غصون أبو الذهب _ سيريا برس
أثقل اللجوء القسري كاهل ماجدة وأبناءها الأربعة الذين اضطر ثلاثة منهم إلى ترك مقاعد الدراسة للعمل من أجل حياة كريمة بعد أن تقطعت بهم السبل في تركيا، وإصابة الطفلة الصغرى بسكر الأطفال ليشخص بعدها بأعوام الأطباء مرض البنت الكبرى بسكر الشباب، وكلتا الفتاتان تتعرضان لنوبات سكر شديدة تدفع العائلة لطلب الإسعاف لنقلهم إلى المشافي الحكومية التي تستقبلهم فقط بحالات الطوارئ لأن “بطاقات الحماية المؤقتة_ الكملك” مخالف لمكان إقامتهم في إسطنبول، وهو ما يفقدهم حقهم في الحصول على المتابعة الطبية في الولاية ويمنعهم من الحصول على الأدوية المجانية ومنها دواء “الأنسولين” الذي يستخدمونه بشكل يومي.
في حديث خاص إلى “سيريا برس” قالت ماجدة: ” منذ 4 سنوات دخلت ابنتي رولا البالغة من العمر 14 عاماً في غيبوبة استمرت لمدة 15 يوماً، وبقيت بعدها في العناية المشددة لشهر ونصف اتضح خلالها إنها مصابة بسكر الأطفال، بسبب الضغوط النفسية التي عانيناها خلال تواجدنا في دمشق وصولاً إلى لجوءنا في تركيا”.
في خلال هذه الفترة تعلمت ماجدة كيفية التعامل مع مرض ابنتها من خلال الطاقم الطبي في المشفى الحكومي بمدينة إسطنبول، والذي وصفت التعامل فيه بالممتاز، ولكن معاناتها الأصعب كانت في تكييف ابنتها مع مرض السكري الذي يحتاج إلى حمية غذائية وإبر الأنسولين بشكل يومي.
منذ 4 سنوات إلى اليوم تغيرت حياة رولا وبدأت تتعايش مع مرضها بصعوبة بالغة، وخاصة أنها تقضي ما يناهز الأربع ساعات في المواصلات العامة لمدينة اسطنبول التي وصفتها والدتها بأنها “لاترحم” للذهاب والعودة إلى مدرستها البعيدة عن مكان إقامتهم، طبعا خلالها يصيبها الأعياء الشديد وتضطر لاستهلاك كمية كبيرة من الماء وبالتالي استخدام الحمام الذي كان غالبا مايمنعونها الأساتذة في مدرستها من استخدامه لعدم تفهمهم حيثيات مرضها رغم تواصل والدتها المستمر مع المدرسة ليقدروا ظرف ابنتها الصحي.
وأضافت ماجدة، بعد حملة ترحيل المخالفين لمكان تسجيلهم من حملة “الكملك” في مدينة اسطنبول بدأنا نعاني من تضييق شديد في المتابعة بالمشافي والمستوصفات الحكومية لأن بطاقات الحماية المؤقتة الخاصة بنا صادرة من مدينة أورفا، رفعنا عدة طلبات للجهات المختصة منها “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” وعبر منظمات تعنى بشؤون اللاجئين مثل “منبر الجمعيات السورية” لنقل “الكملك” لي ولعائلتي حسب القرار الحكومي بأننا نستطيع النقل إلى اسطنبول بحال كان لدينا أطفال مسجلين بالمدارس فيها، ولكن للأسف دون فائدة تذكر.
المشكلة الأكبر التي واجهت ماجدة إصابة ابنتها الكبرى بسكر الشباب، والتي بدأت بالمعاناة أيضا بالمشافي الحكومية التي لاتستقبلها في غير حالات الإسعاف، وهو ماكان له تداعيات على حياة ابنتها التي اضطرت لترك عملها مراراً بسبب حالات الإعياء والإغماء التي تصيبها وعدم تفهم أصحاب العمل لمرضها، فهي تعمل لساعات عمل طويلة بأجر متدني ودون أذن عمل أو ضمان صحي، وهو حال آلاف اللاجئات اللاتي يعملن في تركيا ويتعرضن للاستغلال.
تتنهد ماجدة وتقول ” أنا اليوم عاجزة عن متابعة الحالة الصحية لبناتي في المشافي الحكومية التي لاتستقبلنا بسبب الكملك، واعجز عن صرف دواء الأنسولين وأنا مضطرة رغم وضعنا المادي الصعب من شراء هذا الدواء شهريا بمبلغ لايقل عن 600 ليرة تركية، سمعت عن مراكز صحية ومنظمات قد تساعد ولكن لم اعرف كيفية الوصول إليها”.
الحق في العلاج
حسب المفوضية السامية اللاجئين UNHCR: “السوريون الذين لديهم أرقام حماية مؤقتة تبدأ بـ 99 مؤهلون للحصول على كل المساعدات التي تقدمها السلطات التركية تقريباً، بما في ذلك المساعدة الطبية والأدوية داخل الولاية التي يقيمون فيها، وتكون تكاليف الخدمات الطبية بجميع مستوياتها بما في ذلك مراكز الصحة العامة ومراكز الرعاية الأسرية والمستشفيات الحكومية والمستشفيات الجامعية مشمولة على قدم المساواة مع المواطنين الأتراك، وهذا يتماشى مع قانون تنفيذ/ميزانية الرعاية الصحية”.
يحصل السوريون في تركيا حاملو بطاقة الحماية المؤقتة على العلاج المجاني أو شبه المجاني في المشافي التركية الحكومية، لكن إلزام السوريين بالعلاج في الولايات التي حصلوا منها على حق الحماية المؤقتة يشكّل عائقاً أمام تلقي بعضهم العلاج الذي يحتاجون إليه.
وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: “لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية …”
و يحدد قانون الأجانب واللاجئين الصادر عام 2014 التفاصيل المتعلقة بوصول اللاجئين السوريين إلى الرعاية الصحية. حيث يمكن أن يحصل اللاجئون السوريون الخاضعون للحماية المؤقتة على الرعاية الأولية والطارئة مجاناً في المراكز الصحية للمهاجرين، والتي يقتصر دورها على الرعاية الأولية، إضافة إلى إمكانية حصولهم على الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية ومستشفيات التعلم والبحث. وتشمل الرعاية الصحية الأولية الفحوصات واللقاحات والمراقبة خلال فترة الحمل ورعاية ما بعد الولادة وخدمات تنظيم الأسرة.
كما يستطيع اللاجئون السوريون المسجلون ضمن الحماية المؤقتة الوصول إلى الخدمات الثانوية (الحكومية) والثالثة مستشفيات (التعلم والبحث) ومع ذلك، فإن تغطية تكاليف الرعاية الطبية من مسؤولية المديرية العامة لإدارة الهجرة وهذه التغطية تقتصر على تكاليف العلاج و الأدوية المنصوص عليها في ميزانية قانون الصحة.
والممارسة العملية التي رصدتها “سيريا برس” في معظم الحالات توضح أن المشافي لاتقدم الرعاية الصحية للاجئين بسبب القيود المفروضة على استخدام خدمات الرعاية الصحية خارج ولايات تسجيلهم.
معرفة نظام الرعاية الصحية في تركيا
صدر في كانون الثاني 2019 ، تقرير عن ورشة عمل تحت عنوان ” وصول اللاجئين السوريين للرعاية الصحية في اسطنبول: منظور مراع للاعتبارات الجنسانية” جاء فيه أن اللاجئين السوريين يواجهون مشكلة كبيرة في استخدام خدمات الرعاية الصحية أو الوصول إلى المعلومات الخاصة بذلك
بسبب عدة عوامل منها : اختلافات في ثقافة المرض في تركيا مقارنة بسوريا والعمليات الإدارية والحواجز اللغوية، وتتضمن المعضلات الرئيسية مشاكل في استخدام نظام مواعيد المشا في للحصول على موعد والتحديات التي يواجهها اللاجئين في توجيه أنفسهم في بروقراطية نظام المشا في .
ويصبح الأمر أكثر تعقيداً في الحالات التي يتوجب على اللاجئين الحصول على تقرير طبي يوضح وجود إعاقة أو تحديد الجراحة أو العلاج المحدد الضر وري.
ويمثل حاجز اللغة ونقص خدمات الترجمة في المرافق الصحية تحديات كبيرة للاجئين ومقدمي الرعاية الصحية. ويشمل قانون الحماية المؤقتة فقرات تذكر أن خدمات الترجمة ستتاح للاجئين “المادة 31” لكن هذا البند لم يتم تفعيله بشكل كافي ليقدم الخدمة اللازمة كما يجب.
على ما سبق تؤكد الصيدلانية الأستاذة “إكرام قشوع” التي عملت سابقاً في العديد من المراكز الصحية بمدينة إسطنبول إلى “سيريا برس” ، تعتبر مشكلة التواصل مع الأطباء من أكبر العوائق للحصول على الخدمات الطبية إضافة إلى قلة عدد المترجمين في المشافي وعدم قدرة معظم اللاجئين دفع تكاليف المترجم الخاص.
وتضيف السيدة إكرام، “يستطيع أي لاجئ لديه “بطاقة الحماية المؤقتة _الكملك ” صادرة عن مدينة اسطنبول الاستفادة من كافه الخدمات الطبية المقدمة من مشافي الدولة مجانا” من معاينات وعمليات جراحية وأدوية باستثناء بعض الحالات الخاصة، وتقوم بعض المنظمات بمساعدة ودعم اللاجئين لتحصيل هذه الخدمات مثل منظمة “yeryüzü doktorlar,dünya doktorları,asam” من خلال مساعدة المرضى بحجز المواعيد في المشافي واستخراج تقارير الإعاقة ومرافقة بعض المرضى ذوي الحالات الخاصة إلى المشافي ومتابعة حالتهم الصحية، ولكن عدم امتلاك كملك اسطنبول يحول دون الاستفادة من هذه الخدمات حتى في بعض الحالات الصحية الخاصة كحالة بنات السيدة ماجدة اللواتي يحتاجون إلى متابعة حالتهم الصحية بشكل دوري كما يحتاجون إلى أدوية دائمة مثل “الأنسولين”، لذلك لابد من التواصل مع إدارة الهجرة في اسطنبول من قبل المعنيين لنقل “الكملك” لهذه الحالات الصحية الخاصة”.
وأضافت السيدة قشوع “لو كان مريض السكري من حملة بطاقة الحماية المؤقتة في اسطنبول، يستطيع الذهاب إلى مركز صحة المهاجرين الذي يحوله بدوره إلى مشفى لاستخراج تقرير طبي يثبت الحالة المرضية يستطيع بموجبه المتابعة مع طبيب العائلة أو الداخلية في المركز، ومن ثم يكتب له وصفة طبية لدواء الأنسولين مدتها 3 شهور مع الشرائح الخاصة بفحص السكري على أن يكون لدى المريض جهاز الفحص من أمواله الخاصة، فالخدمات المقدمة من مركز المهاجرين فقط لمن لديه كملك صادر من ولاية اسطنبول، ومن يمتلك إقامة سياحية أو كملك صادر من ولاية أخرى يمكن له العلاج على أن يشتري الدواء من ماله الخاص، وهناك بعض مراكز المراجعين لاتقبل حتى بالمتابعة لمن لايملك كملك اسطنبول، وبحسب السيدة إكرام من الممكن للسيدة ماجدة أن تستخرج تقرير طبي من مشفى خاص وتتوجه إلى شعبة الأجانب ببايزيد كي ينقلون لهم الكملك للحصول على العلاج اللازم بموجب التقرير”.
وأشارت السيدة قشوع أن وزارة الصحة التركية هي المعنية بالأمور الصحية للاجئين وبالتالي أغلب المنظمات توقفت عن تزويد المرضى بالخدمات الصحية، وكان سابقا هناك جمعية الوحدة والتعاون السورية في منطقة الفاتح تقدم دواء الأنسولين.
مرض السكر
بالتواصل مع الدكتور مصطفى حامد أوغلو من جمعية الوحدة والتعاون السورية قال إلى “سيريا برس” مرض السكري هو ارتفاع سكر الدم لمعدلات عالية أكثر من الرقم الطبيعي ،وذلك بسبب العجز الكامل أو الجزئي للبنكرياس عن انتاج وفرز الانسولين، أو بسبب عجز الجسم عن الاستفادة من الانسولين الذي ينتجه بسبب مقاومة الانسولين.
و الانسولين، هو هرمون تفرزه خلايا بيتا الموجودة بالبنكرياس ، وجوده ضروري لإدخال السكر إلى داخل الخلايا للاستفادة منه كطاقة لاستمرار حياة الخلية.وللأنسولين وظائف أخرى متعددة.
مرض السكر مرض مزمن وله مضاعفات كثيرة ،منها المضاعفات الحادة السريعة التي تحتاج لتدخل سريع مثل ارتفاع سكر الدم الحاد وغيبوبة السكر ،وهبط السكر.
ومنها المضاعفات المزمنة وهي خطيرة وتحتاج دقة بالعلاج والمتابعة مثل الاعتلال البصري، والفشل الكلوي والقدم السكري.
وأضاف الدكتور حامد أوغلو، يوجد اليوم بالعالم ما يقارب 592 مليون مصاب بمرض السكري
والتوقعات تشير أن هذا الرقم سيصل الى 642 مليون بحلول العام 2035 م، أي أن هناك تزايد سريع لمرض السكري بكل العالم ، حيث بلغت نسبة الإصابة بتركيا إلى 13.7%.
بالعام 2013 توفي 5.1 مليون شخص بسبب مرض السكري ومضاعفاته، ونصف هؤلاء أعمارهم أقل من 60 سنة.
ومن أعراض المرض بحسب الدكتور حامد أوغلو، زيادة التبول وشرب الماء الزائد والعطش و نشاف الريق وتناول الطعام الكثير أو فقدان الشهية ،التعب والوهن وفقدان الوزن والتبول الليلي.
وقد تكون غباشة البصر وفقدان الوزن بدون سبب واضح والالتهابات الإنتانية المتكررة العنيدة والحكة أيضاً من علامات السكري ، وتقول الدراسات أن 30-40% من مرضى السكري لا يعرفون انهم مصابون بالسكري، و90% من مرضى ما قبل السكري لا يعرفون ذلك.
وحول ما تقدمه منظمة الوحدة والتعاون السورية لمرضى السكري قال الدكتور حامد أوغلو ، منذ سنوات كنا نوزع الأنسولين مجاناً للمرضى، وفي الوقت الحالي لاتقدم المنظمة أي خدمات طبية للأسف في مدينة اسطنبول.
بطاقة الحماية المؤقتة
بالتواصل مع الأستاذ محمد أكتع عضو وأمين سر مجلس إدارة “منبر منظمات المجتمع المدني” ورئيس لجنة العلاقات التركية، أوضح إلى “سيريا برس” آلية تقييم طلبات نقل “الكملك” من الولايات الأخرى إلى إسطنبول من قبل إدارة الهجرة بالولاية، وقال ” بداية من الجيد أن نذكر بسنة 2019 تم إغلاق نقل الكمالك إلى اسطنبول وتم إلغاء تقديم الطلبات الجديدة، بنفس العام تدخل منبر الجمعيات السورية وعمل عدة لقاءات مع إدارة الهجرة وناصر لاستصدار بعض الاستثناءات للسوريين لنقل الكملك، وبعد وقت أصدرت دائرة الهجرة أربعة استثناءات أولها أنه يحق لأي طالب جامعي في إسطنبول نقل الكملك له فقط بشكل شخصي دون عائلته، وثاني استثناء هم طلاب ما قبل الجامعة بشرط أن يكون مسجل في إسطنبول قبل السنة الدراسية 2019_2020 ويحق له ولأسرته نقل الكملك، الحالة الثالثة هي لم الشمل وبهذه الحالة تنظر إدارة الهجرة إلى ما يسمى بالتثقيل وهو أنه إذا كانت أغلب العائلة في إسطنبول فيحق لهم النقل، والحالة الرابعة هي أذن العمل على أن يكون ماضي عليه ثلاثة أشهر فيحق له نقل الكملك هو وعائلته من الدرجة الأولى”.
وبما يتعلق بعائلة ماجدة طلب السيد “أكتع” مشكوراً أن يطلع على تفاصيل الحالة ليقدم المساعدة اللازمة ولمراجعة الطلب، بعد تأكيده أنه انضم إلى منبر الجمعيات في 2020، مشيراً إلى “أن القوائم التي أعلن عنها المنبر في عام 2019 من قبل الإدارة السابقة تم تسليمها كاملة لإدارة الهجرة وهي التي تقوم بتقييم هذه الطلبات والتواصل مع الأفراد”.
آلاف السوريين ممن لا يملكون أوراق رسمية في تركية ومثلهم ممن يملكون بطاقات حماية مؤقتة صادرة من ولاية غير مكان إقامتهم أصواتهم مهمشة ولا يجدون من يناصر حقهم في الحصول على الخدمات الصحية التي كفلتها قوانين حقوق الإنسان، ومنهم السيدة ماجدة وعائلتها ، وخاصة أن آلاف المنظمات السورية الموجودة في تركيا عاجزة عن إيصال معاناتهم إلى الجهات الحكومية، وليس بينهم منظمة واحدة يجتمع عليها تمثيل السوريين تتحدث باسمهم وتنقل الصعوبات والتحديات التي يعانيها اللاجئين إلى مراكز صنع القرار في تركيا.
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affaris Canada‘‘