
واعتبر أنه بحسب هذه المعطيات، وفي ظل غياب موجه أو بوصلة للمعارضة يمكن أن تستهدي بها من الطبيعي أن تكون مواقف وتصريحات المعارضة متناسبة مع بنيتها، معتبرًا أنه لا يجب أن ننتظر موقفًا واضحًا منها في هذه الحالة، بخصوص التوجه التركي نحو دمشق.
على المعارضة الانخراط لـ”تفشل المبادرة”
من جهته، اعتبر الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية، نادر الخليل، في حديث إلى عنب بلدي، أن ما تعيشه المعارضة السورية اليوم، لا يخرج عن الهدف الذي جرى صنعها وإيجادها له، وهو “وجود جسم معارض يشارك في محادثات ومفاوضات فارغة من أي عمل ثوري فاعل أو مؤثر، وهي في حقيقة الأمر تتماهى مع الجهة التي أوجدتها وتدعمها ماليًا، وهي بذلك فقدت أهم شرط من شروط استقلال القرار”.
وأضاف الخليل، أن تركيا الآن تقوم بجس نبض احتمالات التفاهم مع النظام، معتبرًا أنها قد لا تستطيع الوصول لتفاهمات حاسمة معه، وذلك لوجود ملفات تهم الأتراك، لن يقدم النظام تنازلات فيها، من أبرزها ملف “الإدارة الذاتية” و “عودة اللاجئين وإجراء تسوية سياسية”.
واعتبر الباحث، أنه لهذه المعطيات، يجب على المعارضة ألا تخرج من المشهد، لأن وجودها كطرف في التفاوض على نحو فاعل، سيجعل النظام يفشله، وعليه سيظهر بشار الأسد بمظهر من أفشل “المبادرة الروسية- التركية”.
وبعيدًا عن الآراء والخطابات الشعبوية، وانطلاقًا من الواقعية والموضوعية، يتفق الباحث نادر الخليل مع الرأي الذي يقول إنه: على المعارضة أن تتفاعل مع مسألة تفاوض تركيا مع النظام السوري، وأن تُبدي مرونة وفق معادلتين:
الأولى: أنها الممثل السياسي الوحيد للشارع المعارض المعتمد من القوى الخارجية، وبالتالي عليها ألا تتجاوز الحد الأدنى الذي يمكن لهذا الشارع قبوله، وألا تفقد مصدر شرعيتها وتأثيرها، وهذه المعادلة يتم التلويح بها امام الأتراك، بالتزامن مع المعادلة الثانية.
وتتمثل المعادلة الثانية باستعدادها لأن تكون طرفًا في التفاوض، وهو ما سيتيح لها التأثير في مساراته، بمعنى أن تستغل المأزق الذي وجدت نفسها وتحويله لمكاسب إيجابية، فتركيا تريد غطاء سياسيًا محسوبًا على المعارضة يمثله الائتلاف، وبالتالي تركيا بحاجة للائتلاف وهو ما يجب أن يستغله “الائتلاف المعارض” في انتظار وضوح نتائج ما يجري لاحقًا.
عندما يفرض الائتلاف نفسه طرفًا فاعلًا في التفاوض ستفشل المفاوضات لأن النظام لن يقبل بأي طرف معارض فاعل شريكًا له. الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية نادر الخليل |
النظام يشترط ولا يتعاون
لا يعتقد رئيس “الائتلاف” السابق، خالد خوجة، أن التسريبات حول طلب تركيا من المعارضة السورية مغادرة أراضيها “صحيحة”، فمن المبكر جدًا أن تطلب تركيا من المعارضة مغادرة تركيا، بحسب رأيه.
وأشار خوجة إلى وجود مطلب قديم من أجسام المعارضة السورية الأولى لتدعم تركيا ومجموعة “أصدقاء سوريا” وجودَ المعارضة في الداخل السوري، لكن هذا لم يحدث، مضيفًا أنه ربما يكون هناك توجيه من تركيا إلى أن تنتقل المعارضة إلى الداخل ضمن الدعم التركي.
واعتبر أنه لا يمكن أن ننتظر هكذا موقف من تركيا في ظل عدم الوضوح بقضية التقارب التركي مع النظام السوري، لأنه إلى الآن النظام يشترط على تركيا أن تسحب جنودها من شمالي سوريا، ولا يظهر استعداده لاستقبال اللاجئين، مشيرًا إلى أن هدف تركيا الأساس من الحوار معه هو إعادة اللاجئين.
وأضاف خوجة، أنه في قضية التعاون بشأن “حزب العمال الكردستاني” لا يوجد أيضًا عند الأسد رغبة بهذا التعاون، فلذلك من الصحيح أن هناك توجهًا تركيًا نحو النظام، لكن لا توجد رغبة من الأخير حتى الآن بتقييم هذا التوجه.
مطالب ومطالب مضادة
وفي 17 من أيلول الحالي، نقلت صحيفة “صباح” التركية، “تفاصيل ومطالب كل من تركيا والنظام السوري” فيما يتعلق باللقاء الاستخباراتي الذي جمع رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، بمدير مكتب “الأمن الوطني” لدى النظام ، علي مملوك، في دمشق.
ووفق تقرير الصحيفة، من المستبعد حصول لقاء دبلوماسي رفيع المستوى بين تركيا والنظام، على المستوى الرئاسي أو الوزاري، وأن اللقاءات الاستخباراتية ستتواصل من أجل تشكيل أرضية مشتركة بين الجانبين.
وبحسب التقرير، تمثلت مطالب تركيا، بضمان العودة الآمنة للاجئين، وإعادة الممتلكات، وضمانات عدم الملاحقة القانونية.
بينما كانت بالمقابل مطالب النظام تتمحور حول انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وجاء الرد التركي عليها، بأنه “يمكن تقييم هذا الموضوع لاحقًا، بشرط استكمال العملية الدستورية، وإجراء انتخابات حرة، وتجديد اتفاقية (أضنة) حول مكافحة الإرهاب”.
“شق إسفين” بين المعارضة وجمهورها
اعتبر الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية، نادر الخليل، أن ما يجري في موضوع التسريبات حول طلب تركيا من المعارضة السورية مغادرة أراضيها، هدفها زيادة الضغط على المعارضة ودفع الشارع المعارض السوري إلى مواقف حادة تجاه تركيا، وذلك لإيهامه أن تركيا تتخلى عنه، وهذا ما سيزيد من ضغط الشارع على المعارضة السياسية لمقاومة المقترحات التركية، بمعنى أن الهدف “شق إسفين” بين المعارضة والجمهور المعارض السوري وتركيا.
وفي مقال للرأي، نشر في موقع “الشرق الأوسط” في 17 من أيلول الحالي، اعتبر السفير التركي السابق في سوريا، عمر أنهون، الطريق أمام الاتفاق بين تركيا والنظام السوري “وعرة للغاية، مع الكثير من الطرق المسدودة المحتملة”.
وأوضح أنهون، أن لقاء على مستوى الوزراء أو كبار المسؤولين بين تركيا والنظام، ليس شيئًا لا يمكن حدوثه، وذلك لوجود عدة قضايا يمكن تناولها، أبرزها المعارضة السورية، ومستقبل الكرد في سوريا، واللاجئين، و”الجماعات المسلحة”، ومحافظة إدلب.
وأضاف أنهون، أن هذه ليست سوى عناوين عامة، وعندما يذهب المرء إلى العناوين الفرعية تصير الأمور أكثر تعقيدًا، بحسب تعبيره.
جنى العيسى _ عنب بلدي