سوريا مقبلة على انتخابات رئاسية قد تكون مراقبة دوليا، يتوقع بعضهم أن تكون كبيرة، ولا يعني كِبَرها أن تكون ديمقراطية حرة، وسينافس فيها الرئيس بشار الأسد سبعة مرشحين بدلاً من اثنين، كما حصل في الانتخابات الأخيرة، وكان الاثنان من المجاهيل، ويحتاجان إلى شاهدين وتوقيع المختار لإثبات أهليتهما السياسية، “س” و”ع” في الرياضيات أشهر منهما، ولحل أمثال هذه المعادلات، لا بد من نقل المجاهيل لطرف، ومنحهما الشهرة السياسية اللازمة، وتهجير المعاليم خارج البلاد، وقد فاز الأسد على المرشحين من غير خيل ولا ركاب، ودعي المجهولان بعد أن أفاء الله على الرئيس بالفوز، إلى القصر، وشكرهما الرئيس على الخسارة، وعلى حمل لقب مرشح رئاسي، لن يذكرهما التاريخ، والمرشحون للرئاسة إن وجدوا في “المهلكيات” العربية هم مندوبو صناديق أو مديرو حملات انتخابية للرئيس السابق واللاحق.
ويتوقع متفائلون لم يتعاطوا حبوب الكبتاغون السورية التي باتت من الثروات الوطنية وغلال الاقتصاد الوطني السوري، أن يضطر المرشحون إلى استخدام الرموز في الانتخابات المقبلة للاستدلال عليهم.
لأحزاب أمريكا على قلتها رموز، الحمار رمز الحزب الديمقراطي، والفيل رمز الجمهوري، ولمرشحي الرئاسة في مصر ومرشحي البرلمان رموز انتخابية، تسهيلاً وتدليلاً وتأويلاً، ونذكر أنه في انتخابات 2005 كان رمز الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، الهلال، ورمز أيمن نور رئيس حزب الغد النخلة، ورمز نعمان جمعة، رئيس حزب الوفد الجديد الشعلة، وفي انتخابات 2012، اختار الرئيس محمد مرسي رمز الميزان، والفريق أحمد شفيق، اختار رمز السلّم، وحمدين صباحى، رمز النسر.
وفي انتخابات 2014، كان رمز عبد الفتاح السيسي النجمة (اختارها من إحدى رتبه العسكرية)، واستقر حمدين صباحي على رمز النسر، وهو في الأصل فرخة.
والمرشحون للبرلمان المصري يستخدمون الرموز، تيسيراً للمواطن الأميّ، وشعاراً للمواطن المتعلم وإشعاراً واختصاراً، ويمكن تذكّر فيلم “بخيت وعديلة”، وكان رمز بخيت الجردل ورمز عديلة الكنكة أو العكس، وأظنُّ أن اللغة المصرية القديمة هي أحد أسباب اتخاذ الرموز الانتخابية في مصر، فهي لغة رمزية، وقد يكون الرمز حيواناً، (الرمز وليس المرشح)، أو آلة من الآلات، أو أداة من الأدوات، وكانت مصر قبل السيسي في فسحة من الحرية تُحسد عليها، وقد تردّت بعد مذبحة رابعة، فالإخوان هم كل المعارضة تقريبا أو عمادها، الأحزاب المعارضة الأخرى تشبه الأسماك التي تسبح مع الحيتان، فتأكل من فضلاتها، وتعيش على طفيليات جلدها، وكذلك كان حال سوريا التي تردت بعد القضاء على الإخوان المسلمين في سوريا في حماة، فتحوّل حافظ الأسد إلى زعيم معبود.
وكنت أجد كهولاً أميّين لا يعرفون حتى الأرقام، يسـألون الناس عن باصات أحيائهم البعيدة، ولو كانت لنا بلديات لوضعت رمزاً لكل خط أو كل حيّ، ومثالنا حلب، مثل سيف بجانب باصات حي سيف الدولة، نهر بجانب حي السبيل، مبنى بجانب ساحة عبد الناصر، جمجمة وعظمتين بجانب حي المهاجرين في دمشق.
الأحزاب التركية تستخدم الرموز، فحزب العدالة والتنمية رمزه المصباح، وحزب الشعوب الديمقراطية رمزه شجرة (يدان تحصران أوراق شجرة)، وكذلك فعلت المغرب في انتخابات 27 أيلول 2002، إذ خُصص رمز لكل حزب سياسي مشارك، وذلك بالنظر لصيغة الاقتراع المعتمدة والتي تقوم على بطاقة الاقتراع.
وسعى هذا النمط إلى تمكين الناخب، وخاصة غير المتعلم، من التعرف بسهولة على الحزب الذي سيصوت لصالحه. وللترميز والرموز فوائد أخرى، فهو خطوة تجريدية لائقة بانتقال البلد من عصر القبيلة إلى عصر المدنية، ومن عهد الأسماء والأسر والعشائر إلى الحداثة والقبائل الحزبية الجديدة.
وقد رأينا مرشحين رئاسيين سوريين، لا نعرف اسميهما إلا بعد البحث في غوغل، كما يبحث المرء عن أعلى قمة في العالم، ووحش بحيرة نيس، فلو كان لهما رموز لعرفناهما بسهولة، وقلنا مرشح الزمر، أو مرشح الطبل.
يذهب البحث في الشؤون السياسية السورية أنّ الأسد لم يكن مقلا في الرموز، لكن ليس في الانتخابات، وإنما في العيش والتطويع السياسي، وتحويل الشعب إلى كائنات رياضية مجهولة، بل إن الأسد كائن رمزي خلقا وخُلقا، وإن رموز حكمه كانت سمعية غير بصرية، فالشعب السوري كان يذعر لسماع اللهجة العلوية في الشارع، وهو ما اعترفت به لوحات كوميدية من بقعة ضوء والمرايا، وقد يكون التفسير أنَّ حاسة البصر متقدمة على حاسة السمع حضاريا، فالسمع ريفي والبصر مديني.
ويتوقع كاتب هذا المقال، من غير كبتاجون او ابنة العنب، أن يكثر المرشحون في الانتخابات الرئاسية القادمة، والكثرة تغلب الشجاعة والديمقراطية الحرية، ويتوقع بعض المتنبئين أن تبيح الحكومة استخدام الرموز، ويُتوقع أيضاً أن يكون البوط رمز كل المرشحين، ولكن بألوان مختلفة، لما للبوط من مهابة ورمزية فريدة، الفرق سيكون في الرقبة، طولاً أو قصراً.
وربما تكون هناك رموز انتخابية مثل كأس المتة، والرغيف (غير محروق)، والمطرقة والمنجل، والزمر والطبل، ومربعات ومثلثات (خالد العبود)،.. لكن كاتب السطور، من غير حليب سباع أو حمير، يظنُّ أن سوريا لا تستطيع أن تقفز إلى عصر الرموز الانتخابية، لأنها لم تنضج بعد، وقد احترقت ولم تنضج على النار، وأن الأسد الذي سيخوض الانتخابات، لأنه مواطن، ومن حقه الانتخاب والترشح، لن يقبل بأن يكون له رمز، لأنه هو القائد الرمز، فكيف يتخذ الرمز رمزا!
أحمد عمر – زمان الوصل